منذ تولي بايدن تدبير الشأن الأمريكي سارع لاتخاذ عدة خطوات و إجراءات على المستويين الخارجي و الداخلي. إذ لا يختلف اثنان على أن ما ورثه بايدن من مشاكل داخلية و أزمات خارجية ليس بالأمر العادي، و بالتالي كان لابد من أن يغير النهج الذي كانت تسيير عليه الإدارات السابقة خصوصا مع تغيير نسبي في الخريطة الجيوسياسية في بعض المناطق الإستراتيجية.
إن المتتبع للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية يلاحظ ما قام به بايدن على المستوى الخارجي من إثارة ملفات حقوقية، و غيرها من الأمور التي لم تكن إلا مناورة منه لجس نبض بعض الدول، خصوصا : الصين، روسيا ، إيران و تركيا. جس للنبض يراد به تحريك الستار و استفزازا لهذه الدول.
الصين، روسيا و تركيا هذه الدول لم تعد فقط جزءا مهما و طرفا في كثير من الملفات بل أصبح لها ثقلها في حل مشاكل و ملفات مهمة. و بالتالي فإن الاستفزاز لن يدفع تلك الدول للقيام بأي ردة فعل متسرعة، لأن ما تملكه هذه الدول من أوراق تفاوضية لا يسمح لها بأن تخضع و تكشف عنها بهذه السهولة دون الجلوس على طاولة المفاوضات الديبلوماسية بغية تحقيق مكاسب إقتصادية كانت أم سياسية.
أما على مستوى الشأن الإيراني خصوصا الملف النووي، فما يراه صانعي القرار بالبلد هو أن هذا الملف هو ملف مصيري، بينما تراه أمريكا و الغرب تهديد لها و لمصالحها في الشرق الأوسط. هذه الرؤية الاستراتيجية لدى القيادة الأمريكية لم تتغير مع تعاقب الإدارات التي نهج أغلبها أسلوب العقوبات الاقتصادية كرادع قوي للبلد الفارسي. الرئيس الأمريكي جو بايدن بدوره لم يأتي لحد الساعة بشيء جديد بخصوص هذا الملف، فاستمراره في نهج العقوبات الاقتصادية و السياسية يمكن اعتباره مرحليا خطأ في تقدير درة الفعل.
إيران بدورها، أصبحت تحارب نهج الإدارة الأمريكية الذي يسعى لخلق هوة و فجوة كبيرة بين القيادة الحاكمة و الحرس الثوري من جهة، و بين الشعب من جهة أخرى، من خلال إحداث أزمة اقتصادية بالبلد تنتهي بأزمة داخلية أو على الأقل إحداث شرخ داخل المجتمع الإيراني الذي يغدي عدائه للغرب من منطلق أيديولوجي. و أيضا يسعى أعداء ايران في كل مرة إلى شن هجمات نوعية إما من خلال تعطيل للمحطات النووية من خلال الهجمات الإليكترونية أو من خلال استهداف للقادة في الحرس الثوري و العلماء الإيرانيين، هذه الهجمات تعتبر أحد أكبر المؤثرات على الأمن القومي الداخلي.
إصرار الإدارة الأمريكية على مواصلة نهج العقوبات لم يكن بالأمر المتقبل من طرف الإدارة الإيرانية التي أصبحت غير قادرة على تكرار نفس السيناريوهات الفارطة و أيضا لم تعد مستعدة لتحمل خمس سنوات أخرى من الضغط. و بالتالي فالارتماء في حجر الصين كان هو الخيار الوحيد. فالصين صاحبة الاقتصاد القوي لم تتأخر لتضخ أموالها في للاستثمار بإيران. في المقابل يعتبر هذا المكسب بالنسبة للصين الشئ الكبير. فعلى المستوى الاستراتيجي ستسعى لتوسيع و تعميق هذا النفوذ بالشرق الأوسط، توسع سيجعلها تنافس الدول الكبرى في الاستحواذ على مراكز الطاقة.
الأيام المقبلة ستشهد تغيرا كبيرا في الملف الإيراني النووي، من المتوقع أن يدفع بايدن باقي الأطراف من أجل لجم إيران عن توسيع علاقاتها مع الصين من خلال تقديم بدائل و قد يتجه الأمر لفرض عقوبات أكثر قسوة. المتوقع أيضا، تعنت أكثر من طرف الخارجية الإيرانية في عدة ملفات مع زيادة في نسبة التخصيب. كما يتوقع بأن يتم الدفع بالحزب المحافظ لتولي قيادة الإدارة الإيرانية.
دخول تركيا على الخط في هذا الملف سيكون مرهون بحصولها على النفط الإيراني و تحقيق مكاسب في سوريا ثم مع الصين و روسيا، باعتبار أن هناك مصلحة مشتركة نقطة التقاء مهمة في المنطقة. إلا أن التدخل التركي في هذا الملف ليس مرغوبا أن يتم تسليط أضواء الإعلام عليه من طرف تركيا، إلا في حال لعبت تركيا دور الوسيط بين الطرفين الحوثيين المدعومين من طرف إيران و و الطرف الأخر السعودية. وساطة ستسعى تركيا من خلالها إلى تخفيف حدة التوتر مع السعودية و بالتالي تحقيق مكاسب اقتصادية مهمة.
يمكن القول بأن بايدن، في حال كان هناك دفع لإيران في هذا الاتجاه نحو الارتماء في حجر الصين فإن التوقع سيكون سيد الموقف حول كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية مع الصين مستقبلا. أما في حال لم يكن متوقعا حدوث هذا الارتماء فينتظر بأن تزداد سرعة تغير الخارطة الجيوسياسية بالمنطقة.
المصادر :
وكالة الأنباء رويترز : بايدن سيواصل استخدام سلاح العقوبات الأمريكية
جريدة الشرق الأوسط : إدارة بايدن تفرض أول عقوبات على إيران
موقع الجزيرة : الاتفاق الصيني الإيراني.. لماذا يشكل مفاجأة من العيار الثقيل لواشنطن؟
تعليقات الزوار ( 0 )