فرض فيروس كورونا المستجد، على أغلب القطاعات تحويل عملها إلى العالم الافتراضي، ضماناً لاستمراره، وتفادياً لأي توقف قد تكون له تبعات يصعب تجاوزها فيما بعد، حيث قررت وزارة التعليم التدريس عن بعد، ووزارة العدل، التقاضي عن بعد، كما أن وزارة الصحة أيضا، حاولت تحويل بعض الأعمال للعالم الافتراضي، بعدما وضعت أرقاما للاستشارة الطبية.
وكانت وزارة الصحة المغربية، قد انفتحت، قبل سنتين، على تكنولوجيا التطبيب عن بعد، من أجل توفير خدمات صحية في المناطق شبه الحضرية والقروية والجبلية والنائية، للتخفيف من العبء المادي والجسدي للمرضى والمصابين، في إطار دعم الولوج للخدمات الطبية المتخصصة في المناطق النائية التي تعاني نن خصاص على مستوى الموارد البشرية.
وفي السابق، كان التطبيب عن بعد، مقتصرا على الناس القاطنين في المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها، إلى جانب رواد الفضاء على متن المحطات الفضائية الدولية، قبل أن يعرف تطورا كبيرا في العقدين الأخيرين، مع ولوج قدر أكبر من الشباب المتحمسين، والذين يتقنون الإنترنت والمعلوميات، إلى مهن الطب، مقابل وجود فئة أخرى من الشباب اعتاد على الخدمات الإلكترونية مثل البيع والشراء.
وشَابَ تحول التطبيب الذي لا يحتاج للتشخيص الدقيق، لـ”عن بعد” بالمغرب، تأخر كبير، غير أن جائحة فيروس كورونا، التي سجلت أول حالة منها في المملكة، شهر مارس الماضي، دفعت وزارة الصحة، إلى الإسراع في اعتماد التطبيب عن بعد، بهدف التقليل من توجه المواطنين غير الضروري للمستشفيات، لتفادي أي اكتظاظ محتملة بها.
في أبريل الماضي، أطلقت وزارة الصحة، بشراكة مع الهيئة الوطنية للأطباء بالمغرب، وهيئة أطباء الأسنان، خدمة تطوعية مجانية شارك فيها عشرات الأطباء، عبر منصة إلكترونية، من أجل تقديم الاستشارات الطبية، في إطار التدابير الوقائية الاحترازية ضد فيروس كورونا المستجد، ومن أجل التخفيف من حدة الذهاب إلى المراكز الصحية والمستشفيات العمومية والخاصة.
ولجأ العديد من الأطباء في المغرب، خلال فترة الحجر الصحي، إلى تكثيف عروضهم عبر شبكة الإنترنت، من أجل ضمان اسمرارية عملهم، حيث استخدم البعض تكبيقات مثل “فيس تايم”، و”زووم”، وحتى “سكايب”، من أجل تشخيص حالة المريض، الذي يتحدث في الجهة المقابلة من الهاتف، من بيته، واصفا وضعه.
وقررت وزارة الصحة، شهر غشت الماضي، اعتماد العلاج المنزلي، للحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد، التي لا تظهر عليها أعراض، وتتوفر فيها شروط معينة، مع توفير العناية الطبية اللازمة وتخصيص عشرات أرقام الهواتف للاطلاع على مستجدات وضع المرضى، للتدخل ونقل الشخص للمستشفى متى استدعى الأمر ذلك.
ويرى خبراء بأن العلاج المنزلي، والذي يستفيد منه آلاف المصابين بفيروس كورونا في المغرب، نظرا لأن الأغلبية لا يعانون من أعرض، يشكل قفزة كبرى نحو اعتماد التطبيب عن بعد في المستقبل القريب بالمملكة، حيث عملت مصالح وزارة آيت الطالب، في الدار البيضاء وحدها، على تخصيص 30 رقما هاتفيا للتواصل مع المرضى والأشخاص الذين يحتمل إصابتهم بكوفيد-19.
وفي سياق متصل، عرف التطبيب عن بعد تطورا غير مسبوق في تاريخه، خلال فترة تفشي فيروس كورونا المستجد، وازاه تخفيف الرقابة من طرف الجهات الوصية على شروط استعماله، حيث وصلت نسبة المواطنين الأمريكيين الذين استخدموا التطبيب عن بعد في شهر يونيو الماضي، لـ 46 بالمائة، مقارنة بـ11 بالمائة في الفترة نفسها من السنة الماضية.
ووفق تقرير لوكالة بلومبرغ للأنباء، فقد توقع مللون بأن يستمر كورونا في تهديد الصحة العامة لعدة سنوات مقبلة، وهو ما من شأنه أن يزيد من استخدام التطبيب عن بعد، من أجل توفير الرعاية الصحية للمواطنين في ظروف آمنة، وتقليل الضغط على المستشفيات في ظرفية استثنائية يمر بها العالم، في ظل تفشي الفيروس التاجي.
وتشير العديد من الإحصائيات والدراسات حول العالم، إلى الإيجابيات العديدة التي يوفرها التطبيب عن بعد، حيث أظهرت دراسة أسترالية، بأن التطبيب عن بعد، زاد من معدل الفحوصات على الأمراض القلبية بنسبة قاربت النصف خلال سنة واحدة، مقابل تسببه في تخفيض مدة الانتظار بحوالي أسبوعين للفحص، وأزيد من شهر لتسلم النتائج، إلى جانب تراجع معد قيادة السيارات لكل مريض بحوالي 500 كيلومتر.
تعليقات الزوار ( 0 )