Share
  • Link copied

هكذا حكم اليوسفي التناوب مع ملكين وأقسم بالقرآن على خدمة الوطن

عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول الأسبق، هو السياسي الوحيد الذي قبل الملك محمد السادس رأسه، حين زاره في مشفاه قبل خمس سنوات، بعد معاناته مع التهاب رئوي جعله يلزم مشفى بمدينة الدارالبيضاء خضوعا للعلاج، ساعتها سوف تنشر صوره مع الملك، في مواقع الاجتماعية، لتكون لها دلالاتها الرمزية والسياسية، فالصورة أكثر تحمل رسائل معبرة، والملك محمد السادس يقبل رأس معارض والده الملك الحسن الثاني. فاليوسفي، الذي حكم في مملكة الحسن الثاني، هو نفسه السياسي الذي زاره وريث الملك الراحل، في المستشفى، واطمأن على صحته، وقبل أن يودعه، قبل رأسه. بل الأكثر من ذلك، احتفى به الملك محمد السادس، في مسقط رأسه بمدينة طنجة، حينما دشن شارعا رئيسا باسمه، وكانت أيضا الصورة معبرة مرة أخرى، في مقابل هذا المشهد الذي ظل عالقا في أذهان المغاربة، عبد الرحمان اليوسفي أيضا هو نفسه الذي استقبله الحسن الثاني في قصره ليكلفه بتشكيل حكومة التناوب سنة 1998، تأمينا لمرور انتقال السلطة.

لا أحد من المغاربة اليوم لا يعرف عبد الرحمان اليوسفي؟ الذي حمل سيرة ذاتية حافلة تمتد لحوالي 60 سنة من السياسة، منذ فتح عيناه في الحركة الوطنية، وإلى حين خروجه من حكومة التناوب التوافقي عام 2002.

سيرة سياسية برزت من بوح مذكراته التي نشرها عام 2018 بعنوان “أحاديث في ما جرى”، فااليوسفي منذ أن رأى النور، ضواحي مدينة طنجة بحي اسمه الدرادب، في الثامن من مارس 1924، وجد نفسه، وسط غمار السياسة، بعد أن التحق بمراكش قصد إتمام دراسته الثانوية. بعد عام من الدراسة هناك، نجح اليوسفي واقترح عليه مدير الثانوية أن يبعث بملفه إلى ثانوية مولاي يوسف. لكن المدينة الحمراء أسرته بسحرها، ففضل إتمام دراسته فيها، ليلتحق بعدهابثانوية مولاي يوسف لتحضير شهادة الباكالوريا. هناك، التقى لأول مرة بالمهدي بنبركة، الذي أثر فيه بنشاطه وحركيته الدائمة، يقول اليوسفي في مذكراته، فقد حدث ذات يوم من عام 1943 أن استدعى بنبركة مجموعة شباب إلى بيت والدته بالرباط ليعرض عليهم أفكاره وخططه السياسية. كان اليوسفي واحدا من بينهم، فانتهى به المطاف إلى أدائه لليمين على المصحف، في دجنبر من ذات العام، كإعلان عن الانخراط في حزب الاستقلال، ومذ ذاك وهو يتقلب بين أمواج السياسة.

ستبدأ قصة صعود اليوسفي لمربع الحكم، بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد مباشرة  في 8 يناير 1992، حين نعاه في كلمة مؤثرة على قبره، ساعتها لم يجد الاتحاديون بديلا في نفس كاريزما فقيدهم الراحل إلا اليوسفي، لينتخبوه كاتبا عاما لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سنة 1995، إيذانا بتدشين مرحلة جديدة من تاريخ حزبهم.

لكن سرعان ما سيعمد اليوسفي إلى تقديم استقالته من وظائفه السياسية بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية عام 1993 احتجاجا على ما وقع فيها من “تلاعبات”، مفضلا منفاه الاختياري إلى مدينة “كان” الفرنسية في شتنبر 1993، ليقرر العودة من جديد بعد ضغوط من زملائه وفي سياق متغيرات سيياسية جديدة، بعد الرغبة التي أبداها الملك الحسن الثاني لإشراك المعارضة في الحكم وفتح باب المصالحة على مصراعيه، وهو ما تحقق بعد مفاوضات متعثرة ومتقطعة بعد أن قبل عبد الرحمن اليوسفي عرض الملك الحسن الثاني بقيادة ما اصطلح عليها بحكومة التناوب، وعين وزيرا أول في 4 فبراير 1998 إلى غاية أكتوبر 2002.

عهد اليوسفي وهو في الحكم عرف أحداثا مفصلية من تاريخ المغرب الحديث، أبرزها وفاة الحسن الثاني وجلوس الملك محمد السادس على العرش. اليوسفي يتذكر بكثير من الفخر بأنه كان على رأس من وقعوا على البيعة، بعد الأسرة العلوية، فمن خلال ما حكاه في “أحاديث في ما جرى”، يكشف كيف تم تعيينه كوزير أول في حكومة التناوب من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، وكيف أدى قسم القرآن لتحمل مسؤوليته الجديدة، بالإَضافة إلى حديثه عن إعفاء الملك محمد السادس له في سنة 2002.

يتذكر اليوسفي في مذكراته “أحاديث في ما جرى”، كيف تم تعيينه على رأس الوزارة الأولى في حكومة التناوب. وعن ذلك اليوم المميز في حياته يبوح :”مع بداية 1998، اتصل بي وزير المالية آنذاك السيد ادريس جطو، واخبرني أن الملك الحسن الثاني هو الذي كلفه بلقائي، وأنه جاء بعد العرض الذي قدمه جطو للملك حول الأوضاع الاقتصادية الراهنة للمغرب وآفاق المستقبل التي تنتظر بلدنا”.

اليوسفي يضيف أن جطو أخبره أن الملك “اضطر لإلغاء مسلسل التناوب الذي أطلق سنة 1994، لإيمانه بأن التناوب الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا مع من كانوا في المعارضة طيلة العقود الماضية، وبالضبط مع شخص عبد الرحمان اليوسفي”.

هكذا سيستقبل الملك الحسن الثاني، عبد الرحمان اليوسفي، بالقصر الملكي بالرباط، ليعينه وزيرا أول، ثم قال له: “إنني أقدر فيك كفاءتك وإخلاصك، وأعرف جيدا أنك منذ الاستقلال، لا تركض وراء المناصب بل تنفر منها باستمرار. ولكننا مقبلون جميعا على مرحلة تتطلب الكثير من الجهد والعطاء من أجل الدفع ببلادنا إلى الأمام، حتى نكون مستعدين لولوج القرن الواحد والعشرين”.

وقبل توديعه، يضيف اليوسفي في مذكراته، عرض عليه الملك أن يلتزما معا أمام القرآن الموجود على مكتبه، على أن يعملا سويا لمصلحة البلاد وأن يقدما الدعم لبعضهما البعض، قبل ان يغادر حكومة التناوب التي ستنتهي بانتهاء تعيين ادريس جطو بعد الانتخابات التشريعية سنة 2002، ليستمر التواصل بين الملك واليوسفي، فقد ظل يستدعيه العاهل المغربي للمشاركة في أفراح العائلة أو بعض اللقاءات الرسمية، بل وعرض عليه بعض المهام مثل تحمل رئاسة هيأة الإنصاف والمصالحة نهاية عام 2003، والتي رفضها اليوسفي، قبل أن يقرر اعتزاله العمل السياسي وقدم استقالته من حزبه في رسالة إلى مكتبه السياسي يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2003.

Share
  • Link copied
المقال التالي