نورالدين لشهب
في تقرير ميداني صادر عن لجنة تقصي الحقائق بمجلس الأمناء، التابعة لاتحاد علماء المسلمين، حول نشر التشيع في القارة الإفريقية، ذهب كاتب التقرير عن الحالة الشيعية بالمغرب إلى أن العلامة سيدي عبد العزيز بن الصديق كان شيعيا.
ورغم أن كاتب التقرير الذي لم يذكر اسمه ارتكب أخطاء في المعلومات والمعطيات بخصوص الحالة الشيعية بالمغرب، ونذكر على سبيل المثال ذكره لشخصين محسوبين على التشيع، أولهما إدريس هاني، المنحدر من مدينة مكناس، والآخر إدريس الحسيني، المنحدر من مدينة مولاي إدريس زرهون، والحال أن إدريس هاني هو نفسه إدريس الحسيني، إذ إنه كان يوقع كتبه الأولى، ولاسيما “الخلافة المغتصبة” و”لقد شيعني الحسين”، باسم إدريس الحسيني، بينما وقع كتبه الأخرى باسمه الحقيقي إدريس هاني؛ ناهيك عن معطيات تهم الأرقام والأسماء والتيارات، فإن الكثير من المستبصرين (المتحولين من المذهب السني إلى الشيعي) ما فتئوا يعتبرون أن العلامة سيدي عبد العزيز بن الصديق كان شيعيا.
ورغم بعض الأخطاء التي يحتوي عليها التقرير المذكور، إذ غلب عليه الجانب الطائفي، وجاء استجابة للتحذير الذي قدمه الدكتور يوسف القرضاوي بشأن جهود التشييع المبذولة، والتي تمارس في أوساط المجتمعات السنية، فإن السؤال يظل قائما حول حقيقة هذا الموضوع..هل كان عبد العزيز بن الصديق شيعيا؟ وما الأمارات التي جعلت كاتب التقرير بالمغرب، والذي لم يذكر اسمه، يذهب إلى أن العلامة عبد العزيز بن الصديق كان شيعيا؟ هل الأمر يعود إلى مسلكية التصوف/ السند الصوفي الذي يتصل بآل النبي عليهم السلام؟ أم أن هذه التهمة مصدرها الثقافة الدينية المغربية التي تعظم آل البيت وتعلي من قدرهم بالنظر إلى المرجعية الصوفية؟ أم أن العلامة ابن الصديق ينتصر لأجداده من آل البيت؟ وكيف كان ينظر العلامة إلى باقي الصحابة والخلفاء الراشدين بالمقارنة مع العلماء المعتبرين في المذهب الشيعي، قديما وحديثا؟
تشيع وجداني في مقابل تشيع عقائدي
هل كان العلامة عبد العزيز بن الصديق شيعيا إذن؟
في معرض جوابه على السؤال، قال إدريس عدار، الإعلامي المغربي، والمتابع للموضوع عن كثب، في اتصال مع هسبريس، إنه “وقع التباس كبير في اعتبار العلامة سيدي عبد العزيز بن الصديق رحمة الله عليه شيعيا”. وهذا الالتباس، حسب رأي عدار، “ناتج عن التعقيدات التي نتجت بعد الانتشار الواسع للمد الوهابي”.
واعتبر عدار أن “الوهابية حاولت السطو على المذهب السني، وبما أن عبد العزيز بن الصديق تمكن من الإفلات من عقال الأوهام التي صنعتها الأخيرة، فقد ظهر كشيعي بحكم التقائه في كثير من الاجتهادات مع ما أثله شيوخ المذهب الجعفري، ولم يكن يجد غضاضة في ذلك، ولم يكن بدعا داخل المذهب السني، إذ سبق لشيخ الأزهر محمود شلتوت أن أفتى بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، وذلك لمعرفته بحدود الاختلاف والخلاف بين المذاهب الإسلامية”.
ومما عزز هذا الالتباس بخصوص سيدي عبد العزيز بن الصديق هو “ميل العلامة نحو الإمام علي، لكن من غير تفضيل، مما ينفي عنه انتماءه إلى المذهب الشيعي”. ويستدرك إدريس عدار بالقول: “لكن يمكن إجمال “تشيع” بن الصديق في كونه حب لآل البيت عليهم السلام لم يصل إلى حد التشيع العقدي، وليس هو الأول ولا الآخر، فالإمام الشافعي يقول “إن كان حب آل محمد رفضا…فليشهد الثقلان أني رافضي”. وللإمام النسائي كتاب بعنوان “خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب”. وتقول الروايات إن السلطة الأموية حرضت ضده الغوغاء بتهمة التشيع فضربوه ومات بعدها بوقت قليل، وهو من محدثي أهل السنة”.
ويخلص الباحث في موضوع “التشيع بالمغرب”، في اتصال مع هسبريس، إلى أن الذين وصفوا عبد العزيز بن الصديق بالتشيع، سواء كانوا من أهل السنة الكارهين للتصوف أو من المتشيعة من “المستبصرين”، “لم يستوعبوا أن الفروق بين المذهب السني والشيعي ليست كثيرة، وأنهما يشتركان في كثير من الأمور”، وزاد: “لم يكن بن الصديق يرى مانعا من اللقاء مع اجتهادات المذهب الجعفري، لكن على العموم خالف الجعفرية في الكثير من المسائل المقررة؛ ويكفي أنه على مستوى الاعتقاد لا يفضل علي على الخلفاء، وفي الفقه يرجح القبض في الصلاة، ناهيك عن دفاعه الشديد عن صلاة التراويح. ومن يدرس الفقه المقارن يعرف الخلاف جيدا.. يبقى تشيعه في سياق حب آل البيت وليس تشيعا عقديا”.
نفي تهمة التشيع عن العلامة ابن الصديق
بالنسبة للدكتور عبد الله الجباري، فإن الشيخ عبد الله بن الصديق، وبالنظر إلى التقسيم المتعارف عليه، سني غير شيعي، لعدة اعتبارات، من بينها:
– درس الشيخ في المعاهد العلمية السنية (القرويين – الأزهر)، ولم يتلق أي تكوين في الحوزات العلمية الشيعية.
– المصادر العلمية المعتمدة في كتب الشيخ وفتاواه كلها مصادر سنية، ولا يعتمد في تآليفه على المراجع والمصادر الشيعية.
– الآراء العقدية التي ينفرد بها الشيعة لا توجد البتة في تآليفه، مثل الرجعة وعصمة الأئمة…
– الشيعة مجمعون على إيمان أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونجاته، والشيخ ابن الصديق يقول بكفره.
– الشيعة مجمعون على رجوع المهدي المغيب الآن، والشيخ ابن الصديق ألف كتابا في المهدي المنصوص عليه في كتب السنة الذي سيظهر في آخر الزمان. وهذا منصوص عليه تواترا، وألف فيه أناس غير متشيعين مثل الشوكاني وصديق حسن خان والكوثري…
– دافع الشيخ عن السيدة عائشة، ورد على أحد الشيعة الذي كان يطعن فيها، ونبهه إلى أنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
فهل هل حب الشيخ بن الصديق لآل بيت النبوة والانتصار لهم في أكثر من موقف تاريخي/سياسي يعود إلى مسلكيته الصوفية؟
يجيب عبد الله الجباري، في اتصال مع هسبريس، بأن “حب آل البيت ليس مختصا بالصوفية فقط، بل هو من صميم الثقافة السنية؛ وذلك منصوص عليه في عدد وافر من الأحاديث. إلا أن الثقافة الأموية السائدة في عصر التأسيس للعلوم الإسلامية حاربت ذلك وحاولت التقليص منه. وكل من اشتهر عنه الدفاع عن آل البيت اتهم بالتشيع، وهي أخطر تهمة سياسية في وقتئذ”.
وضرب الباحث ذاته عدة أمثلة لعلماء اتهموا بالتشيع من قبل الأمويين، كالإمام النسائي، صاحب السنن والحاكم صاحب المستدرك على الصحيحين. أضف إلى ذلك أن ما تميز به عامة الصوفية أنهم انتسبوا بسلسلة السند الصوفي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق علي بن أبي طالب، وذلك لأنه أعلم الصحابة، وتلقى من النبي علم الظاهر والباطن كما قال ابن مسعود: “إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلا له ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن”.
وعلق ابن الصديق على هذا النص وغيره بقوله: “هذا تصريح بأن الصحابة كانوا يعترفون لعلي بتفوقه في علوم الحقائق والأسرار”، ثم قال: “ولهذا كان علي أستاذ الصوفية ورئيسهم كما قال الجنيد وابن العربي الحاتمي وغيرهما، وسلسلة الطريق لا تتصل إلا به، ولا تنتهي إلا إليه، بالتلقين والاقتداء والصحبة كما فصله أخي في البرهان الجلي”.
وأما القول بانتساب الصوفية إلى علي، حسب الجباري، “لا يستقيم دليلا على التشيع، لأنه قول الصوفية أهل السنة عموما. وقد نقل السيوطي وهو سني عن صاحب كتاب التعرف وهو سني قوله: “ممن نطق وعبّر عن مواجيدهم ونشر مقاماتهم ووصف أحوالهم قولا وفعلا بعد الصحابة: علي بن الحسين زين العابدين وابنه محمد الباقر وابنه جعفر الصادق …[ثم ذكر أسماء أخرى]…”.
وقال السيوطي: “وذكر غيره أن علي بن أبي طالب أول من نهج الطريق ثم ابنه الحسن”.
والمتأمل في النص الأول أن المذكورين الأوائل كلهم من أعلام وأعيان آل البيت، والسيوطي ذكر عليا بن أبي طالب ولم يقل أحد بتشيعه؛ ما يعنى أن الانتساب إلى علي في السند الصوفي لا يدل على التشيع إطلاقا. وقال السيوطي نقلا عن ابن عطاء الله السكندري: طريقة الشيخ أبي الحسن الشاذلي تنسب إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش، والشيخ عبد السلام ينسب إلى الشيخ عبد الرحمن المدني، ثم واحد عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو أول الأقطاب”.
فهل الثقافة الدينية الصوفية بالمغرب المتمثلة في التشيع الوجداني وحب آل البيت مساعد للتشيع بالمغرب؟
الجباري، وفي معرض رده على السؤال، يقول: “إن هذا الموضوع أمر غير محسوم، ولا نستطيع تقريره نظرا لعدة خصوصيات”، وأعطى أمثلة كثيرة، من أهمها أن ابن العربي المعافري المالكي دفين فاس كان تلميذا للإمام الغزالي الصوفي، وكان مقربا من الثقافة الصوفية، ورغم ذلك فهو أبعد الناس عن التشيع، بل كان أموي الهوى، وقال كلاما سيئا في الحسين عليه السلام منتصرا ليزيد بن معاوية. كما أن الشيخ جعفر الكتاني رغم تصوفه، ورغم انتسابه إلى عائلة شريفة، له تقييد في يزيد بن معاوية.
“وهكذا، لو كانت الثقافة الدينية الصوفية ممهدة للتشيع لما كان هذان العالمان مدافعين عن يزيد بن معاوية”، يقول عبد الله الجباري
تعليقات الزوار ( 0 )