شارك المقال
  • تم النسخ

هل يفشل مجلسا البرلمان في إصدار مدونة موحدة للأخلاقيات!؟

   وجه العاهل المغربي إلى المشاركين في الندوة الوطنية المنعقدة تخليدا للذكرى 60 لقيام أول برلمان منتخب في المملكة، رسالة  ملكية تلاها رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، تم التأكيد على “أنه منذ استرجاع المغرب لحريته واستقلاله، حرص الملك الراحل محمد الخامس، بمشاركة القوى الوطنية، على تمكين البلاد من مجلس وطني استشاري، كلبنة لبناء ديمقراطية تمثيلية، مضيفا أنه قد تحقق في عهد الملك الحسن الثاني ما أراده بطل التحرير للأمة، من إقامة دولة المؤسسات.” مشيرا ًإلى أن المملكة أكدت اختياراتها السيادية في التعددية السياسية والحزبية، والديمقراطية التمثيلية، وحرية التنظيم والانتماء، وحرية الرأي والتعبير، وذلك في الوقت الذي كانت تسود فيه أفكار الحزب الوحيد في أقطار متعددة من دول المعمور.”وسيرا على هذا النهج، أكد الملك “أنه منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين، حرص على إطلاق ورعاية إصلاحات كبرى، في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.حيث ” كانت المؤسسة التشريعية في صلب هذه الإصلاحات المهيكلة، سواء بتوسيع اختصاصاتها، أو من حيث النهوض بتمثيلية المرأة، التي تعزز حضورها الوازن بشكل مطرد بالمؤسسة التشريعية، وبمختلف المجالس المنتخبة”.حيث أصبح البرلمان مصدر التشريع، وأضيف إلى اختصاصاته، تقييم السياسات العمومية إلى جانب مراقبة العمل الحكومي. وبالموازاة مع ذلك شدد عاهل البلاد على أن  الدور الحاسم الذي يجب أن يضطلع به البرلمان في نشر قيم الديمقراطية وترسيخ دولة القانون، وتكريس ثقافة المشاركة والحوار، وتعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة، يفرض “ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية، وتخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها، تكون ذات طابع قانوني ملزم.”

     -تعطيل مقتضيات منع أعضاء المجلس المتابعين في ملفات قضائية من الحضور

     حرّكت الرسالة الملكية رئيس مجلس النواب ورؤساء الفرق للإسراع في إعداد مدونة للأخلاقيات لتخليق الحياة البرلمانية بمنهجية تشريعية أحادية بدل نهج مقاربة تشاركية يتم التعاون فيها بين فرقاء المجلسين . وقد انعكس هذا التوجه قبل الرسالة الملكية عندما تقدم وزير العدل عبد اللطيف وهبي، عن طريق فريقه بمجلس النواب، بمقترح تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، واستغلال ظرفية تعديله لترتيب أثر قرار المحكمة الدستورية في الموضوع، لإضافة مقتضيات تتعلق بالتخليق تنصب أساسا للجواب على الإشكال الذي أثير في مكتب مجلس النواب نفسه من مدى دستورية منع أعضاء المجلس، المتابعين في ملفات قضائية والذين لم تصدر في حقهم أحكام نهائية بعد، من الحضور في جلسة افتتاح الدورة الخريفية، للبرلمان التي ترأسها الملك  ، حيث كان  العلمي صارما  في رفض إدخال هذه المقتضيات بحجج دستورية عديدة وعلى رأسها احترام قرينة البراءة، وهو ما أدى إلى حدوث انشقاق في الأغلبية بخصوص هذا الموضوع، عطلت عمليا تمرير تعديلات النظام الداخلي المقررة.

       -الأنانيات المؤسساتية” عوض التعاون المؤسساتي

    بعد تلاوة الرسالة الملكية الموجهة إلى البرلمان بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيسه، التي أعاد فيها الملك للمرة الثانية تذكير أعضاء المجلسين بضرورة وضع مدونة للأخلاقيات البرلمانية، ذات طابع قانوني ملزم، حيث سبق أن تضمن الخطاب الملكي للدورة الخريفية لسنة 2014. وبدل التفكير بعمق في مضامين هذه الرسالة الملكية السامية، التي تأتي بعد سلسلة متابعات قضائية، بعضها في حالة اعتقال لبرلمانيين ولرؤساء جماعات ترابية، وأيضا في أعقاب قرارات عديدة للمحكمة الدستورية بتجريد العديد من البرلمانيين من صفتهم، وأغلبهم بالمناسبة من مجلس النواب، سارع الطالبي العلمي باختزال كل الموضوع في مادة يتيمة اقترح تضمينها في النظام الداخلي قيد الإعداد وتقديمها على أنها “مدونة الأخلاقيات”، في محاولة البحث عن سبق، لن يكون سوى في مواجهة مجلس المستشارين الذي اختار مقاربة أخرى، لم تحظ بقبوله، وهذا السبق يحركه بالأساس دافع انتخابي يتعلق بموعد تجديد هياكل المجلس في الدورة المقبلة.

لذا يطرح العارفون بالموضوع، من الزاويتين السياسية والقانونية، أسئلة مقلقة حول هذا المسار الذي اتخذته مناقشة مدونة الأخلاقيات البرلمانية، ويذكرون بأن مدونة الأخلاقيات هي نص منفصل عن النظام الداخلي، وأن هذا الأخير الذي يتطلب عرضا وجوبيا على المحكمة الدستورية قد يعطل تضمينه مقتضيات ذات طابع أخلاقي مناسب قد تصطدم بعدم الدستورية. كما أن المدونة تهم البرلمان وليس مجلس النواب، وبالتالي، ألم يكن الأجدر أن يعكس البرلمان وحدته وامتلاكه بمجلسيه للسلطة التشريعية، وتجسيد ذلك من خلال هذه الإشارة الكبرى التي يمكن أن تلتقطها، في مستوى ثان، الأحزاب السياسية وأيضا جمعيات المنتخبين بالجماعات الترابية. ثم هل قواعد التناسق والتكامل، المنصوص عليها في الدستور، والتي تخدم وحدة البرلمان وتكامل عمل مجلسين، ألا تتعطل بمثل هذه الممارسات التي تقوي “الأنانيات المؤسساتية”: عوض التعاون المؤسساتي.

-تغييب مسطرة التنسيق بين المجلسين

    لم يتوقف مسلسل مجلس النواب، بخصوص هذا الموضوع، عند هذا الحد. فبعد انتهاء لجنة النظام الداخلي بمجلس النواب، من مناقشة التعديلات المقترحة، والتي سيكون من بينها المادة 402، التي تهم موضوع مدونة الأخلاقيات، ستتم إحالتها على مجلس المستشارين، “قصد إبداء ملاحظات مجلس المستشارين”. غير أن  الإشكال هو أن مجلس المستشارين لا يعقب على عمل مجلس النواب، والعكس صحيح. وبالتالي ، فقد كان من الأجدر أن يتم التعجيل بدعوة لجنة التنسيق، المنصوص عليها في النظامين الداخليين للمجلسين من أجل تدارس هذا الموضوع. لكن بدل ذلك ، يفاجأ أعضاء مجلس المستشارين  بصدور بلاغ عن رئاسة مجلس النواب  يشير إلى أن “مجلس النواب بصدد صياغة واعتماد مدونة جديدة للأخلاقيات البرلمانية”، في إصرار على جعل مدونة الأخلاقيات مجدر مواد في نص النظام الداخلي. وأن هذه المدونة سيتم إعدادها بين الدورتين لتصدر في أبريل في بداية الدورة الربيعية للبرلمان.

  وبالتالي ، يظهر هذا التمرين صعوبة كبيرة في فهم الدور التشريعي لمجلس النواب، الذي لم يستطع صياغة نص داخلي ملزم لأعضائه فبالأحرى التشريع في مجال اختصاصه.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي