Share
  • Link copied

هل تمهد جولة ديمستورا لحوار جزائري مغربي؟


ما الهدف من اللقاءات والمباحثات التي سيجريها المبعوث الأممي الجديد للصحراء مع الأطراف المعنية بالملف؟ هل هو، ومثلما تردد في بعض وسائل الإعلام، مجرد الإصغاء والاستماع إلى وجهات نظر الفرقاء، واستطلاع آرائهم ومواقفهم من النزاع؟ أم إبلاغهم وبالأساس رسالة من المنتظم الدولي، ومن ورائه القوى الكبرى، حول ضرورة خفض حدة التصعيد بينهم، والعودة بأسرع وقت إلى المفاوضات؟

ربما سيكون من السذاجة أن يتصور أحد أن ستيفان ديمستورا كلف نفسه عناء السفر لأسبوع كامل إلى ثلاث دول مغاربية، في الوقت الذي كان يمكنه فيه أن يحصل على ما يريده من معلومات، أو تفاصيل عن تلك المواقف، أو الآراء وهو جالس في مكتبه في روما. غير أن ما رسمه الدبلوماسي المخضرم، الذي استلم مهامه في أكتوبر الماضي، هو في الواقع أبعد وأوسع بكثير من أن ينحصر في ذلك. ومن الواضح أن أهم ما يمكن أن يعود به من الجولة، التي يفترض أن يبدأها غدا الخميس إلى المغرب والجزائر وموريتانيا، ليس التوصل بالطبع إلى اتفاق جزائري مغربي لحل نهائي وباتٍ للمعضلة الصحراوية، لكن التمكن في هذا الظرف بالذات من انتزاع ما هو أدنى منه بكثير، وهو قبول البلدين المغاربيين فتح قنوات الحوار بينهما، ولو بشكل موسع وحول نقطة خلافية واحدة فقط، وهي الصحراء، من خلال المفاوضات الرباعية في جنيف.

والأمر في حد ذاته ليس بسيطا أو هينا بالمرة، فحينما سئل المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، قبل أيام، إن كان قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب في أغسطس الماضي سيلقي ظلاله على تلك الجولة أم لا؟ كان رده غامضا وباردا بعض الشيء، فقد قال إنه ليس متأكدا من أن قطع العلاقات سيؤثر في مهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة للصحراء، وأضاف «هناك وضع يحتاج إلى حل، وأنه ضمن التفويض المحدد للسيد ديمستورا سوف يتابع هذا» قبل أن يقر في الأخير بأنه «من حيث المبدأ فإن الأمور تكون دائما أقل تعقيدا عندما تكون العلاقات الثنائية بين الدول أكثر إيجابية».

ولا شك بأن ديمستورا يدرك جيدا ما الذي يعنيه التوسط في ملف إقليمي صعب ومعقد، مثل الملف الصحراوي، في وقت ما زالت فيه العلاقات الدبلوماسية بين طرفيه الأساسيين مقطوعة. لكن ما الذي يمكن فعله؟ وهل إنه سيكون قادرا على تحقيق ما عجز عنه غيره على مدى الأسابيع والشهور الأخيرة، وهو إقناع الجزائريين والمغاربة بالجلوس إلى طاولة مفاوضات، أو في أدنى الأحوال فتح قنوات التواصل بينهما، عبر استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؟ إن أكبر تحد سيواجهه في هذا الجانب، أن السلطات الجزائرية سبق لها وأعلنت في أكتوبر الماضي، وعلى لسان عمار بلاني المبعوث الخاص للمغرب العربي وللصحراء، أنها «طلبت من ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة إبلاغ رئيس مجلس الأمن والدول الأعضاء قرارها عدم المشاركة مستقبلا في المائدة المستديرة حول الصحراء» لأن تلك الصيغة أي المائدة المستديرة «لم تعد طريقة مثالية تساعد على حل النزاع، منذ أصبح المغرب يوظفها سياسيا وبسوء نية لإظهار الجزائر طرفا في النزاع» كما قال المسؤول الجزائري، ما يضع المسار التفاوضي كله على المحك، لأن الرباط أعلنت أيضا بدورها، أنها ليست على استعداد للجلوس مع البوليساريو، من دون حضور الجزائر، لأن الأخيرة في نظرها هي الطرف الأصلي والحقيقي فيما تعتبره النزاع المفتعل حول الصحراء، ولأن الجبهة أعلنت منذ أكثر من عام، ومن جانب واحد، أنها لم تعد ملتزمة بوقف إطلاق النار، الموقع في التسعينيات تحت إشراف أممي.

وتبدو هذه النقطة مفصلية ومهمة في الدفع بجهود إقناع الجزائر بمراجعة قرارها الصيف الماضي، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع جارتها الغربية، إذ ما الغرض بالنسبة للمبعوث الأممي من العمل على أن تعود العلاقات بين البلدين إلى سالف عهدها، إن كان ذلك سيحصل مع بقاء الوضع على ما هو عليه، أي من دون أن يقبل الجانب الجزائري الرجوع مرة أخرى إلى جنيف، والمشاركة في المائدة المستديرة حول النزاع؟ فلن يكون غريبا في تلك الحالة أن يقول له الجزائريون، إن هو لم يربط ذلك المسعى بالمهمة التي جاء لأجلها، وما دخلك، وما شأن الأمم المتحدة بقرار سيادي يخصنا؟ لكن هل سيكون إقناع ديمستورا ومن ورائه المجتمع الدولي، بأن الجزائر ليست طرفا في النزاع الصحراوي ممكنا وسهلا؟ إن ذهابه إلى مخيمات تندوف في جولته المغاربية لمقابلة زعيم البوليساريو، سيجعله يزداد يقينا في صحة العكس.

فمن يتحكم في تلك المخيمات غير الجزائر؟ ومن غيرها يسمح بالدخول والخروج منها؟ ثم من غيرها يعطي البوليساريو وسائل البقاء ويزودها بالمال والسلاح، وبكل المستلزمات والحاجات؟.

ربما تبدو محاولة تنصل الجزائريين من الانخراط مجددا في أي مفاوضات حول الصحراء، وأخذ مسافة منها محفوفة بالمخاطر، فالبديل الذي يطرحونه عوضا عن ذلك، فضلا عن أنه لا يحظى بموافقة المغرب، فإنه يتعارض والى حد كبير مع مواقف وقرارات مجلس الأمن. ويبدو ذلك واضحا من تصريح زعيم البوليساريو إبراهيم غالي منتصف ديسمبر الماضي للتلفزيون الجزائري، الذي عبر فيه عن رفض الجبهة حضور المائدة المستديرة، مضيفا أن هناك خيارين فقط أمام من وصفه بالمحتل المغربي وهما «إما التسوية التي نادت بها الأمم المتحدة والقائمة على تنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي، أو الحل التفاوضي الدي نادى به الاتحاد الافريقي» على حد تعبيره. لكن ألن يكون الإصرار الجزائري على النأي بالنفس عن أي محادثات رباعية حول النزاع الصحراوي نوعا من المغامرة المجهولة العواقب؟ ألا يمكن أن يضعها ذلك في مأزق حقيقي ويجعلها في موقع الرافض والمعارض للشرعية الدولية؟ ليس معروفا ما الذي يمكن أن يقوله ديمستورا للمسؤولين الجزائريين حين يلتقي بهم، وهل إنه سينجح في إقناعهم، إما بالقيام بخطوة إلى الوراء والتراجع عن قرارهم قطع العلاقات مع المغرب، أو في حال عجزه عن ذلك في أخذ تعهد منهم بعدم مقاطعة محادثات الطاولة المستديرة المزمع استئنافها في جنيف. لكن في كل الأحوال فإنه من الضروري جدا أن يحدث اختراق ما، يسمح بتجاوز الوضع الحالي في العلاقات الجزائرية المغربية، ويمكّن من فتح قنوات الاتصال بين الجانبين، ولو بشكل محدود أو غير معلن في المرحلة الحالية على الأقل. ومن المؤكد أن ذلك يحتاج إلى أمرين هما الضمانات والتعهدات التي قد يعطيها أو يأخذها المبعوث الأممي من أطراف النزاع، وهو ما يرتبط بدرجة أساسية بالدعم الذي حصل عليه من القوى الكبرى للنجاح في مهمته.

أما الاختبار الحقيقي لذلك فسيكون في ما ستشهده الأيام والأسابيع التي ستلي مغادرته المنطقة، إما من بداية تقارب ولو محدود بين الجزائر والمغرب أو تواصل للقطيعة بينهما بما يجعل أفق حل المعضلة الصحراوية مسدودا.

Share
  • Link copied
المقال التالي