شارك المقال
  • تم النسخ

هل يتجه العالم إلى إعادة إحياء طرق التجارة القديمة؟

إن التغييرات التي يشهدها العالم اليوم بأسره أصبحت تنذر بإعادة هيكلة الملعب العالمي من جديد وتغيير الخريطة الجيوسياسية لعالم الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة، فالعديد من التغييرات والعديد من الفاعلين الجدد أصبحوا لهم تأثير في الساحة الدولية والعالمية، كما أن ظهور تكتلات جدا وبروزها مثل البريكس واسيان اربك المنتظم الدولي وخاصة الدول المتقدمة والمتحكمة في الاقتصاد العالمي.

فطريق إعادة إحياء طريق الحرير الذي أعلن عنه الرئيس الصيني سنة 2013، اربك الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التي تعرف قوة التنين الصيني في الاقتصاد خاصة أن الرجل الصيني والمجتمع الصيني هو مجتمع ذو تجارة بامتياز، وما اطلاق هذه المبادرة وحشد الدول للانخراط فيها باعطاء امتيازات وتسهيلات وقروض مخفضة ولاجال طويلة ماهو الا استراتيجية من أجل إعادة تشكيل الملعب من جديد وسحب البساط من المجتمع الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التي يتبين من خلال المنظور الصيني ان نهاية الغرب وصلت النهاية، وجاء الدور للمعسكر الشرقي بقيادة الصين وروسيا وإعادة إحياء الاتحاد السوفيتي بشكل جديد وتعزيز قيم الإشتراكية.

إن المارد الصيني لا يختار المبادرات بشكل اعتباطي ولا السنوات بشكل اعتباطي فمبادرة الحزام والطريق هي مبادرة وطنية ترجع الى الأصول الصينية من خلال إحياء تجارة الاباء والاجداد والرجوع الى الاصل فالصين سنة 1820 كانت تنتج 20٪ من احتياجات العالم في ذلك الوقت معتمدة على عبقرية الرجل الصيني في التجارة، كما أن الصين تعتمد استراتيجية نابعة من ثقافتها وجذورها وارثها التاريخي فالتنين حيوان يرمز للقوة والغلبة والسيطرة وهو حيوان صعب الترويض كذلك الصين ليست دولة كباقي الدول ولا يمكن ترويضها رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها مازالت الصين تشكل رقما صعبا في الاقتصاد العالمي، كما أن سيميائية العلم الصيني المتكون من نجمة كبيرة و4 نجوم صغرى مستمدة من ارث وثقافة المجتمع الصيني وقيم الإشتراكية.

فالنجمة الكبيرة ترمز للحزب الواحد الحاكم الذي يؤمن بقيم وثقافة الإشتراكية، أما النجمات الأربع فهي تمثل طبقات الشعب الصيني وهي : طبقة العسكريين، طبقة المعلمين، طبقة الفلاحين، وأخيرا طبقة العمال، فقد كانت لكل طبقة مهمة معينة في تطوير منظومة البلاد في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها … كما أن الاستراتيجية كما سبق الذكر دائما ترجع للأصل فالصين من خلال رؤية 2049 تهدف إلى تحقيق الاستدامة الاقتصادية والتقدم التكنولوجي، وتطوير نظام اقتصادي اشتراكي سوقي عالمي قائم على الابتكار.

كما تهدف الصين أيضًا من خلال رؤية 2049، إلى تعزيز القدرة التنافسية العالمية وتعزيز الرفاهية الاجتماعية للشعب الصيني، من خلال التركيز على تحقيق التقدم في مجالات مثل الطاقة المستدامة والتكنولوجيا الذكية. فعام 2049 يمثل للصين رمزية وتواصلها مع تاريخ البلاد. ففي هذا العام، تحتفل الصين بالذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949. ويعتبر هذا التاريخ رمزاً للوحدة الوطنية والتطور السياسي والاقتصادي.

وقد اختيار هذا العام ليس بشكل اعتباطي بل بشكل استراتيجي مما يعكس رغبة الصين في تحقيق تقدم كبير وتطور شامل بحلول هذه الذكرى الخاصة، وبالتالي يبرز التطلعات الطموحة للدولة في المستقبل. فبلاد التنين نجحت لتكون ذلك الإنسان الذي يمشي برجلين الاغتناء الداخلي يساهم في التوسع الخارجي والتوسع الخارجي يساهم في الاغتناء الداخلي وما إعادة إحياء طريق الحرير الا تكريس وترسيخ لهذا التصور.

إن الغرض من هذا الطريق هو السيطرة على العالم والمراكز التجارية الاستراتيجية للدول وإعادة هيكلة خريطة التدفقات المالية والاستثمارية، وإعادة تحويل طرق التجارة وابراز دول جديدة في اللعبة وإعادة تشكيل الملعب من جديد بفرص جديدة وتهديدات جديدة ولاعبين جدد ومنافسين جدد،… ان الصين تتجه إلى إعادة صناعة شروط اللعبة والملعب والعبيد الجدد.

فطريق الحرير يضرب عدة عصافير بحجر واحد، فطريق الحزام والحرير يغزو آسيا و الشرق الأوسط وإفريقيا و أوروبا واذا ما اخدنا ان الكرة الأرضية دائرية فإن المنتوجات الصينية تغزو الأسواق الأمريكية من الضفة الأخرى لانها الاقرب الصين، فالصين دولة دهاء ومكر استراتيجي، فأولاد جانكيزخان يريدون السيطرة على العالم بأي وسيلة المهم هو تحقيق الهدف الاسمى.


إن العالم اليوم تغير والخريطة الجيوسياسية لعالم الغد بدأت في التغيير بسبب تنافس القوى العالمية الكبرى منها، الصين وروسيا و الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على فرض شروط اللعبة الجديدة لمستقبل الغد، كما أن الصراعات والحروب القائمة هي حروب بالوكالة الهدف منها اتباث الذات والقوة الطرف الاخر، وهذا نقاش يطول شرحه، وبالتالي فطريق الحرير او طريق الصحراء الكبرى، او طريق البخور والعطور و العديد من الطرق القديمة ماهي الا جزء من تشكل النظام العالمي الجديد وفرض شروط اللعبة الجديدة بمسميات جديدة فالصراع صراع الاقوياء صراع الرائد والمتحدي ام البقية فهو تابع مسحوب خاضع لشروط اللعبة الجديدة والملعب الجديد.

خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي