منذ مطلع الألفية الجديدة، ظهرت أوبئة خطيرة، أغلبها سببتها فيروسات تاجية، ومنها السارس الذي ظهر أول الامر في الصين في نوفمبر 2002 وأدى الى إصابة 8000 شخص ومات منهم 800، بعدها بسبع سنوات، ظهر فيروس H1N1 المعروف بانفلونزا الخنازير في المكسيك أواخر مارس 2009 وتراوحت ضحاياه بعد المراجعة ما بين 151 ألف ونصف المليون وفاة.
بعدها بعقد من الزمن، وفِي سنة 2012، ظهرت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية المعروفة اختصارًا بميرس التي انتقلت من الإبل الى الانسان في المنطقة وأصابت 2500 شخص. أما الايبولا الذي ظهر أول الامر في افريقيا سنة 1976، فقد عاود الظهور مرة أخرى سنة 2014 متسببًا في مقتل 11000 شخص في بلدان وسط غرب افريقيا.
أخيرا ظهر فيروس كورونا الذي أظهر شراسة وسرعة في الانتشار بددت كل الأمل في القضاء عليه كسابقيه من الفيروسات، فبعد مرور أكثر شهرين من ظهوره في مدينة ووهان الصينية وانتشاره في باقي بلدان العالم، وبعد أسابيع طويلة من الإغلاق وتطبيق الحجر الصحي في العديد من الدول، بدأت الصورة تتضح بشكل جلي، وهي أن الإغلاق ساهم في تباطؤ انتشار المرض، مما قلص من عدد المرضى وأنقذ أرواح الملايين، لكن مع وجود بعض الخصوصيات التي تميّز هذا الفيروس المستجد، يبقى من المستحيل جدّا القضاء عليه بصفة نهائية بالإعتماد على الحجر الصّحي، حتى ولو استمرّا لشهور طويلة.
فما الذي جعل العالم يتغلب على الأوبئة الأربعة التي سبقت فيروس كورونا؟ وماهي الأسباب التي تجعل من المستحيل القضاء على هذا الاخير؟ وفي حالة فرض هذا الفيروس نفسه على البشرية، ماهي سبل التعايش معه؟
حاجز الأعراض ومعدل العدوى عاملا حاسمان في القضاء على الأوبئة السابقة
لو قمنا بمقارنة خطورة الأوبئة السابقة مع فيروس كورونا، فإن هذه الاخيرة أقل فتكًا بالإنسان، كونه يحصد أرواح ما بين 4% و6% من عدد المصابين، بينما الايبولا مثلا، فهو يحصد ما بين 5 و 8 أشخاص من كل عشرة، لكن العالم كان محظوظا في القضاء عليها كلها، وما ساعده على ذلك، هو أن المصابين بالفيروسات السابقة تظهر عليهم كلهم الأعراض، هذا العامل سهّل مهمة عزل المصابين ومخالطيهم في وقت مبكر وبالتالي تطويق هذه الأوبئة.
هذا بالاضافة الى أن معدل انتشار الأوبئة السابقة كان ضعيفا، مقارنة بفيروس كورونا، فمثلا الايبولا، لا ينتقل بالرذاذ، بل بالاتصال باللمس، وهو ما يجعل معدل عدواه ضعيفة وتقترب من الصفر في ظل وجود مراقبة صارمة. أما السارس فقد قُضي عليه عبر ممارسات النظافة الجيدة مثل غسل اليدين بشكل متكرر، وبفضل بعض العوامل البيئية مثل ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة في الصيف.
المرضى الصامتون وسرعة الانتشار علامتان فارقتان في استحالة القضاء التام على فيروس كورونا
عكس الأوبئة السابقة، هناك معضلة تصاحب فيروس كورونا تجعل من المستحيل القضاء عليه نهائيا، هذه المعضلة، يجسدها المرضى الحاملون للفيروس دون أن تظهر عليهم الأعراض، الذين يمثلون نسبة 30,8% من كل المصابين بالمرض حسب دايلي ميل البريطانية، هؤلاء، يصعب رصدهم، وحتى تجاه أنفسهم، فلا يشعرون بإصابتهم بالفيروس، لكن خطورتهم تكمن في قدرتهم على نقل العدوى للآخزين.
من جانب آخرى، تُشكّل سرعة العدوى لدى فيروس كورونا مشكلة أخرى تصعّب من مهمة القضاء عليه، فكل شخص مصاب بهذا الفيروس، يستطيع نقل العدوى لثلاثة أشخاص، يصبحون معديين بعد ثلاثة أيام، حتى ولو تأخّر ظهور الأعراض لديهم. الأمر الذي يجعل الضحايا يتكاثرون بمتوالية هندسية رهيبة.
كيفية التعايش مع فيروس كورونا في ظل غياب لقاح فعّال له
انطلاقًا من الاسباب السابقة، ذهب علماء صينيون يتصدرهم جي كي مدير معهد علم الأمراض في الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية الى القول بإن كورونا المستجد لن يتم القضاء عليه، وهو الامر الذي أيده فيه أنتوني فاوتشي مدير المعهد الوطني للحساسية والامراض المعدية عندما قال بأن فيروس كورونا قد يصبح مرضًا موسميًا.
من هنا يتضح أن القضاء النهائي على فيروس كورونا مرتبط بإنتاج لقاح فعال ضده، وهو أمر لن يتحقق الا بعد شهور طويلة أو حتى سنوات كما صرّح بذلك وزير الصحة الألماني ينس شبان. ومن هنا يصبح فيروس كورونا أمرًا واقعًا على الانسان التعايش معه.
في ظل هذه التكهنات، فإن استمرار الحجر الصحي والإغلاق الى أجل غير مسمّى دون جدوى، فمن خلال الأرقام، يتضح أن فيروس كورونا يقتل أقلّ من العديد من الأمراض التي يتعايش معها الانسان منذ عقود، لكن المشكل المطروح بالنسبة لهذا الفيروس هو سرعة انتشاره التي تتسبب في الضغط على سقف المنظومة الصحية لبعض البلدان.
ولتفادي ذلك، يبق إعادة الفتح ضرورة ملحّة شرط الإبقاء على إجراءات التباعد الاجتماعي وإجراءات الوقاية لخفض سرعة انتشار العدوى الى أدنى مستوياتها، وهو أمر نجحت عدة دول في تطبيقه، أهمها ألمانيا والدول الاسكندنافية وكوريا الجنوبية وعلى دربها تجربتها تسير باقي الدول الاخرى.
وفي انتظار ظهور لقاح فعال، يبق الامل معلقا على تطوير علاجات تخفض من الأعراض وتقلص من فترة التعافي ومن نسبة المرضى الذين يحتاجون الى الانعاش، وبالتالي تقليص نسبة الوفيات الى أدنى مستوى لها.
*كاتب وصحفي مغربي مقيم في واشنطن
تعليقات الزوار ( 0 )