رَجَّ البَيْتُ الداخلي لحزب العدالة والتنمية، ليلة أمس (الجمعة) على وقع خبر تقديم المصطفى الرميد استقالته التي رفعها إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، لأسباب مرضية صحية، قبل أن يفاجأ الحزب بهزة ثانية باستقالة إدريس الأزمي من رئاسة المجلس الوطني لـ”البيجيدي”، من منصبه وأمانة الحزب، احتجاجا على المسار الذي يسير فيه حزبه.
وتساءل العديد من المتابعين للشأن السياسي، عن أسباب وخلفيات ودواعي الاستقالات المتتالية والمتزامنة داخل حزب “المصباح” في هذا التوقيت، لاسيما أنّ ولاية الحكومة الحالية التي يقودها الحزب تكاد تشرف على نهايتها.
كما أنّ تصريحات رئيس المجلس الوطني للحزب إدريس الأزمي الذي قال في رسالته ” لم أعد أتحمل ولا أستوعب ولا أستطيع أن أفسر أو أستسيغ ما يجري داخل الحزب، أسالت مِداد العديد من المنابر الإعلامية، محليا ووطنيا، مما ينذر بتشتت في التدبير وتمزق داخل هذا الكيان الحزبي.
إشهار واقعة الاستقالة وتداولها بشكل علني مخالف لأدبيات سجل التقاليد الوزارية
وفي هذا الإطار، قال أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، إنّه وضمانا لاحترام التعاون والتوازن بين السلطات الذي أضحى من المبادئ الجوهرية التي ينبني عليها النظام الدستوري المغربي، منع على الوزراء أن يقدموا استقالتهم الفردية أو الجماعية بشكل مباشر إلى الملك دون إحترام مسطرة المرور عبر رئيس الحكومة.
وأوضح السعيد، ضمن تصريح أدلى به لجريدة “بناصا” أنّ ما أقره المشرع في الفقرة الخامسة من الفصل 47 من دستور 2011، يهدف إلى تحقيق غايات توطيد فكرة إزدواجية السلطة التنفيذية.
ويتضح من خلال الوثيقة المتدوالة في وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة باستقالة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، أنها منسجمة مع مقتضيات الدستور، غير أن الأعراف الدستورية تقتضي عدم إشهارها إلا بعد توصل الجهة المكلفة بالبت في طلب الاستقالة، حيث منح الدستور السلطة التقديرية الواسعة للمؤسسة الملكية في قبول أو رفض طلب الاستقالة.
وأضاف المتحدث ذاته، أنّه بالعودة إلى العديد من الحالات المشابهة التي وقعت بعد دستور 2011، يظهر أن المؤسسة الملكية لاترفض الاستقالات التي ترفع بغض النظر عن أسبابها وداوفعها، مشيرا، على سيبل المثال إلى إستقالة محمد أوزين، والحبيب الشوباني، وسمية خلدون، ونزار بركة.
وأكد الخبير السياسي، أنّ مسألة طلب الاستقالة لاتطرح تعقيدات دستورية في البنيان الدستوري المغربي، ذلك أن الطريقة التي قدمت بها إستقالة مصطفى الرميد وخروجها إلى العلن في ظل صمت الناطق الرسمي باسم الحكومة، ودون انتظار ظهير الملك بخصوص قبولها أو رفضها، هو الذي أضفى على هذه الواقعة متابعة مجتمعية كبيرة.
وبخصوص إستقالة إدريس الأزمي من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ورئاسة المجلس الوطني للحزب، قال السعيد: إنّ “أسباب النزول كثيرة ومتعددة ومتداخلة، بعضها مرتبط بسياق أبعاد ما أضحى يعرف بتيار بنكيران، وبعضها مرتبط بالتحديات التي واجهها الحزب خلال تدبيره للعمل الحكومي”.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أنّ التحديات الأخرى ترتبط بموضوع الإصلاحات الجديدة ذات الصلة بالمنظومة الانتخابية، لافتا إلى أنه يصعب تأويل أو تفسير السبب الرئيسي للاستقالة، كما يتعذر التنبؤ بتداعياتها المستقبلية على التماسك الداخلي للحزب في ظل الغموض الذي يلف السياسة التواصلية للحزب.
واقعة الاستقالات: محاولة لحفظ ماء الوجه السياسي إدراكا منه بصعوبة الاستحاقات الانتخابية المقبلة
من جانبه، يري رشيد عدنان، أستاذ القانون العام بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، أنّ مسألة الاستقالة، هي مسألة عادية وتوجد في أعرق الديمقراطيات، وهناك ممارسات سابقة في هذا الشأن في التجربة المغربية، بيد أن ما يميز هذه الواقعة هو الإنتشار الواسع الذي عرفته استقالة الرميد من وزارة حقوق الانسان.
وأضاف عدنان، في حديث مع “بناصا”، أنه يبدو أن “البيجيدي” قد أراد لهذه الاستقالة أن تكون كذلك، بخلاف ما كان عليه الأمر في تجارب سابقة، بحيث كان يبقى الموضوع طي الكتمان ولا يتعدى تداوله لدى دوائر القرار العليا.
ولفت المصدر ذاته، أنه دون الخوض في الطريقة التي سيقدمها بها رئيس الحكومة إلى الملك، ودون الحديث عن قبولها أو رفضها، فإن حزب العدالة والتنمية قد أراد من ذلك الظهور بمظهر الحزب المتواصل مع المواطنين لحفظ ما تبقى من ماء وجهه السياسي في ظل الخلافات الجذرية التي يعاني منها على المستوى الداخلي والتي عبرت عنها استقالة الأزمي من هياكله.
وأوضح رشيد عدنان، أنّ سبب تلك الخلافات راجع بالأساس إلى عدم قدرة الحزب، على الرد الموضوعي على المؤاخذات والانتقادات التي توجه إليه نتيجة قيادته لحكومتين متعاقبيتين من جهة، وعلى عدم قدرته على مواجهة الدولة فيما يتعلق بإعادة ربط العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل من جهة ثانية، ولعل ما يزكي هذا الطرح هو إنشاؤه للجنة مركزية دائمة لدعم الشعب الفلسطيني قبل أيام.
وخلص المتحدث ذاته، إلى أنه وكنتيجة لكل ما سبق، فإنّ المرحلة التي يعيشها حزب العدالة والتنمية هي مرحلة عادية شبيهة بما عاشه حزب الإتحاد الإشتراكي بعد تجاربه الحكومية، وأن سلوكه طريق الاستقالات لا يعدو أن يكون محاولة منه لحفظ ماء وجهه السياسي إدراكا منه بصعوبة الاستحاقات الانتخابية المقبلة بالنسبة إليه، خاصة في ظل التعديلات التي تناقش اليوم بخصوص المقتضيات الانتخابية والتي قد يفقد بسببها مجموعة من قادة الحزب مقاعدهم الانتخابية، خاصة على مستوى المدن الكبرى.
تعليقات الزوار ( 0 )