Share
  • Link copied

هل نجحت لجنة بنموسى في الإجابة عن سؤال الملك حول نموذج تنموي جديد؟

في سياق إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، أكد الخطاب الملكي لصاحب الجلالة أن المهمة الأساسية لهذه اللجنة يتحدد في “أن يقولوا الحقيقة ولو كانت مؤلمة”، في هذا الصدد أقر الملك بعجز ومحدودية النموذج التنموي السابق في تلبية حاجيات المواطنين وتطلعات الشعب وتحقيق التوازن على مستوى التنمية؛ وعليه تم تكليف لجنة خاصة من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس بتجميع المساهمات وترتيبها وهيكلتها وبلورة خلاصاتها في إطار منظور استراتيجي شامل ومندمج، على أن ترفع إلى النظر السامي لصاحب الجلالة مشروع نموذج تنموي جديد، مع تحديد الأهداف المرسومة وروافد التغيير المقترحة وكذا سبل التنزيل.

السؤال الذي يطرح هنا؛ هل استطاعت اللجنة تنزيل رؤية الملك؟ وإلى أي حد تمكّنت اللجنة من بلورة استراتيجية قادرة على تحقيق تطلّعات الشعب المغربي التي تترجمها مضامين الخطابات الملكية؟

بعد إعطاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله أمر الشروع في إعداد وثيقة النموذج التنموي التي تطلبت مجهود كبير وسهر طويل، الأمر الذي لا يمكن معه إلا تثمين المجهودات المبذولة، بحيث قامت اللجنة بأكثر من 30 زيارة ميدانية، أكثر من 70 لقاء مباشر، أزيد من 10.000 مساهمة وتم إحداث منصة رقمية لتلقي مختلف الاقتراحات؛ بالنظر إلى أن التوفر على فضاء للنقاش العمومي يوازي ما هو سائد اليوم في المجتمع لاسيما لدى فئة الشباب أمر في غاية الأهمية بل هو من الأساسيات التي لا يستغنى عنها. قد يتساءل أحدهم قائلا: ما الغاية من هذا النموذج التنموي الجديد؟ وما الذي يميز هذا العمل؟

تفاعلا مع هذه الأسئلة التي نراها مشروعة، نقول أن الغاية من هذا النموذج هو نفسه الغاية من الدولة، أي إشباع حاجيات المواطنين، غير أن ما يميز هذا العمل عن غيره، هو اعتماده المقاربتين التشاركية والاستباقية، فأما الأولى فتظهر على مستوى إشراك جميع الفاعلين والأقطاب والفعاليات سواء المواطنين القاطنين بالمدار الحضري أو القروي إضافة إلى الأحزاب، النقابات والمجتمع المدني، ومغاربة العالم. أما الثانية فتبرز على مستوى أن هذه العملية المطلبية في جوهرها لم تأت من –أسفل- أي من قبل المواطنين سواء بشكل سلمي أو حدّي، وإنما جاءت بشكل استباقي من قبل أعلى هرم السلطة في البلد الممثلة في المؤسسة الملكية التي ما فتئت تعمل مبدأ الاستشراف والاستباق بما يخدم مصالح الشعب المغربي عامة.

بالتالي فالنموذج التنموي من حيث المبدأ والفكرة يكتسي طابعا مهما للغاية بل نوعي، لاسيما أن تكريس هذه العملية التشاركية التي مرّت من كل هذه المحطات فقط من أجل الاستماع إلى هموم المواطنين وإدراج أفكارهم ضمن هذا التقرير، الذي تسنى لنا بموجبه إعداد وثيقة تحمل اسم كل المغاربة، يطبعها الإجماع وتعكس حقائق كانت إلى الأمس حصرا على التداول المحدود والشعبي دون الرسمي أو المؤسسي، وذلك كله في إطار السعي نحو بناء مغرب الغد المشترك، كل من زاويته وموقع اشتغاله.

غير أن الملاحظ بعيد صدور هذه الوثيقة للعلن، ذاك التسابق السريع والهرولة المترامية الأطراف من قبل مختلف “المحلّلين السياسيين” لإبداء الرأي والتحليل والتفسير بل والتنبؤ بالمستقبل، وكان أولى بهم أن يغلبوا منطق التحفظ إلى حين الاطلاع على كافة المضامين الواردة بالتقرير النهائي للجنة، وأن يتمتعوا بالقليل من الصبر وأن يتمعّنوا جيدا ويتفحصوا في قراءة هذه الوثيقة التي تتطلب وقت غير يسير من أجل استيعاب كنهها والإحاطة بماهيتها، وإلا لما احتاجت اللجنة نفسها لعقد عدد من الاجتماعات مع كافة المؤسسات والفاعلين المعنيين لشرح ما توصلوا إليه من نتائج ضُمّنت في التقرير الذي استغرق إعداده عدة أشهر؛ فهذا أولى بوصف المحللين، أما ما لاحظناه من بدل للكلام فهو لا يخرج عن نطاق الحياحة أو الحلايقية، ويخشى على مثل هؤلاء الذين يرمون بالكلام يمنة ويسرى، أن يفضحهم التاريخ ويظهر ضعفهم والفراغ الذي ينطوون عليه.

أما فيما يخص مضامين التقرير النهائي للجنة النموذج التنموي، فقد بدى من الواضح أن ما تتخلله هذه الوثيقة لا يختلف أبدا عما يردده المغاربة، بمختلف شرائحهم وفئاتهم، في المقاهي والبيوت والمحطات؛ واللجنة لم تزد عن أن أعادت صياغة ما يدور على ألسنة المغاربة بلغة ذات بعد قانوني وسياسي، وينسحب على ميادين أخرى.

إن مثل هذه التقارير كان الأولى بإصدارها الهيئات والمؤسسات الأكاديمية، التي ترفع مهمة البحث العلمي ويناط بها تشخيص الأوضاع واقتراح التوصيات والحلول، أما ومؤسسات البحث العلمي تعاني الكبح والمحدودية نتيجة المنهجية الأكاديمية التي تقتل الإبداع والتحرر الفكري، بعبارة أخرى منظومة تعليمية تلغي الفكر والنقد والفعل والمبادرة، لا ينتظر منها سوى انتشار عبارات من قبيل: “شحال جبتي” وليس” شنو تعلمتي و آش كتعرف دير”؛ وهذا ما هو إلا انعكاس للنظام العام الذي يعاني من تمظهرات تتحدد على سبيل المثال لا الحصر:

  • الجمود الذي تعاني منه المنظومة القانونية،إذ لم يتم تطويرها منذ عقود من أجل مواكبة العصر؛
  • الركود الذي تعرفه الساحة الحزبية، بحيث لم يعد المواطنون ينتظرون شيئا من قادتها وفي حديثنا عن وجوه جديدة كنا نتمنى أن يتم تقديم الوثيقة بحضور وجوه شابة يبعثون من خلالها الأمل في الممارسة السياسية، فلا نعتقد أنه يمكن أن نتأمل مستقبل جديد بنفس الوجوه السالفة التي يعتبرها المغاربة مسؤولة عن كل الأزمات؛
  • التأخر في تنزيل مقتضيات حقوق الإنسان لاسيما حرية التعبير والحريات الفردية بمضامينها القانونية، والقطع مع زمن اللجوء إلى المضايقات أو التلاعبات؛
  • عدم التشجيع على تفعيل الديمراطية التشاركية، وذلك يظهر من شعور المواطنين بالإقصاء والتهميش من المشاركة في النقاشات واتخاذ القرارات كان يؤدي بجلها إلى الأزمة؛ والذي ينظر في التقرير النهائي للجنة الخاصة بالنموذج التنموي لا يسعه التهرب من العبارات التي أفاد بها المواطنون المستجوبون، ومن بين أهم العبارات التي جاءت بها اللجنة التي تعتبر من المعيقات الكبرى أمام الإصلاح:
    هناك فئة تملك كل شيء وهناك فئة لا تملك أي شيء؛
  • الفساد والغش والمحسوبية في تحصيل الضرائب؛
  • ربط المسؤولية بالمحاسبة؛
  • المغرب بلد في حالة حرب. ضحاياه الشباب؛

    وهذا يبرز أن ما قامت به لجنة النموذج التنموي هو تشخيص الأعراض وليس المرض، وما ننتظره هو تشخيص سليم وحقيقي في سنة 2021، لأنه لابد لنا أن نطلع على 50 سنة الماضية بسياساتها وإستراتيجياتها، واستشراف المستقبل على ضوئها في إطار الاستمرارية، لأنه لا يمكن التهرب من الأسئلة المحورية والجوهرية حول الأسباب والعوامل الثقافية والسياسية والتاريخية، أي دراسة معمقة حول لماذا معضلة بناء اقتصاد متوازن وكيفية فتح نقاش حقيقي حول المخططات القطاعية بما لهم وما عليهم وكذا مساءلة جدوى اتفاقيات التبادل الحر، ولماذا الريع خلق منظومة وما يزال في طور النمو؟ لماذا مازلنا نرى نفس المسؤولون عن فشل المشاريع السابقة؟ وكيف يمكن محاسبتهم؟ لماذا لم يتم تشجيع استهلاك المنتوج المغربي وإنتاجه وتطويره وتصديره؟ لماذا تم ترسيخ ثقافة الاقتصار فقط على استيراد المنتجات والأفكار الجاهزة؟ وكيف يمكن لنسبة الاستثمارات أن تكون مرتفعة وفي نفس الوقت نسبة نموها ضئيلة؟ ذلك أنه من أجل الحصول على بدائل حقيقية، لابد من استخلاص العبر والدروس من التجارب السابقة، وإلا سنخلف من جديد موعدنا مع التاريخ والمواطن المغربي.

    أعتقد أن التهرب أو عدم الحصول على إجابات صارخة حول هذه النقاط سيظل النقاش سطحي؛ ويبقى التنزيل على مستوى السياسات العمومية لهذه المضامين هو المحك الأساسي الذي سيثبت مدى نجاعة ومدى قوة هذه التوصيات التي جاءت بها هذه اللجنة، ولعل السنوات المقبلة هي الكفيلة بأن تبرز لنا أوجه التغيير من عدمه.
    الحكومة المقبلة بين 2021 و 2026، يقع على عاتقها دور كبير ومسؤولية بالغة الأهمية، في تنزيل هذه الرؤية، وذلك لن يتم إلا من خلال الخروج من النمطية الكلاسيكية عبر التركيز على ثلاث أقطاب:

    القطب التنموي، يضم قطاعات: التربية والتعليم والرياضة والثقافة، الصحة والبيئة والمرأة، الفلاحة والأمن الغذائي، تنمية العالم القروي …
    القطب الاقتصادي والإنتاجي، يضم قطاعات: الاقتصاد والمالية، التجهيز والنقل، السياحة والترفيه والخدمات، الصناعة والتجارة…
    قطب التخطيط الاستراتيجي، يضم قطاعات: التعليم العالي والبحث العلمي والذكاء الاصطناعي، التكوين المهني والتكنولوجي، الرقمنة وإصلاح الإدارة وتحفيز الاستثمار، التعمير وسياسة المدينة..

    وفي نهاية هذه الورقة، لا يفوتنا أن نشير إلى أنه لا يمكن تنزيل وتنفيذ الخطط والسياسات في ظل إكراهات بشرية تتجلى في استمرار النخبِ السياسية نفسها الفاقدة للمصداقية والكفاءة وللفكرة؛ وإذا انطلقنا نحو الاستحقاقات الانتخابية بنفس الصيغة فلا يجب أن ننتظر أي شيء ذي بال، ذلك أن العملية الانتخابية ستفرز لنا نفس الوجوه، وإن بأدوار مختلفة، ومن ينتظر نتائج جديدة من نفس الفريق الذي أثبت فشله مرات عديدة فهو واهم.
Share
  • Link copied
المقال التالي