عرفت المنظومة الصحية مؤخرا في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله تغييرا ملحوظا،بدأت من خطاب افتتاح الدورة البرلمانية لسنة 2020 ، حيث دعى فيه جلالة الملك الى الحرص على تحقيق التنمية الاقتصادية والنهوض بالعمل الاجتماعي مع تحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين،كما دعى فيه جلالة الملك الى تعميم الحماية الاجتماعية لجميع المغاربة باعتباره مشروع وطني كبير يرتكز على اربع مكونات اساسية :
- أولا: تعميم التغطية الصحية الاجبارية، في أجل أقصاه نهاية 2022، لصالح 22 مليون مستفيد إضافي، من التأمين الأساسي على المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء، أو الاستشفاء والعلاج
- ثانيا: تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن الدراسة، تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة
- ثالثا: توسيع الانخراط في نظام التقاعد، لحوالي خمسة ملايين من المغاربة، الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش
- رابعا: تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل، بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار:
عانت المملكة المغربية كبقية دول العالم من تبعيات الوباء الذي ضرب البشرية والمعروف اختصارا بكوفيد 19،اكراهات وتداعيات اقتصادية واجتماعية مختلفة همت جميع ارجاء العالم،ولم تسلم المملكة المغربية من ذلك،حيث تبين للجميع الحاجة الملحة الى تأسيس أسس وركائز الدولة الاجتماعية بشكل تساير التغيرات والمستجدات التي سيعرفها العالم ما بعد كوفيد 19.
لقد عرفت المملكة المغربية في الفترة مابين 2021 الى حدود الساعة من عام 2024 فترة استثنائية في تاريخ الدولة المغربية،فترة تميزت بإقرار سياسة اجتماعية كبرى تقودها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بأمر من جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه والذي ما فتأ يعطي اهتماما كبيرا للفئات الهشة والمتوسطة من شعبه الوفي الأبي،تماشيا مع توجيهاته السامية في العديد من الخطب الملكية سواء في افتتاح الدورات البرلمانية او خطاب العرش.
لقد اقرت المملكة المغربية عدة أليات مؤسساتية لتمهيد الطريق امام تنزيل ورش الحماية الاجتماعية والتي نادى بها القانون 09.21، ومن تلكم الاليات اقرار السجل الاجتماعي الموحد تجسيدا لخطاب جلالة الملك في خطاب العرش من سنة 2018،حيث اكد فيه على ضرورة اخراج مبادرة جديدة لاحداث السجل الاجتماعي الموحد باعتباره مبادرة وألية واعدة لتحسين مردودية البرامج الاجتماعية بمملكتنا الشريفة.
لقد جاء القانون الاطار 09.21 ليأسس لتصور جديد لمفهوم الحماية الاجتماعية،وذلك بتحديده الفئات المستفيدة من هاته الحماية ،اضافة الى تبيان محاور هاته الحماية والمنحصرة في الحماية من اخطار المرض وتعميم التعويضات العائلية،والتعويض عن فقدان الشغل،اضافة الى توسيع الانخراط في انظمة التقاعد مع ابتكار هذا القانون لأليات تمويل اكثر تشاركية كصندوق المقاصة والهبات.
ان موضوع للحماية الاجتماعية ببلادنا ليس وليد اليوم او الامس ،بل هي رغبة ملحة من الدولة المغربية منذ عقود مضت،وما اخراجها اليوم لحيز الوجود الا ثمرة عديد من السياسات العمومية في هذا الشان،فقد تم احداث وكالة التنمية الاجتماعية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن سنة 1999،يليها اطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عامه 2005 باعتبارها ألية مؤسساتية للحد من البطالة والتفاوتات الطبقية،هذا من جهة،ومن جهة اخرى اخراج مدونة الشغل سنة 2003 ومارافقتها من تحسينات على مستوى الضمان الاجتماعي،تليها مدونة التغطية الصحية من خلال القانون 65.00.
كما كان دستور 2011 بمثابة تأكيد قوي وراسخ للدولة المغربية على ضرورة جعل الحماية الاجتماعية بمثابة ركيزة دستورية لا غنى عنها ولا نقاش فيها،بشكل يمكن جل المؤسسات الوطنية من المضي قدما على اخراج تجليات الحماية الاجتماعية على ارض الواقع حيث اقرت الوثيقة الدستورية في المادة31 على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة.
ان الدارس لمسار الحماية الاجتماعية لن يقف على حجم الانجازات الا في ظل الحكومة الحالية،حيث تمكنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية برئاسة البروفيسور خالد ايت الطالب من التعجيل باخراج ورش الحماية الاجتماعية بشكل ملموس يلبي احتياجات المواطنات والمواطنين طبقا لتعليمات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله،حيث جاء القانون الاطار 09.21 كما سلفنا الذكر باليات مهمة للتدبير والتمويل،وبغلاف مالي قدر ب 51 مليار درهم مقسمة على أليتين،الالية الاولى متمثلة في الاشتراك والمقدرة ب 28 مليار درهم ،والألية الثانية قدرت ب 23 مليار درهم وهي ألية التضامن،حيث وجهت الأولى للاشخاص الذين تتوفر لديهم القدرة على الاشتراك قصد المساهمة في تمويل التغطية الاجتماعية ،اما الثانية فقد وجهت للاشخاص الذين لا تتوفر فيهم القدرة على المساهمة في التمويل،كما تم تحديد المدة الزمنية لاخراج هذا الورش الكبير الى حدود 2025 ،
ان موضوع الحماية الاجتماعية ببلادنا كان ثمرة سياسات عمومية سبق ذكرها،ولعل من بينها البرنامج الحكومي الحالي 2021.2026،هذا البرنامج حرص اشد الحرص على تعزيز العرض الاجتماعي بثلاث محاور كبرى،والتي جاءت على الشكل التالي:
1. تعميم التعويضات الاجتماعية لكل الاسر المعوزة،وذلك من خلال الاقرار بتعويضات عائلية تقدر ب 300 درهم شهريا عن كل طفل في حدود تلاث اطفال ابتداءا من اواخر سنة 2022،مع اخراج منحة عن الولادة للاسر المعوزة قدرت ب 2000 درهم للولادة الاولى،ثم 1000 درهم للولادة الثانية ابتداءا من سنة 2023.
2. دعم مدى الحياة للاشخاص في وضعية اعاقة: وذلك من خلال اقرار ميزانية تقدر ب 500 مليون درهم تعطى للجمعيات العاملة في مجال الاعاقة.
3. اقرار برنامج الدعم المالي تيسير 2022.2023 : من خلال اخراج دعم للاسر الفقيرة والمعوزة من اجل المساعدة على تمدرس الابناء والحد من ظاهرة الهدر المدرسي خصوصا في الوسط القروي.
4. اقرار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثالثة 2019.2023 كألية مؤسساتية لتحسين مكتسبات المرحلة الاولى والثانية منها،حيث تبقى الغاية منها دعم الفئات الهشة ومواكبة الاشخاص في وضعية هشة وصعبة،من خلال خلق مشاريع تنموية للشباب بشكل يسهل ادماجهم داخل المجتمع.
وكمل هو معلوم فإن اي ورش تنموي واجتماعي واقتصادي قد لا يخلوا من مكامن ضعف التنزيل الامثل،حيث برجوعنا الى القانون الاطار 09.21 فقد اقر بأليات اكثر تطور للتمويل،والتي من بينها إلغاء صندوق المقاصة والرفع من التمويل الجبائي للسياسة الاجتماعية،من خلال توجيه تكاليف صندوق المقاصة نحو أليات مندمجة للحماية الاجتماعية والسجل الاجتماعي الموحد،وهو ما يفهم منه تخصيص الموارد الناتجة عن السحب التدريجي لغرض دعم الدولة للمواد الغذائية والطاقية لتمويل ورش الحماية الاجتماعية.
ومن متطلبات التسريع بنجاح هذا الورش الملكي ما يلي:
1. التسريع بعمليات تعميم اعتماد منظومة الاستهداف .
2. الاسراع باحداث الوكالة الوطنية للسجلات حيث ان اسنداها لوزارة الداخلية من شأنه افراغ المنظومة من معناها على اعتبار انها تمثل الاطار المؤسساتي الطبيعي للوكالة.
3. تأهيل البنيات التحتية الصحية بالمغرب،على اعتبار ان الهدف الاسمى من ورش الحماية الاجتماعية هو تمكين المواطنات والمواطنين من رعاية صحية ذات مستوى عالي،بشكل يضمن المساواة مع مختلف شرائح المجتمع،وهو الامر الذي تنبهت له وزارة الصحة والحماية الاجتماعية،حيث سهر البروفيسور خالد ايت الطالب باعتباره الوصي على قطاع على افتتاح عدة مراكز ومستشفيات صحية بمختلف مدن المملكة المغربية تجسيدا لرؤية جلالة الملك المتبصرة للنهوض بالمنظومة الصحية والتي نادى بها القانون الاطار 06.22.
ومن الاصلاحات الجذرية للبنيات التحتية الصحية بالمغرب نرصد ما يلي :
· افتتاح السيد الوزير خالد ايت الطالب ل 15 مؤسسة صحية مع وحدة المستعجلات الطبية على مستوى جهة العيون الساقية الحمراء سنة 2024
- اعطاء الانطلاقة لمستشفى القرب شريفة بمراكش بشراكة مع مؤسسة جاسم ابن حمد القطرية سنة 2022
- اعطاء الانطلاقة لمستشفى القرب المحاميد بمراكش .
- اعطاء الانطلاقة لخدمات مستشفى النهار بخريبكة مع افتتاح 22 مركزا صحيا حضري وقروي بجهة بني ملال خنيفرة.
- انطلاق خدمات مشروعين صحيين بسلا
- اعطاء الانطلاقة لخدمات المركز الصحي الحضري من المستوى الثاني بمقاطعة اليوسفية بالرباط.
- اعطاء الانطلاقة ل 16 مركزا صحيا حضري وقروي على مستوى اقليم بركان،تاوريرت،جرادة ،گرسيف.
لقد تبين بالملموس حجم العناية الملكية السامية لانجاح ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب،بشكل يمكن جميع المواطنات والمواطنين من الاستفادة من جميع الخدمات الصحية والدعم المالي الاجتماعي المباشر الموجه للاسرة المعوزة،داعين مختلف المؤسسات الدستورية والمنظمات الحكومية والغير الحكومية وفعاليات المجتمع المدني المعنية بشكل مباشر بموضوع الحماية الاجتماعية على المساهمة الفعالة الواعية والمسؤولة في انجاح هذا الورش الملكي الهام خدمة للمواطنات والمواطنين.
*متصرف بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية.
تعليقات الزوار ( 0 )