شارك المقال
  • تم النسخ

هل كشف اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء عداوات أشد فتكا من “كورونا”؟

أحدثت تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل أسبوع، زلزالا في المشهد السياسي العالمي، وذلك مباشرة بعد إعلان واشنطن اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية واستئناف الرباط للعلاقات مع إسرائيل.

كما قلب اعتراف واشنطن موازن القوى، وغير التوازنات الاستراتيجية بشمال إفريقيا الشيء الذي أربك حسابات الجيران وأسقط أوراق التوت على بعض التيارات والجمعيات والأحزاب الداخلية، وكشف العدو من الصديق خارج أسوار الوطن.

محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية والتاريخ المغربي الحديث، والمختص في شؤون الصحراء، قال إنّ الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء، أثار ردود فعل قوية نظرا لطبيعة الفاعلين فيه، متمثلين في أقوى دولة عسكريا وسياسيا واقتصاديا في العالم، وإسرائيل كقوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، والمغرب كقوة إقليمية فاعلة في منطقة البحر المتوسط وشمال افريقيا.

فلسطين والصحراء: بؤرتي صراع

وأوضح شقير في تصريح لـ “بناصا”، أن مضمون القرار يلامس بؤرتين للنزاع متمثلتين في فلسطين والصحراء، والذي دام فيهما الصراع لمدد طويلة، الشيء الذي جعل لهذا القرار تداعيات على المستوى السياسي الداخلي لارتباط قضية فلسطين منذ ستينيات القرن الماضي بتنافس القوى السياسية حول قضية فلسطين، حيث أدمجتها الحركات اليسارية خاصة المتطرفة منها ضمن برامجها السياسية واعتبرت بعضها بأن تحرير العالم العربي ودمقرطته يبدأ بتحرير فلسطين واعتبار إسرائيل أداة أمريكا في فرض سيطرتها في المنطقة العربية.

وأضاف، أن الحركات السياسية اتخذتها ذات مرجعية دينية كنقطة محورية في تحركاتها ضد النظام أو في منظورها لتحرير الأمة الإسلامية خاصة وأنها تعتبر الجهاد في فلسطين إستمرارا لمحاربة الرسول لليهود منذ بداية الدعوة المحمدية.

أما على المستوى الاقليمي، فإن القرار الأمريكي أقلق الجارة الإسبانية نظرا لأنها قد تفقد مكانتها كحليف رئيسي للولايات المتحدة في جنوب البحر المتوسط، خاصة إذا ما نقلت الولايات المتحدة قاعدتها من إسبانيا إلى جنوب المغرب.

وأبرز شقير،أنه بهذا القرار، تنتزع الولايات المتحدة ورقة إبتزاز كانت تلوح بها إسبانيا في وجه المغرب من خلال المساعدة التي كانت تقدمها أحزاب إسبانية، بما فيها المشاركة في الحكومة لجبهة البوليزاريو والسماح لنشطاء هذه الجبهة بالتحرك بكل حرية داخل إسبانيا.

وأضاف، أن الجزائر تعتبر هذا القرار بمثابة تكسير للتوازن التي حرصت الإدارة الأمريكية على الحفاظ عليه طيلة العقود السابقة بين المغرب والجزائر استجابة للوبي الشركات الأمريكية التي تسثمر في النفط الجزائري،

واسترسل المتحدث ذاته، أن حسم أمريكا في قضية الصحراء سواء من خلال تبنيها لخريطة المغرب بدون بتر لأقاليمه الصحراوية أو من خلال فتحها لقنصلية بالداخلة والاستثمار في المنطقة، هو إشارة سياسية لتفضيل المغرب كحليف عسكري واقتصادي وسياسي في المنطقة، خاصة بعد إبرام إتفاقية الشراكة العسكرية لمدة عشر سنوات بين البلدين وتزويد المغرب بمعدات عسكرية كطائرات إف 16 وطائرات درون.

أما على الصعيد الجيبوليتيكي، فإن نزول الولايات المتحدة بكل ثقلها السياسي والعسكري والاقتصادي من خلال هذا الاعتراف، هو تدشين لسياسة أمريكية جديدة لاتخاذ جنوب المغرب بوابة للتوسع الأمريكي من شمال إفريقيا لمحاصرة التوسع الصيني في القارة الافريقية التي أصبحت قبلة لكل القوى الدولية كالصين وروسيا والهند، أو إقليمية كتركيا وفرنسا، أوعربية كالإمارات.

ومن ثمة، يضيف الباحث في العلوم السياسية والتاريخ المغربي الحديث، والمختص في شؤون الصحراء، فإن هذا التحالف الأمريكي الإسرائيلي المغربي، سيشكل قوة للتوسع في إفريقيا، وستنظر إليها القوى الاخرى بكثير من التوجس والقلق.

الإعتراف الأمريكي سيحدث زلزالا في مسار تسوية نزاع الصحراء

ويرى الخبير الاستراتيجي في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية، عبد الفتاح الفاتحي، أنه من طبيعي أن يخلف الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء ردود فعل لدى أصحاب المصلحة من الدول التي لها هدف من النزاع المفتعل حول الصحراء، ذلك لأن هذا الإعتراف الأمريكي سيحدث زلزالا في مسار التسوية لنزاع الصحراء.

وأوضح الفاتحي، في حديث مع “بناصا”، أنه بالنظر لقوة الموقف الأمريكي، فإن من شأن ذلك أن يخلخل من بنية التوازن التي ظلت تبقي النزاع يراوح مكانه، طالما هذا الوضع يمكن دولا من الإبقاء على نفوذها في إفريقيا من خلال الهيمنة على سوق السلاح، كما هو الحال بالنسبة للموقف الروسي الداعم للجزائر زبونها الأول.

وأكد الفاتحي، أن الدول التي دعت إلى عقد جلسة حول الصحراء، ليس هم حراس المعبد الحريصون على الوفاء لمبادئ القانون الدولي، لكنهم من الدول التي لها مصلحة مع الجزائر، نظير روسيا مصدري السلاح وألمانيا، التي تبحث إقامة مصانع السيارات في الجزائر، فضلا عن التحالف التقليدي لجنوب إفريقيا مع الجزائر.

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن إسبانيا لا تتخوف من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، ولكن تتخوف من القرب الأمريكي للمغرب وَما يترتب عن ذلك من شركات َمستدامة في كافة المجالات، فأن يصبح المغرب صديقا مقربا لأمريكا، يعني بديلا لاسبانيا، وأن في ذلك خلخلة للتوازن الذي يجب أن يرجح كفته لاسبانيا، إلا أن مع هذا التحول، لا تأمن إسبانيا لمستقبلها مع المغرب الذي له علاقات خلافية معه.

بدوره، قال الكاتب والباحث الأكاديمي المغربي، إدريس جنداري، إن تغيير المغرب لاستراتيجيته المحافظة، حرك المياه الراكدة، وكشف حقيقة الكثير من الأطراف، دوليا وعربيا وإقليميا ووطنيا كذلك.


وأضاف جنداري في إتصال هاتفي مع “بناصا”، أنه على المستوى الدولي، خرج كريستوفر روس عن كل الحياد الذي كان يوهم به، كمبعوث أممي، و كشف عن حقيقته كمتعاقد مع لوبي جزائري مهمته عرقلة أي حل سلمي للقضية الانفصالية المفتعلة. وقد أكد، بذلك، على حكمة موقف المغرب حينما طالب بنزع الثقة عنه لأنه يفتقد النزاهة و الحياد.

سقوط ورق التوت عن بعض القوى السياسية


وعربيا، يرى إدريس جنداري، أنه لابد من التنويه بالموقف الفلسطيني الرسمي الذي جاء متفهما للقرار المغربي، ووضع ثقته في نضج السياسة الخارجية للمغرب التي لا تقوم على الانفعال وردود الفعل. مع التنديد بالموقف غير المشرف الذي عبرت عنه عضوة منظمة التحرير الفلسطينية سابقا (حنان عشراوي)، لكن ذلك يسيء لمسارها السياسي أكثر مما يهدد مصالح المغرب، وقد أكدت باستقالتها من عضوية منظمة التحرير الفلسطينية أنها لم تعد مؤهلة لتمثيل الشعب الفسطيني في ظل التحولات الكبرى التي يعيشها العالم العربي.


ومغاربيا، يضيف المتحدث ذاته، لم نفاجأ بالموقف العدائي لعسكر الجزائر لأن ذلك أصبح تقليدا راسخا لا يتغير، الجديد هو أن الموكب تجاوزهم، بكثير، ولم يعودوا قادرين على اللحاق به، خصوصا في ظل التزامهم بمنطق الحرب الباردة في وضع دولي معولم يفرض مفهوما جديدا للعلاقات الدولية.


ووطنيا، أشار جنداري، إلى أن أوراق بعض القوى السياسية، انكشفت على الملأ، وتأكد بالملموس أنها عاجزة عن مواكبة التطور الحاصل في صناعة القرار السياسي بالمغرب، وهذا يهددها وجوديا، في المستقبل القريب، وأخص بالذكر الفاعل الإسلاموي الذي يلعب على الحبلين حينما يندد جناحه الدعوي بموقف المغرب، ويعبر جناحه السياسي عن دعم محتشم.

بالإضافة إلى الفاعل اليساري الراديكالي الذي لم يطور أدواته السياسية ولم يجدد وعيه السياسي، فقد ظل ملتزما بمنطق سياسي قديم قائم على فهم منحرف لحق تقرير المصير الذي تحول إلى إيديولوجية توظف في تفكيك الدول.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي