شارك المقال
  • تم النسخ

هل ينتصر القاضي الدستوري للشرعية الدستورية ولصحة وسلامة عملية الاقتراع؟

توطئة لابد منها

تاريخيا كان لتخوف الفقه الدستوري في أن يظل تضمين الحقوق والحريات، وخصوصا منها السياسية، محصورا فقط في الجانب النظري، دورا بارزا في ولادة مؤسسة القضاء الدستوري وتطورها وانتشارها عالميا كهيئة مستقلة، وكضمانة حقيقية لنفاذ القاعدة الدستورية، وأيضا حصانة فعلية للوثيقة الدستورية من خلال أحكامها بعدم الدستورية. هذا ما أدّى إلى ظهور مفهوم الحقوق المضمونة les droits Garanties كجزء لا يتجزأ عن مفهوم حقوق الإنسان.

و من المفترض أن تمتاز رقابة القضاء الدستوري بكل ما يمتاز به الجهاز القضائي من حياد وبُعد عن التيارات السياسية وأهواء الأحزاب، كما من المفترض أن تمتاز بوجود قاض متخصص في تطبيق القوانين وله تكوينه القانوني السَّليم والعميق، وهو أمر لازم لمباشرة هذه المهمة، فالرقابة على دستورية التشريع مهمة وذات طابع فَنّي متميز ينبغي أن يتوافر في من يتولاَّها معرفة ودراية بالدستور وهي أمور قانونية بحثة.

وارتباطا بالموضوع، واعتبارا لكون القوانين التنظيمية تعد عنصرا أساسيا في الكتلة الدستورية حيث جعلها القاضي الدستوري ”مكملة ومتممة للدستور” و”منبثقة عنه” من ناحية أولى(مقرر الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى الصادر بتاريخ 3 ماي 1979 في الملف رقم 426-79) ، وتشكل من ناحية ثانية، بعد التصريح بمطابقتها للدستور ”امتدادا له” (قرار المجلس الدستوري رقم 10-786، بتاريخ 2 مارس 2010) ، وتأتي من ناحية ثالثة، محددة لشروط تطبيقه، بالنظر إلى أهميتها الخاصة في استكمال البناء الدستوري من ناحية الملاءمة التشريعية للنصوص الدستورية … فإنه من المفترض أن يعكس القانون التنظيمي الجديد كما سيتم تغييره وتتميمه كما تم تتميمه فيما يتعلق بنمط الاقتراع وخصوصا مسألة ”القاسم الانتخابي”، العمل على احترام المبادئ والأهداف والغايات الدستورية المتعلقة بالموضوع، والتي كَيَّفها القاضي الدستوري بالمبادئ الأساسية الثابتة بموجب قراره رقم 817 بتاريخ 13 أكتوبر 2011، من قبيل : حرية الانتخاب، حرية الترشيح، مبدأ المساواة في الانتخاب بمختلف تجلياته (مساواة الأحزاب أمام القانون(قرار رقم 630-2007)، المساواة بين الناخبين(قرار رقم 475-2002 وأيضا القرار رقم 211-1998)، المساواة في الحقوق والحريات الخاصة بالمشاركة السياسية(القرار رقم 820-2011))، وأيضا ضمان حرية الناخبين في التصويت(مقرر الغرفة الدستورية رقم 43-1965)، حماية إرادة الناخب في حقه في الاختيار وعدم التأثير عليها(قرار رقم 856-2012)، ضمان مبدأ الشفافية والنزاهة (الفصل 11 من الدستور)، ضمان تحقيق التنافسية(القرار رقم 630-2007)، وأهم شيء ”المساواة أمام الاقتراع” كأهم توجه للأنظمة الانتخابية الديمقراطية.
إن التعامل مع القوانين التنظيمية بهذه الأولوية والتي على أساسها تقع المراقبة الدستورية يستوجب من الناحية العملية الحيلولة دون صدورها مخالفة للدستور، وذلك بإقرار رقابة وقائية سابقة على دخول القانون حيز التنفيذ والتطبيق، هذه الرقابة التي لا تكتمل إلا بالتأكيد على إلزاميتها، وتنصيص المشرع الدستوري على عدم جواز ”إصدار الأمر بتنفيذها إلا بعد أن تبت المحكمة الدستورية في مطابقتها”، هذا الأمر يجعل من المحكمة الدستورية ملزمة بفحص هذا القانون في شموليته، فالرقابة هنا تنصب على القانون من الناحية الإجرائية والشكلية (الرقابة الخارجية) والموضوعية (الرقابة الداخلية) في ذات الوقت، مما يصعب معه تصور ثغرة في عملية المراقبة التي تمارسها المحكمة الدستورية.

وإذا كانت المحكمة الدستورية لا تمارس اختصاصاتها إلا بناء على ما هو منصوص عليه في الدستور … بل إن الأمر يتعدى مطابقة النصوص الصريحة إلى مطابقة روح الدستور، أو ما يطلق عليه، أيضا، في اجتهادات القضاء الدستوري بمبدأ ”تطابق القواعد القانونية مع الهدف المتوخى منها”، مما يقتضي معه، سن تدابير تكون في طبيعتها وشروطها والأثر المتوخى منها، كفيلة بتحقيق الأهداف الدستورية التي منها تستمد أصلا مبرر وجودها، ولا تتجاوز في ذلك حدود الضرورة (قراره رقم 817-2011)… وبالتالي فمن صلاحيات المحكمة الدستورية وهي تنظر في مطابقة القانون التنظيمي كما سيتم تغييره وتتميمه شكلا ومضمونا، مادة مادة، التعقيب أيضا على السلطة التقديرية للمشرع في اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها سبيلا لبلوغ وتنزيل المبادئ الدستورية الكبرى وذلك في انسجام تام مع القرارات الدستورية السابقة التي أسس بها القاضي الدستوري لمجموعة من المبادئ والأهداف ذات قيمة دستورية تتعلق بالموضوع.

وفيما يلي أهم النقط التي خالف فيه القاسم الانتخابي الشرعية الدستورية ومنه إمكانية التأثير في صحة وسلامة الاقتراع.

القول الأول: القاسم الانتخابي على أساس المسجلين ما بين الأهداف والمبادئ الدستورية

في الفقه الدستوري، تم اعتبار الأهداف ذات القيمة الدستورية خلال العمل القضائي للمجلس الدستوري أنها لا تعلن عن ميلاد حقوق، ولكن عن غاية ومقصد يجب على المشرع أن يأخذها بعين الاعتبار أثناء قيامه بالتشريع، إنها ”أوامر مرتبطة بحياة المجتمع” والتي يجب أن تقوده أو تؤطر عمله المعياري. إن الأهداف ذات القيمة الدستورية ليست حقوقا شخصية كما هو الشأن بالنسبة للمبادئ ذات القيمة الدستورية حيث لا يمكن تطبيقها بشكل مباشر، وليست موجهة إلى الأفراد ولكن إلى المشرع. وهنا تدخل القاضي الدستوري وأسس بموجب قراره رقم 817-2011 الصادر بتاريخ 13 أكتوبر 2011 لهذا الأمر بتعبير ” تطابق القواعد القانونية مع الهدف المتوخى منها ”، مما يقتضي معه، سن تدابير تكون في طبيعتها و شروطها والأثر المتوخى منها، كفيلة بتحقيق الأهداف الدستورية التي منها تستمد أصلا مبرر وجودها، ولا تتجاوز في ذلك حدود الضرورة…

وللجواب على إشكالية العلاقة بين الأهداف والمبادئ الدستورية أنطلق في هذا المقام من القاعدة العامة التي أسس لها القاضي الدستوري المغربي بموجب قراره رقم 817 بتاريخ 13 أكتوبر 2011 والتي تعتبر أن ”…الدستور متكامل في مبادئه وأهدافه …”، ولتوضيح أولويات التعامل مع الأهداف والمبادئ الدستورية خلُص القاضي الدستوري بموجب قراره رقم 943 الصادر بتاريخ 25 يوليو 2014 إلى أن ”تحقيق الأهداف الواردة في الدستور يجب أن يتم دون الإخلال بالمبادئ الدستورية ”، وهذه مسألة مهمة في سياق حديثنا عن ”القاسم الانتخابي”.

والمعنى هنا، أننا لو افترضنا جدلا أن ”احتساب توزيع مقاعد الدوائر المحلية على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية ” يروم تحقيق هدف ذو قيمة دستورية يتمثل في ”تشجيع المواطنين على الانخراط في المشاركة الانتخابية” على غرار مثلا ” تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية ”، فإن هذا الأمر يصطدم مباشرة مع مبدأ دستوري مهم عبر عنه المشرع الدستوري في (الفصل 2) ب”الاقتراع الحر والنزيه ، وفي (الفصل 11) ب”الانتخابات الحرة والنزيهة (الفصل 11)”، وفي سياق آخر عبر عنه القاضي الدستوري من خلال القرار رقم 817 بتاريخ 13 أكتوبر 2011 ب”حرية الانتخاب” خصوصا حين اعتبر أنه ” … لتحقيق أهداف مقررة في الدستور يتعين استحضار المبادئ الأساسية والثابتة التي يرتكز عليها الدستور في مجال الممارسة السياسية، والمتمثلة بالخصوص … حرية الانتخاب …”.

وعطفا على ما سبق فإن الحديث عن ”حرية الاقتراع” أو ”حرية الانتخاب” هو مبدأ يشمله بالأساس، بالإضافة إلى اعتبار التصويت حق شخصي ومضمون لكل مواطن(الفصل 30)، إلا أنه لا يكفي بل يلزم احترام مبدأ ”حرية التصويت”، المبدأ الذي أسس له القاضي الدستوري بموجب قراره رقم 97-1995 حين اعتبر أن ”… العملية الانتخابية التي لا تتوافر فيها للناخبين حرية كاملة لاختيار المرشح الذي يرغبون في التصويت لفائدته … تستلزم إبطال الاقتراع وإلغاء النتيجة …”، والمعنى هنا يروم إلى التأسيس لمبدأ ”احترام إرادة الناخبين في التعبير الحر عن اختياراتهم”، الأمر الذي تفاعل معه القاضي الدستوري مرة أخرى بموجب قراره رقم 856 بتاريخ 13 يونيو 2012 خصوصا حين ربط بين ”الانتخابات الحرة والنزيهة كأساس لمشروعية التمثيل الديمقراطي ” وبين ”حظر كل ما من شأنه التأثير على الناخبين في التعبير الحر عن إرادتهم واختياراتهم ”،… وهنا أتساءل، فكيف سيساهم القاسم الانتخابي بهذا المنطق في احترام ”حرية الانتخاب” المبنية بالأساس على ”احترام إرادة الناخبين” وهو الذي فصل فصلا تاما بين ”عملية التصويت” وبين ”عملية احتساب الأصوات”.

وهنا نقول، أن القاسم الانتخابي أسس لمفارقة جديدة مفادها أن ”احتساب الأصوات لا علاقة له بالتصويت”، فلا علاقة بالمرة بين احتساب الخارج الانتخابي بناء على عدد المسجلين بتحقيق أهداف خاصة تتمثل في تشجيع المواطنين المقيدين في اللوائح الانتخابية على الانخراط في الحياة الوطنية؛ لأنه لن يجعلهم (المواطنين) يشاركون فعليا ويعبرون عن إرادتهم بشكل حر في الانتخابات حيث ستحسب أصواتهم لحساب الخارج الانتخابي سواء شاركوا أو لم يشاركوا في الانتخاب، الأمر الذي سيمس بدون شك ب”حرية الناخبين” المشاركين في العملية بتحويل أصواتهم، ومن جهة أخرى باحتساب أصوات ناخبين لم يتوجهوا أساسا إلى صناديق الاقتراع ولم يختاروا عرضا سياسيا واضحا من بين العروض السياسية، بمعنى آخر لا معنى للتصويت في هذه الحالة على حزب سياسي معين إذا كان تحويل هذه الأصوات إلى مقاعد سيتم على أساس آخر لا علاقة له بالتصويت. وهنا تطرح إشكالية أخرى تتعلق بصحة وسلامة عملية الاقتراع.

نخلص بالقول أنه دستوريا لا يمكن الكلام عن ”الاقتراع الحر” أو ”الانتخابات الحرة” كمبدأ دستوري بموجب الفصل 11، ولا أيضا ب”حرية الانتخاب ” كما أسس له القاضي الدستوري في قراره رقم 817-2011، إذا لم يتم التأسيس معه ل”حرية الناخب”،و”حظر كل ما من شأنه التأثير على الناخبين في التعبير الحر عن إرادتهم واختياراتهم”، وهو الأمر الذي يخالفه مضمون المادة 84 جملة وتفصيلا.

القول الثاني: القاسم الانتخابي بهذا الشكل إعلان عن انتهاك مبدأ المساواة في العملية الانتخابية بمختلف تجلياته

✓ مخالفة القاسم الانتخابي على أساس المسجلين لمبدأ المساواة بين الناخبين

بالإضافة إلى تكييف المساواة كمبدأ دستوري عام يجد أساسه في عدة أحكام من الكتلة الدستورية ابتداء من التصدير كجزء لا يتجزأ من الدستور حين نص في فقرته الأولى ب”تمتع الجميع بالمساواة”، وفي الفصل 6 الذي اعتبر أن ”الجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، … متساوون أمامه”، وفي الفصل 19 حين ذكَّر المشرع ب “تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية…”، فإن ما يهمنا في هذا الصدد، هو الحديث عن المساواة في التصويت وأمام الاقتراع، وهنا نجد المشرع الدستوري بموجب الفصل 30 أسس لمبدأ مساواة الناخبين في التصويت حين اعتبر أن ” لكل مواطنة ومواطن، الحق في التصويت، … والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية”، وبالرجوع لاجتهادات القاضي الدستوري في الموضوع نجده تدخل في مناسبتين بهذا الخصوص، قرارين نأخذ بهما على وجه القياس في هذه المسألة، بداية أسس القاضي الدستوري لمبدأ المساواة بين الناخبين، في قراره رقم 211 بتاريخ 7 مايو 1998 لمبدأ المساواة بين الناخبين في فترة الاقتراع أو حالة تمديد فترة الاقتراع حين ذكَّر بضرورة عدم الإخلال بمبدأ المساواة بين الناخبين، وأيضا بمناسبة النظر في ”التصويت بورقة واحدة على لائحتين مختلفتين” حيث اعتبر القاضي الدستوري في هذا المجال أن ”… أسلوب التصويت الذي يجعل الناخب يصوت بورقة واحدة، بشكل غير مستقل، على لائحتين مختلفتين … قد يحد من حرية التصويت ولا يؤسس بالضرورة اختيار الناخب على إرادته الحرة … هذا الأمر لا يعد تعبيرا مباشرا عن إرادة الناخب … الأمر الذي جعل القاضي الدستوري يعتبر الأمر مخالف لحرية التصويت … وللمساواة بين الناخبين ”.

وهو الحال عندنا هنا، وبالقياس على هذه القرارات نستشف أن نمط الاقتراع المعتَمد لا يؤسس بالضرورة لاختيار الناخبين بناء على إرادتهم الحرة، وبالتالي لا يُعبر بشكل مباشر عن إرادة الناخبين، الأمر الذي لا يعكس معه المساواة بين الناخبين في تمثيل اختياراتهم من بين العروض السياسية المطروحة، بالتالي يعد انتهاك للتمثيل النسبي الأقرب إلى ملامسة إشكالية “التمثيل العادل” بناء على اختيارات المواطنين.

✓ مخالفة القاسم الانتخابي على أساس المسجلين لمبدأ المساواة في الحقوق والحريات الخاصة بالمشاركة السياسية

بموجب قراره رقم 938-2014 ذكَّر القاضي الدستوري ب ”… حرية التصويت حسب قناعة الناخبين، والذي لا يجب أن يحول دون تمكين حق الناخبين في التعرف على مواقف ممثليهم في مجلسي البرلمان …” ، وهنا أتساءل بغرابة شديدة، إذا كان القاضي الدستوري بموجب هذا القرار أسس لحق الناخب في التعرف على مواقف الممثلين، فكيف ب”القاسم الانتخابي على أساس المسجلين” سيعكس حق الناخب في الاختيار خصوصا وأن نسبة مهمة من الأصوات ستذهب لممثلين آخرين لم يتم اختيارهم من الأصل … وهنا نطرح غرابة وشدود هذا النمط الغريب.

ومن ناحية ثانية، أسس القاضي الدستوري بموجب قراره رقم 820-2011 لقاعدة أخرى مهمة في هذا المجال نقيس عليها لتبيان العوار الدستوري ل”القاسم الانتخابي على أساس المسجلين”… هذا القرار ”قيَّد من حرية المُنتخَب في تغيير انتمائه السياسي والنقابي المكفول دستوريا، وذلك من منطلق ”الوفاء السياسي” وأن الأمر يعد حسب القاضي الدستوري ”تعاقد معنوي بين الطرفين” خصوصا بعد أن وضع الناخب ”ثقته” الممثلة في الاختيار الحر في صناديق الاقتراع واختيار الممثل الذي اقتنع به ووضع ثقته فيه … وهنا أتساءل أيضا بغرابة شديدة، وبالقياس على هذا القرار الدستوري المهم، أي ”وفاء سياسي” و”أي تعاقد ضمني” سيعكسه هذا النمط الانتخابي الشاد، وأي ”ثقة” سيضعها الناخب وهو يعلم مسبقا أن أصواته ستذهب لتوجه آخر… المشرع العضوي بطرحه لهذا النمط إنما انتهك بالملموس وبشكل واضح مبدأ ”الوفاء السياسي” وأيضا لمفهوم ”التعاقد السياسي الضمني بين الناخب والمنُتخَب”.

✓ مخالفة القاسم الانتخابي على أساس المسجلين لمبدأ المساواة بين الأحزاب

قياسا على القرار الدستوري رقم 630-2007 والذي أسس فيه القاضي الدستوري للمساواة بين الأحزاب في الشروط المتعلقة بقبول الترشيح حيث اعتبر أن الإخلال بهذه المسألة يعتبر ”… مخالفة لمبدأ المساواة بين التنظيمات الحزبية…”، فإن “القاسم الانتخابي على أساس المسجلين” بشكله هذا لا يعطي الحق في التنافس الحر والتمثيل النسبي الأقرب للتمثيل العادل للأحزاب خصوصا وأن عملية احتساب الأصوات لا ولن تعبر عن حقيقة التصويت، بل أن الأمر قد يُعد “سرقة” لأصوات كانت موجهة لتوجه معين وسيتم اعتمادها لتوجه آخر في خرق تام ل”مبدأ المساواة بين التنظيمات الحزبية”.

✓ أليس للناخبين نفس القيمة ؟؟؟

لا يمكن لأي متتبع وباحث في هذا المجال إلا أن يصاب بالغرابة والدهشة، فكيف تم التأسيس للمساواة بين الناخبين فيما يتعلق بالانتخابات الجماعية، والتي يطبق فيها الاقتراع اللائحي، حيث يكون احتساب القاسم الانتخابي على أساس الأصوات المعبر عنها، وبين منطق احتساب القاسم الانتخابي فيما يتعلق بمجلس النواب الذي ارتأت فيه المادة 84 أن يكون على أساس عدد المسجلين. أليس للناخبين نفس القيمة.

القول الثالث: القاسم الانتخابي يخالف مبدأ ”حرية التنافس بين الأحزاب في الانتخاب” والمساواة أمام القانون

أنطلق هنا أولا من المبدأ ذو القيمة الدستورية الذي أسس له القاضي الدستوري بموجب قراره رقم 630 بتاريخ 26 يناير 2007 حيث قضى بأن ”مشاركة الأحزاب في تأطير العملية الانتخابية قوامها مبادئ لها قيمة دستورية، منها التعددية الحزبية وحرية التنافس بينهما … وأيضا مساواة هذه الأحزاب أمام القانون … ”، بمعنى أن الكلام عن ”التعددية الحزبية” مرتبط أيضا بضمان ”حرية التنافس بين الأحزاب” بالدرجة الأولى … وهو الأمر الذي سار عليه الفصل السابع من الدستور حين ربط مسألة ”التعددية ” بشرط تحقق ”الوسائل الديمقراطية” ولم يترك الأمر مفتوحا حيث نجد الفقرة الأولى من فصله السابع تنص على أن ”الأحزاب السياسية مهما كان حجمها “تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين … على أساس التعددية … وبالوسائل الديمقراطية، … وفي نطاق المؤسسات الدستورية …”، وبالتالي فإن اعتماد “القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين” من شأنه أن يُخل ب”حرية التنافس بين الأحزاب” باعتباره مبدأ ذو قيمة دستورية بمنطوق القرار رقم 2007-630.

أما من يتكلم عن ضمان تمثيلية الأحزاب الصغرى، والتي لا علاقة لها بموضوع ”حرية الانتخاب” ولا ”حرية الناخب” ولا أيضا بصحة وسلامة الاقتراع، بل بالعكس تماما الذي سيستفيد من هذا القاسم الانتخابي على أساس المسجلين هي أحزاب محددة ومعروفة مسبقا، أما الأحزاب الجديدة والصغيرة ستكون استفادتها محدودة جدا.
وبالتالي إذا كان الهدف حقيقة هو تشجيع تمثيلية الأحزاب الصغرى فكان من الأجدر مثلا تبني صيغة ”الخارج الانتخابي المصَحَّح أو المعدَّل”، والتي بناء عليها يتم تخفيض الخارج الانتخابي بإضافة عدد واحد إلى المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية، ثم نقوم بقسمة الأصوات الصحيحة المعبر عنها على عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية زائد واحد، وتسمى طريقة الخارج الانتخابي المصحح بنظام HAGEN-BISHOFF, وقد أخذت بها كل من سويسرا والنمسا، فعندما نسجل أن الخارج الانتخابي كان أكبر من عدد الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب المتنافسة، نعمد إلى تخفيض الخارج الانتخابي تطبيقا لنظام HAGENBACH-BISHOFF.

ونخلص بالقول في هذا المقام أن منطق احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين يعتبر مخالفا لمنطوق القرار الدستوري رقم 2007-630 باعتباره عنصرا من عناصر الكتلة الدستورية، القرار الذي أسس وربط بين ” التعددية ” و”حرية التنافس” بين الأحزاب السياسية.

القول الرابع: القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين يخالف مبدأي ”النزاهة والشفافية في الانتخاب”

نص الدستور في فصله 11 على أن ”الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي ‘‘… والمقصود بلفظ ”الحرة” هو أن تجري الانتخابات وفقا للقانون، وتضمن التعددية المشروطة دستوريا بضمان التنافسية بين الأحزاب، وأن تحترم حقوق وحريات المواطنين الأساسيين، وهنا يطرح السؤال؛ أين هي هذه التنافسية والنتائج شبه محسومة بمنطق احتساب القاسم الانتخابي الجديد.

والقول المبدئي ب”النزيهة”، يطلق على الانتخابات بأنها تنظم بشكل دوري، وتقوم على نظام انتخابي يستند على الاقتراع العام الحر، وأن يكون عادلا وفعالا، بمعنى نظام يضمن ”التمثيل النسبي الأقرب فكرة للتمثيل العادل’‘، وحياد المشرفين عليه سياسيا وحزبيا.

هذه الأوصاف: حرة ونزيهة، التي أطلقها المشرع الدستوري على لفظ الانتخابات تبقى غير كافية لجعل الانتخابات تحقق في السياق المغربي مقاصد وأهداف الانتخابات الديمقراطية، وبالتالي كان على المشرع الدستوري إضافة وصف آخر تنعت الانتخابات الديمقراطية وهو صفة ”الشفافية”، بهذا المعنى يكون التكييف الدستوري لمفهوم الشفافية يقابله “الشفافية في تدبير عملية الانتخاب” والذي يعكس معه بالأساس صورة عن حرية الناخب وصحة وسلامة الانتخاب.

وهنا أتساءل من جديد؛ أين هو منطق الشفافية وعدد المسجلين غير معروف، وطريقة التسجيل ومن سيحتسب في التسجيل وأي جهاز سيقف على هذا الأمر، وماذا لو طلب البعض سحب تسجيله من اللوائح وغيرها من الأسئلة التي تثبت أن هذه التعديلات أسست لنمط يخالف المبادئ الدستورية الكبرى وأقل شيء يقال عليه أنه أمر شاد لا أساس له ولا مرجعية له في التجارب الدولية المقارنة.

نخلص بالقول إلى أن القاضي الدستوري اليوم هو أمام مرحلة مهمة للانتصار فيها للشرعية الدستورية والانتصار لحرية الناخبين واحترام إراداتهم في التعبير بشكل يضمن المساواة أمام الاقتراع للجميع، وبالتالي ضمان التمثيل العادل.

القاضي الدستوري اليوم مدعو أيضا للتأسيس لقرار يدخل في مجال القرارات والاجتهادات الكبرى من قبيل القرار رقم 817-2011 وغيره من القرارات. وبالتالي فالدعوة اليوم هي بالأساس لخلع الجلباب السياسي والانتصار أكثر للشرعية الدستورية نصا وروحا.

أستاذ باحث بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي