بتاريخ 12 مارس الماضي، صادق مجلس الحكومة برئاسة سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، على مشروع قانون رقم 04.20 يتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية. وذكر الحسن عبيابة، وزير الثقافة والشباب والرياضة الناطق الرسمي باسم الحكومة – آنذاك – ، في بلاغ تلاه خلال ندوة صحافية عقب المجلس الحكومي، أن مشروع هذا القانون، الذي تقدم به وزير الداخلية، والذي ينسخ ويعوض القانون رقم 35.06 المحدثة بموجبه البطاقة الوطنية للتعريف، يهدف إلى الاستجابة لتطلعات المواطنات والمواطنين ومختلف الفاعلين على صعيد المملكة بخصوص محاربة التزوير وانتحال الهوية، وذلك بكون هذه البطاقة ذكية مؤمنة وعملية.
و يتكون هذا المشروع من 17 مادة ، حيث جاء ببعض المستجدات ، لعل أهمها هو تخفيض سن التوفر على البطاقة الوطنية ليصبح 16 سنة، بعدما كان القانون السابق في مادته الأولى حدد عمر 18 سنة ميلادية كاملة كشرط للحصول على بطاقة التعريف الالكتروني فيما نسخت بعض من مواده ما كان منصوص عليه في قانون 35.06.
وبعد إحالة المشروع على لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بتاريخ 10 يونيو 2020 ، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلا كبيرا على بعض من البنود التي حملها مشروع قانون رقم 04.20 المتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الإلكتروني، هذا الجدل حسب ما دونه العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يعود إلى تغييب الأمازيغية عن البطاقة الوطنية التي سيحملها المغاربة البالغون سن السادسة عشر من العمر في قادم السنوات.
و من بين المواد التي أثارت هذا الجدل، نجد المادتين الرابعة والخامسة من المشروع، تتضمن هاتان المادتان المعلومات الشخصية التي توجد في الواجهتين الأمامية والخلفية للبطاقة الوطنية للتعريف الإلكتروني ، والملاحظ أن المشرع اشترط اللغتين العربية والفرنسية كلغتين رسميتين للكتابة دون أي إشارة للغة الامازيغية التي تعتبر لغة رسمية حسب ما جاءت به منطوق الوثيقة الدستورية ل 29 يوليوز 2011 .
و في محاولة منا لتحديد مدى دستورية و قانونية هذا المشروع سنحاول التطرق للترسانة القانونية التي جاء بها المشرع المغربي للرقي بالأمازيغية إلى لغة رسمية للبلاد:
و في هذا الصدد نجد الفصل الخامس من الدستور ينص على : ” تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.
يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.
و صدر القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم في مجالات الحياة العامة بتاريخ 12 سبتمبر 2019 .
و بما أن القوانين التنظيمية حسب روح الدستور هي مكملة و مفسرة لهذا الأخير ، نجد أن المادة 21 من القانون التنظيمي رقم 29.16 تنص على : ” تحرر باللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية ، البيانات المضمنة في الوثائق الرسمية التالية :
– البطاقة الوطنية للتعريف؛
– عقد الزواج؛
– جوازات السفر؛
– رخص السياقة بمختلف أنواعها؛
– بطاقات الإقامة المخصصة للأجانب المقيمين بالمغرب؛
– و مختلف البطائق الشخصية و الشواهد المسلمة من قبل الإدارة.
قراءة بسيطة لهذه المادة، نجدها أنها نصت بصريح العبارة على أن بطاقة التعريف الإلكترونية من بين الوثائق التي يجب أن تحرر إجباريا باللغتين العربية والأمازيغية ، وتحيلنا بشكر صريح أيضا على أن محتوى المادتين الرابعة والخامسة من مشروع قانون رقم 04.20 المتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية ، مخالفة لأحكام القانون التنظيمي لتفعيل الأمازيغية ،الذي جاء لأجرأة الفصل الخامس للدستور.
و في هذا الصدد، وصونا للأحكام الدستورية التي تسمو على باقي القوانين ، نجد أن المشرع المغربي و محاولة منه لفرملة أي نص غير مطابق للدستور ، – نجده- قد نص في الفقرة الثانية من الفصل 132 الذي يندرج في الباب الثامن المتعلق بالمحكمة الدستورية على أنه ” يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور” ( هذه المقتضيات أكدتها أيضا المادة 23 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية رقم 066.13 ).
في ظل عدم صدور القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون لحد الآن الذي يخول للمواطنين حق الدفع لتطبيق الرقابة البعدية على القوانين حتى بعد صدورها ، – المنصوص على في الفصل 133 – فتفعيل هذا المقتضى الدستوري كفيل بجعل المحكمة الدستورية تحكم بعدم دستورية القانون و بالتالي انتصارها للشرعية الدستورية.
*باحث في القانون الدستوري
تعليقات الزوار ( 0 )