Share
  • Link copied

هل ستتحول التركيبة الإقليمية من “سني شيعي” إلى “أمريكي روسي”؟

في أرجاء الشرق الأوسط يسيرون الآن على أطراف الأصابع في محاولة لعدم إحداث صوت. فبعد كل شيء، عندما يزأر بوتين، فالأفضل الدخول إلى الثغور إلى أن يمر الغضب. سوريا تخرج عن القاعدة، فهي الدولة المحتلة من قبل الروس، والتي سارعت لتعبر عن تأييدها لموسكو.

سوريا ذات صلة بقضيتنا، لأن التدخل الروسي فيها كان خطوة قوة مهمة أولى لبوتين في طريقه لاستعادة مكانة قوة عظمى عالمية رائدة لبلاده. في منطقتنا، اعتدنا على مشاهد وأصوات تأتي من أوكرانيا، فهي مشاهد مشابهة بل ورأينا أقسى منها في سوريا قبل أقل من عقد، عندما استخدم سلاح الجو الروسي بكل قوته ضد “المتمردين الإرهابيين” وخلف وراءه مدناً خربة. في حينه، ضج العالم أقل بقليل، إذ إن هذه هي سوريا وليست قلب أوروبا، لكن الدرس هو ذاته.

لم ينهض أحد ضد الروس لإيقافهم في حينه. وهذا هو الأمر المهم للدول في المنطقة، والتي تسأل نفسها: ماذا سيحصل إذا ما قررت روسيا “العودة” إلى ليبيا أو إلى العراق اللتين كانتا حليفتيها في الماضي؟ وماذا إذا ما حققت إيران تهديدها و”جاءت لمساعدة” الشيعة في البحرين أو هاجمت الإمارات أو قطر؟ فهل سيكتفي الأمريكيون بعقوبات اقتصادية ولم يفعلوا شيئاً؟

الناس الشرق الأوسط يفهمون على نحو أفضل، ويتماثلون مع العقلية الروسية، عقلية الاستعداد للتضحية من أجل هدف وطني سامٍ حتى بثمن اقتصادي أليم. في الولايات المتحدة أسعار الوقود تغير المزاج الوطني، وعليه حاول الرئيس بايدن الأسبوع الماضي في خطابه، إلى جانب التهديدات على روسيا، تهدئة الجمهور الأمريكي القلق، وهكذا كشف لم يكشف فقط عن الضعف والهشاشة، بل وعن زاوية نظر غربية نموذجية، ترى كل شيء في تعابير مستوى المعيشة والراحة. هذا أمر لم ينجح أثناء الربيع العربي في الشرق الأوسط، والذي اختار فيه السكان الحركات الإسلامية، أو كبديل، عودة الدكتاتوريين على مستوى المعيشة والحرية والتحرر؛ ولم ينجح في إيران، حيث لم توقف العقوبات آية الله؛ وعلى ما يبدو لن ينجح في روسيا أيضاً.

الرأي العام العربي لا يتعاطف مع الأمريكيين والغرب، ولكن بالمقابل لا يوجد عطف كبير لروسيا أيضاً. لكنهم يخافون من الروس، وهذا أمر مهم. ورغم الأصوات السطحية التي يطلقها الجميع – وبالمناسبة في إسرائيل أيضاً – فإن كييف هنا، ليس فقط بسبب القرب الجغرافي من ساحة المواجهة، بل لأن الشرق الأوسط كان دوماً، ولا يزال، جزءاً من ساحة الصراع بين الكتل.

وفي هوامش العالم العربي، سارعت إيران لشجب الغرب وألقت مسؤوليته عن الأزمة، ولكنها أيضاً لم تعرب عن تأييد الغزو الروسي لأوكرانيا. فالروس أو الأمريكيون، من شأنهم أن يغزوها هي أيضاً. بالمقابل، انضمت تركيا إلى المعسكر الغربي، وشجبت الغزو الذي سيجعلها جارة لروسيا ليس من الجنوب (مع سوريا التي تحت سيطرتهم) فحسب، بل وأيضاً من الشمال على شواطئ البحر الأسود الذي عاد ليكون بحراً روسياً.

لسنوات، يتحدثون هنا عن شرق أوسط جديد. محتمل جداً في ظل النظام العالمي الجديد الذي سيقوم عقب الغزو الروسي لأوكرانيا وفي ظل توزيع الغنائم والذخائر وترسيم الحدود بين الغرب والشرق، بالضبط مثلما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، أن تتغير الخريطة السياسية في المنطقة. لن يكون التقسيم في حينه بين السُنة والشيعة، بل بين دول مرعية أمريكية وروسية.        

Share
  • Link copied
المقال التالي