Share
  • Link copied

واشنطن ، والبحث المستمر عن إمكانية مقاضاة بكين بسبب فيروس كورونا المستجد

 بدأت بعض الدول خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبريطانيا وبعض هيئات المجتمع المدني تنادي بمحاسبة الصين قانونيا ، والبحث عن سبل رفع دعوى قضائية ضدها بسبب تسترها على الفيروس في بداية ظهوره على أراضيها ، وسماحها بسفر الملايين كان بعضهم حاملا للعدوى دون أن تظهر عليه أعراض ، وأن الصين بتسترها على تفشي الفيروس في بدايته أسهمت في انتشاره خارج حدودها ، وإصابة العالم أجمع بالذعر ، وتوقف الاقتصاد وخسارة مليارات الدولارات حتى الآن ، لا بد لها من دفع تعويضات بسبب مسؤوليتها عن تفشي هذا الفيروس في العالم وما أحدثه من خسائر بشرية واقتصادية  .

 فهل تنجح واشنطن بمعية حلفائها في مقاضاة بكين ودفعها الثمن  ؟ 

 الأساس القانوني لواشنطن وحلفائها لرفع الدعوى ضد بكين  ؟ 

  تعتقد واشنطن وبعض الخبراء القانونيين الغربيين وخاصة الأمريكيين منهم على أن كل عناصر إدانة الصين ومقاضاتها متوفرة ،  والأدلة التي يسوقها أصحاب هذا الطرح أدلة واقعية وأدلة قانونية .

 وتتمثل الأدلة الواقعية في اعتقال الشرطة الصينية للطبيب لي وينليانغ ، الذي عبر عن قلقه من الفيروس الغامض يوم 30 دجنبر الماضي في إحدى غرف الدردشة على الانترنت، وتم اعتقاله في نفس الليلة ، وأجبرته الشرطة على توقيع اعتراف بأنه ينشر ” ادعاءات وشائعات تضر بسلامة البلاد ” ، وقدم اعتذارا علنيا ووعد بعدم تكرار ذلك ، لكن الطبيب الشاب توفي بعد ذلك في ال7 من فبراير في مستشفى ووهان المركزي ، بعد إصابته بالفيروس الذي حاول تحذير السلطات منه فاعتقلته . 

 كما يستشهدون بحقيقة تعمد السلطات الصينية إخفاء المعلومات عن شعبها وإصدار تطمينات زائفة بشأن الفيروس، في الفترة الممتدة من منتصف دجنبر 2019 إلى منتصف يناير 2020 في إطار الاستعداد لرأس السنة الصينية التي كانت في 25 يناير ، وبعدد من التقارير الإخبارية المحلية في الصين التي تحدثت عن فيروس غامض يشبه فيروس ” سارس ” بنسبة 75% ، نقلا عن فني يعمل في أحد معامل ووهان .

  أما الأدلة القانونية فتتمثل في استناد واشنطن على بنود القانون الدولي ذات الصلة  لمقاضاة الصين ، وخاصة على المادتين 6 و 7 من قانون الصحة الدولية ، وهي معاهدة دولية وقعت عليها بكين ، وملزمة قانونيا بالحفاظ على بنودها، فعلام تنص المادتان؟ 

 فالمادة 6 من معاهدة قوانين تنظيم الصحة العالمية تنص على أن ” تلتزم كل دولة بالشفافية في التعامل مع المعلومات والحقائق المرتبطة بالأمراض المعدية والأوبئة بشكل فوري ومباشر وأن تشارك باقي دول العالم كل ما يتوفر لديها من معلومات في هذا الشأن . 

 بينما تنص المادة 7 من ذات المعاهدة على أن تلتزم كل دولة بإبلاغ منظمة الصحة العالمية بشكل فوري عن ظهور أي مرض معد داخل حدودها ، وأن تسهل عمل منسوبي المنظمة في جهود استكشاف واحتواء العدوى ” .   

فهل ستدفع الصين الثمن أمام الهيئات الدولية في حال مقاضاتها  ؟ 

 الحقيقة أن الأمر ليس بهذه البساطة لأسباب قانونية أيضا ، فالذين يستندون للمواد 6 و 7 من القانون الدولي المنظم للشؤون الصحية سيواجهون عائقا قانونيا أساسيا يتمثل في بند ” السيادة ” في القانون الدولي ، وينص على أنه ” لا يجوز محاكمة أي دولة أمام المحكمة الجنائية أو أي هيئة دولية أخرى إلا بموافقة الدولة المطلوب محاكمتها  ” وبالطبع الصين لن توافق على أن تتم محاكمتها دوليا . 

   كما أن المشكلة تكمن أيضا في عدم وجود جهاز قضائي دولي مختص يسمح لأي بلد برفع دعوى من هذا النوع ضد الصين ، فلكي تتمكن محكمة العدل الدولية ، وهي المسؤولة عن تسوية النزاعات بين البلدان المختلفة من النظر في القضية ، يجب أن تحصل على موافقة الدول المعنية بتسوية النزاع ، وهذا يبدو مستحيلا حيث لا تعترف الصين ولا الولايات المتحدة الأمريكية باختصاص هذه المحكمة .

 أما المحكمة الجنائية الدولية فتختص بملاحقة الأفراد لا الدول ، وتوجيه الاتهام بدلا من دولة الصين إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ أمام هذه المحكمة ، يعد أمرا صعبا كذلك ، حيث لم تصادق واشنطن ولا بكين على قانون روما الذي يعد بمثابة النظام الأساسي للجنائية الدولية . 

  بل حتى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يمكنه إدانة الصين ، فهي تتمتع بحق الفيتو، شأنها شأن روسيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ( الأعضاء الخمسة الدائمين ) ، وحتى لو نجحت الدول الكبرى في رفع دعوى قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية وصدر بالفعل حكم بإدانة الصين ، فإنها ببساطة ستتجاهله. 

وقصة التجاهل هذه ليست افتراضا ، فهناك سابقة بالفعل عندما أصدرت محكمة التحكيم الدائمة التابعة للأمم المتحدة قرارا قانونينا بأن قيام الصين ببناء جزر صناعية في بحر الصين الجنوبي هو انتهاك للقانون الدولي ، تجاهلت بكين الحكم ببساطة ، بل أعلن مسؤول صيني أن الحكم عبارة عن ” قطعة من الورق لا أكثر ” ، وبالتالي فالأمر ذاته متوقع في حالة فيروس كورونا .

سيناريو أمريكي بديل لمقاضاة الصين بالمحاكم الأمريكية .

   في ظل ادعاء واشنطن أن منظمة الصحة العالمية تحابي الصين ، وفي ظل علم واشنطن باستحالة مقاضاة الصين في ظل القانون الدولي أمام المؤسسات الدولية ، فهي تعكف على وضع سيناريو لجعل بكين تدفع الثمن .  

   فمن جهة وضعت واشنطن مشروع قانون بالكونغرس تناقش فيه إمكانية تجريد الصين من ” الحصانة السيادية ” بهدف تمكين الحكومة الأمريكية أو ضحايا كورونا من مقاضاة الصين داخل المحاكم الأمريكية للحصول على تعويضات .

  ومن جهة أـخرى بدأت بعض هيئات المجتمع المدني وبعض الحقوقيين خاصة المحامون منهم في مباشرة إجراءات رفع شكاوى إلى المحاكم المحلية الأمريكية خاصة في محاكم فلوريدا ونيفادا وكاليفورنيا لمقاضاة الصين ومطالبتها بالتعويض عن الخسائر والأضرار الناجمة عن فيروس كورونا المستجد.

  ورغم محاولة واشنطن بهذا السيناريو تجريد الصين من الحصانة السيادية لفتح الباب أمامها وأمام مجتمعها المدني لمقاضاتها ، فإن هذه الخطوة ليس لها أي فرصة للنجاح ، فبعض الخبراء القانونيين أوضحوا أن محاولة تقييد الحصانة السيادية للصين سيكون من الصعب للغاية تحقيقها ، لأن الصين يمكنها الاحتجاج بحصانتها من الولاية القضائية ، وحتى إذا أدانت المحكمة الصين ، فإنه من المستحيل تنفيذ القرار . 

 وفي هذا الإطار حذرت إيشيمين ليتنز ، أستاذة القانون الدولي بجامعة كاليفورنيا ، من مقترحات المشرعين للتخلص من الحصانة السيادية للصين باعتبارها ” كابوسا كاملا ” ، وقالت ” أي شخص يعمل في العلاقات الخارجية يدرك أنه في اللحظة التي تبدأ فيها بتجريد دول أخرى من الحصانة السيادية فإنك تفتح على نفسك الباب لدعاوى قضائية في المحاكم الأجنبية لدى 190 دولة أخرى ، التي من المحتمل أن تقرر أن تفعل ذلك بك ” ، خاصة وأن هناك أصوات داخل الصين تطالب الرئيس الصيني بإلغاء جميع الاتفاقات التجارية مع واشنطن وإعادة صياغتها بشروط صينية .   

خلاصة القول أن جهود الإدارة الأمريكية وحلفاؤها لمعاقبة الصين لا تزيد عن كونها مسرحا سياسيا ، فالإقدام على معاقبة التنين الصيني قد يعرض الاقتصاد الأمريكي وحياة الأمريكيين للخطر، حيث من المرجح جدا أن تنتقم الصين بدورها بعد الإجراءات التي ستتخذها الولايات المتحدة الأمريكية ، لذلك تبقى الطريقة الأكثر ملاءمة لمحاسبة الصين هي إنشاء محكمة دولية للتحقيق في فشلها وعدم شفافيتها ، وليس رفع دعاوى قضائية تذهب سدى  .

Share
  • Link copied
المقال التالي