Share
  • Link copied

هل توحد الانتخابات الرئاسية التونسية اليسار في مواجهة المحافظين؟

بناصا ـ متابعة


منذ أعلن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ترشيح عضو مكتبه والنائب بالبرلمان منجي الرحوي للانتخابات الرئاسية التونسية القادمة، طفا على السطح خلاف ترجمته تصريحات زعماء أحزاب الجبهة الشعبية التي تضم 11 حزباً، والتي كونها الشهيد شكري بلعيد لتكون خطاً ثالثاً ضد اليمينين في تونس (نداء تونس وحركة النهضة)، ولتكسر رتابة الاستقطاب الثنائي الذي قاد البلاد إلى “سياسة التوافق” والتسويات التي أضرت بالاقتصاد التونسي وزادت الوضع تعقيداً يوماً بعد يوم.


وحاول زعماء أحزاب الجبهة الشعبية التروي أول الأمر، وأجمعوا على أنّ المجلس المركزي للجبهة الشعبية هو الذي سيبتّ في مرشح الجبهة الشعبية، غير أنّ حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد دعا إلى ضرورة تشريك القواعد في اختيار مرشح الجبهة وعدم الاكتفاء فقط بالمجلس المركزي لضمان وحدة الجبهة الشعبية.
بيانات وبيانات مضادة.


وتفاعلاً مع ترشيح الرحوي أصدرت 7 أحزاب بياناً أعلنت فيه أنّ “اجتماع الأمناء العامين هو الإطار المخول رسمياً للبت في آلية الحسم في اختيار مرشح الجبهة في الانتخابات الرئاسية القادمة بناء على تفويض رسمي في الغرض من قبل المجلس المركزي للجبهة الشعبية بتاريخ 5 آذار (مارس) 2019”.


وأكد البيان، الصادر في 19 آذار (مارس) 2019، أنّ حمة الهمامي هو مرشح الجبهة الشعبية للانتخابات الرئاسية القادمة.


من جهته أصدر حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد بياناً تفاعل فيه مع بيان ترشيح الهمامي عبّر فيه عن “تمسكه بوحدة الجبهة الشعبية إطاراً لخوض المعارك السياسية القادمة”، واعتبر “إعلان بعض أحزاب الجبهة عن مرشح للانتخابات الرئاسية دون توافق جميع مكوناتها يفقد هذا المرشح إجماع عموم مناضلي الجبهة وأنصارها”.


هل نحن أمام أزمة داخل الجبهة الشعبية؟


رغم الانتقادات التي وجهت إلى الجبهة من طرف مراقبين تتعلق بركودها وتجمدها واقترافها بعض الأخطاء خصوصاً في الانتخابات البلدية الماضية من قبيل عدم ترشيح قوائم في كل الدوائر الانتخابية، فإنّها ظلّت كتلة متماسكة تحافظ على خلافاتها ونقاشاتها في مطبخ داخلي لا يعرف عنه أحد شيئاً، وحرصت على عدم إخراجه إلى العلن، وصارت خطاً ثالثاً حقيقياً، ومشروعاً يمكن المراهنة عليه بتفادي أخطاء الماضي وتحديث الخطاب السياسي ومزيد دمقرطة الهياكل والمؤسسات السياسية داخلها، غير أنّ شهر آذار شهد ما أثار غضب الكثيرين من أنصارها، وأحيا في الأذهان صراع الزعامات الذي كان سبباً رئيسا في خراب اليسار وتشتته.حلم توحيد المعارضة.


وأقر الباحث والمحلل السياسي مصطفى القلعي بأنّ ما يحصل داخل الجبهة هو “أزمة مفاجئة وغير منتظرة؛ “فالجبهة ما فتئت تقدّم نفسها على أنّها الطرف الرئيسي في المعارضة وعلى أنّها تقوم بمساع مستمرّة لتوحيد صفّ المعارضة الاجتماعيّة، ولكنّها تفاجئ الرأي العام بانفجار هذا الخلاف الداخلي صلبها”.
وتابع القلعي، حديثه بالقول: “مررنا من محاولة توحيد المعارضة الاجتماعيّة برمّتها إلى إعادة رصّ الصفّ الجبهوي الداخلي. السؤال الآن؛ كيف يمكن لمن عجز عن توحيد صفّه أن يتكلّم عن توحيد المعارضة؟ هل سيكون لهذا الشعار من معنى في المستقبل؟”.


أزمة مفتعلة


وأكد القلعي أنه يعتبر “أنّ هذه الأزمة أزمة ساذجة افتعلتها أحزاب الجبهة بنفسها ولنفسها”، ذلك أن الراغبيْن “في الترشّح من حزبي الجبهة، حزب العمّال وحزب الوطنيّين الديمقراطيّين الموحّد (وهما حزبان ماركسيّان يعني من نفس العائلة الإيديولوجيّة!)، يتسابقان حول من يكون مرشّح الجبهة للرئاسيّة، وهو، بالمعطيات والمؤشّرات القائمة حاليّاً، ترشّح من أجل الخسارة فلكأنّ كلاّ منهما يقول للآخر؛ اترك لي شرف الانهزام”.
وأوضح القلعي أن “حمّه الهمّامي لا يستحقّ هذا” ووصفه بأنه “رجل مناضل ووجوده في تونس مهمّ جدّاً”. ولكنّه أخذ عليه أنه “لا يعرف أحياناً أين يضع نفسه”، ذلك أن منصب الرئاسة “لو افترضنا أنّه يمكن أن يطالها، لا تصلح له ولا يصلح لها”، على حد تعبيره، “لا لأنّه غير مؤهّل لها، لا أبداً، وإنّما لأنّه منصب تشريفي موجّه للتسويق الخارجي كما في إيطاليا وألمانيا”. في حين أن “حمّه رجل يساري ماركسي لينيني له مواقف معلومة من العالم ومن حكّامه. فكيف سيتعامل معهم لو صار رئيساً. إنّه يأخذ نفسه نحو العزلة”.
ويرى القلعي أنّ المكان الطبيعي لحمة الهمامي هو البرلمان “حيث سيكون له دور في قيادة كتلة الجبهة وفي توسيعها واستقطاب نوّاب آخرين لما يحظى به من تقدير في الساحة السياسيّة”.


وحدة الجبهة الشعبية على المحك


لهذه “الأزمة” التي طفت على السطح انعكاسات قد تكون خطيرة، وقد تؤثر في وحدة الجبهة الشعبية في حد ذاتها وهي الساعية للتوسع ولم شمل العائلة اليسارية والتقدمية والحداثية والاجتماعية، وفق ما يرى القلعي الذي يؤكد أنّ ما يحصل هو “اختبار حقيقي لوحدة الجبهة. ولا بدّ من التأكيد على أنّ هذه الأزمة هي ترجمة لفشل أحزاب الجبهة في التقدّم نحو التنظيم المؤسّساتي للجبهة. لو أصغت الجبهة لأصوات مثقّفيها ومناضليها وتقدّمت في وضع مؤسّساتها لما كان هناك خلاف. فغياب المؤسّسات جعل الخلافات بلا حلّ”.
من جهة أخرى، وجه القلعي نقده إلى مكونات الجبهة ذاتها واصفاً هذه الأزمة بأنها “لا تخلو من تراجيديا؛ فأحزاب الجبهة لا تعمل على التنظيم المؤسّساتي وتريد أن تحافظ على الجبهة إطاراً فارغاً مفرغاً تبقى السلطة فيه للأحزاب نفسها ولكنّها في نفس الوقت لا تستطيع أن تتخلّى عن الجبهة لأنّها خارج الجبهة لا تساوي شيئاً والرأي العام لا يعرفها وإنّما يعرف الجبهة. هذه الأحزاب المشكّلة للجبهة تعمل عكس الماديّة التاريخيّة وتمانع ضدّ نفسها ولا تخدم الجماهير”.


غير أنّ القلعي كان متفائلاً بخصوص انعكاسات هذه الأزمة التي ستمر ولكنها “ستعيد الجبهة خطوات إلى الوراء مقابل تقدّم خصومها عليها حتى الذين ولدوا مؤخّراً”.


النهضة وشظايا النداء سيجنون الفائدة


أثبتت التجربة، وفق القلعي، أنّ المستفيدين من كل شتات هم الذين يحافظون على وحدتهم ويزدادون تكتلاً ويديرون الصراعات بحكمة ويتدبرون سياسياً كل ما من شأنه ضرب وحدة صفوفهم، وزعزعة كهذه في صفوف الجبهة لن تمر مرور الكرام، “وما دامت “مصائب قوم عند قوم فوائد” فإن “المستفيد هي السلطة الحاكمة والأحزاب المتوثّبة لـ2019 لاسيما أحزاب التوافق أي النداء وشظاياه والنهضة”.

ويرى القلعي أنّ الحل هو “سحب الجبهة مرشّحيها الاثنين إذ لا حظوظ لأيّ منهما في الرئاسيّة وإقامة ندوتها الوطنيّة الرابعة وترك القرار لمناضلي الجبهة أو التوجّه نحو المعارضة الاجتماعيّة بما فيها الاتحاد العام التونسي للشغل والبدء فوراً في مشاورات لتقديم مرشّح واحد باسمها يمكن أن يكون حمّه الهمّامي أو غيره شرط أن يكون مرشّح المعارضة الاجتماعيّة برمّتها”.


ويؤكد القلعي أنّ أمام الجبهة مزيداً من العمل على أصعدة مختلفة أهمها “رص صفوفها والشروع في إعداد خطّة عمل لتشكيل قوائمها الانتخابيّة، وحشد كلّ الجهود والطاقات خاصة في مستوى الخطاب السياسي والإعلامي والدعائي من أجل الفوز بأكثر ما يمكن من المقاعد. عندها يمكن أن تكون للجبهة كتلة قويّة تغيّر الواقع وتفرض رؤيتها الاجتماعيّة وتمرّر بعض مطالبها. وعلى حمّه أن يكون في البرلمان لا أن يختزل تفكيره في وهم الترشّح للرئاسيّة”.


يبدو أنّ أحزاب اليسار لم تتخلص بعد من تركة أزمة الزعامات، ولم تستطع تسويق خطاب سياسي يتلاءم مع الشارع التونسي، وترفض تعديل آليات اشتغالها، الأمر الذي تستثمره حركة النهضة الإخوانية في توظيف آلاتها المادية والمعنوية ومكنتها الإعلامية للتغلغل في المجتمع، فهل تشتت الانتخابات اليسار التونسي؟ وهل يجني الإسلاميون ثمرة هذه الفرقة؟

Share
  • Link copied
المقال التالي