Share
  • Link copied

هل يهزم كورنا الديموقراطية؟

هناك حقيقة تغيب عن كثيرين، خاصة في زمن ثورة المعلوميات، حيث يتقاسم الناس بعض الآراء والأفكار، بحسن نية حينا، وبسبب عدم قراءة ما بين سطورها حينا آخر، وحتى بسبب سوء النية احيانا أخرى.

في هذا السياق، لقد كشفت “جائحة كورونا” حجم الضرر الذي قد تُلحقه مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا أيضا استخفافا حينا وعن سبق إصرار احيانا أخرى.

فلا يجادل أحد في أن نشر وتوزيع بعض الأخبار ومقاطع الفيديو، إضافة إلى انعكاساته الخطيرة على الرأي العام، خاصة في ظل الحاجة الملحة لتهدئة المواطن وطمأنته، وقطع الطريق أمام “الهلع العام” الذي قد يقود إلى ردود فعل لا يمكن توقعها أو السيطرة عليها، فإن هذا النشر يتسبب في استنزاف الجهات الرسمية والسلطات العمومية التي يفترض أن تكرس جهودها للمسائل الأهم، التي قد تصل في لحظة ما إلى حد تهديد وجود الدولة لا قدر الله.

لا يمكن أن نعلق الأمر هنا على غياب الوعي لدى شرائح واسعة، لأن هذه العملية ينخرط فيها أميون ومتعلمون على حد سواء، بل إنني اتلقى -شخصيا- رسائل أو مقاطع فيديو من أصدقاء ومعارف بعضهم لهم تكوين عال، واطلاع واسع على ما يجري في المغرب وخارجه.

إنها مسألة “ثقافة موروثة” لا علاقة لها بالمستوى العلمي والفكري والمادي والوضع الاعتباري أو الاجتماعي للفرد.

ولا أريد أن أضرب هنا أمثلة حتى لا أقع في حرج مع بعض من ذكرت اعلاه، ممن قد يقرأون هذه السطور.

إن هذا يحيلنا إلى مسألة اهم وأخطر، قد يكون مدخلها حسن النية، لكن نتائجها في المستقبل قد تكون وخيمة.

بداية، ليس هذا “استثناء مغربيا”، ففي البرازيل مثلا، هناك احزاب وتنظيمات يمينية متطرفة ترفع حاليا لافتات للمطالبة بعودة الديكتاتورية الدموية.

لم يصل الأمر في المغرب ولله الحمد إلى هذا المستوى، رغم بعض الأصوات النشاز التي تطالب مثلا بإطلاق النار على من لا يحترمون الحجر الصحي، وبعض من يطالبون باحتجازهم في معسكرات اعتقال في صحاري المغرب.

لكن هذا لا يمنع من تسجيل بعض العناوين العريضة، التي حتى إذا سلمنا بأن محركها هو “العاطفة اللحظية”، فإن تعكس “ثقافة خطيرة” بدأت تتشكل منذ مدة، عنوانها الكبير تتفيه وتسفيه المؤسسات.

فعلى مدى سنوات، وخاصة منذ اندلاع النسخة المغربية من موجة “الربيع العربي”، انخرط كثيرون في ترديد لازمة “أنه لا جدوى من وجود الحكومة والبرلمان والمجالس المنتخبة والجمعيات والأحزاب والنقابات..”..

والغريب أن بعض الاصوات التي كانت تشارك بأصوات عالية ضمن هذا “الكورال”، هي التي تتساءل اليوم عن سر غياب الاحزاب والمجتمع المدني والمؤسسات المنتخبة.. إلخ..

إن منطق الأشياء يؤكد أنه لا يمكن أن تكون هناك “دولة” أصلا، إذا لم يقم فيها كل “مكون” بدوره، سواء كان موقعه صغيرا أو كبيرا.

فلا يمكن أن تكون هناك دولة إذا كان كل “بعض” يرى انه اهم حلقة في السلسلة، وأن الحلقات الاخرى دورها ثانوي؟

لا أريد ان اضرب أمثلة حتى لا اثير حساسيات كثير ممن أيديهم على الزناد تلقائيا، ولا يقبلون -بل ولا يقرأون اصلا- أية وجهة نظر مخالفة .

إن اخطر شيء قد يهدد وجود أية دولة هو أن تعتبر -بصيغتي المبني للمعلوم والمبني للمجهول- فئة أو قطاع فيها نفسه “محور الكون”.

ففي حالة جائحة كورونا الحالية، لا ينكر أحد دور الاطقم الطبية والصحية والصيدلانية.

لكن هل يمكن لهؤلاء أن ينجحوا في غياب رجال الأمن والسلطة الذين يحفظون الأمن العام، والجنود المرابطين في الحدود، ورجال التعليم الذين يعوضون تلاميذهم -قدر المستطاع- عبر التعليم عن بعد، وعمال النظافة الذين يحولون دون تحول المدن إلى مزابل في الهواء الطلق، وعمال المصانع والفلاحين والتجار والموزعين الذين يوفرون المواد الاستهلاكية للمواطن.. وقس على ذلك؟

بل حتى الأحزاب والجمعيات والنقابات والحكومة والبرلمان والمجالس المنتخبة وكل الهيئات والمؤسسات الدستورية، لا يمكن الاستغناء عنها في اللحظات المفصلية، حتى لا يتم استغلال الظرفية لتمرير تشريعات استثنائية، قد تصبح دائمة بعد انكشاف الغمة.

إن الحضارات، وحتى الدول، لا تبنى على اساس ردود الافعال المتشنجة، والتقديرات العاطفية اللحظية. فحتى الأمبراطوريات يمكن أن تنهار بسبب فيروس لا يرى بالعين المجردة، بل لقد تحول “كورونا” فعلا إلى “هادم اللذات” في الاتحاد الأوروبي الذي يتوقع كثير من المتابعين أن يكون تأثير الـ”كوفيد 19″ مدمرا لكثير من ركائزه.

أما في الجانب الآخر للأطلسي، فيكفي ان نستحضر أن الأمريكيين تسابقوا على شراء السلاح أكثر من تهافتهم على الطعام وغيره من الأساسيات، لأنهم يدركون أن دولتهم تأسست على دوي الرصاص، وتحولت إلى قوة عظمى بفضل بحور الدماء التي أراقتها في الشرق والغرب، كما ان هوليود رسخت في لاوعيهم المآل الذي ينتظر دولتهم عبر أفلام ومسلسلات “الكايوس”.. Chaos.

سؤال أخير: هل يهزم كورونا دولة المؤسسات؟

وجواب  محتمل.. قد لا تنجو من الوباء سوى الدول العاقلة، التي لا تنساق خلف ردود الأفعال المرتجلة حتى لو كانت فقيرة.

فقد رأينا كيف عجزت فرنسا وأمريكا عن توفير حتى التجهيزات الأساسية للجيش “الأبيض”.

كما قد لا تنجو سوى التجمعات البشرية التي ترى أن الحرية مسؤولية، حقوق وواجبات.

Share
  • Link copied
المقال التالي