أصدر مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، القرار رقم 2602 بخصوص قضية الصحراء، وهو قرار تم اعتماده بأغلبية 13 صوتا بينهم أربعة دول كبرى من الأعضاء الدائمين في المجلس، في مقابل امتناع دولتين فقط عن التوصيت هما روسيا وتونس.
وقد أتى هذا القرار في إطار سياق يتسم بتصاعد التوتر بين أطراف النزاع الأساسية، المغرب والجزائر، كتتويج لكل الانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب، خاصة ما يتعلق منها بتقلص عدد الدول المعترفة بشرعية الكيان الوهمي، وإعتراف الولايات المتحدة الأمريكية الصريح بمغربية الصحراء وهي القوة العظمى المهيمنة على النظام الدولي، وعملية تأمين معبر الكركرات الناجحة لضمان استمرارية الحركة التجارية نحو إفريقيا، والتي تمت السنة الماضية.
وفي السياق نفسه، تأتي أيضا أهمية قرار مجلس الأمن الجديد من ناحية المضمون، والذي أكد على عدد من الأمور لصالح المغرب، منها أهمية مبادرة الحكم الذاتي كإطار واقعي، عملي وذو مصداقية كأفق وحيد لتسوية ملف الصحراء، إضافة إلى تعبير مجلس الأمن عن انشغاله العميق لخرق اتفاقات وقف إطلاق النار الذي أعلنته البوليساريو رسميا، في مقابل تجديد المغرب للالتزاماته بهذا الخصوص، هذا إضافة إلى الإشارة إلى الجزائر خمس مرات مثل المغرب، وهو ما يعني أن الجزائر هي الطرف الرئيسي في هذا النزاع وليس البوليساريو التي تستخدم كأداة فقط، هذا فضلا عن تأكيد القرار على أن المفاوضات من خلال الموائد المستديرة بمشاركة كل الأطراف هي الآلية الوحيدة لتدبير مسلسل الوصول إلى الحل الواقعي والمتوافق عليه.
هذا، وجدير بالذكر أن الجزائر وخلافا لما رسمه مجلس الأمن، سبق وعبرت عن رفضها لأي مفاوضات أو وساطة مع المغرب على خلفية قطع العلاقات، كما عبرت رسميا عن انسحابها من آلية الموائد المستديرة للتفاوض حول حل لقضية الصحراء.
في هذا الإطار، فإنه وبالنظر إلى كل هذه المكتسبات، فإن هذا القرار يعبر عن مدى حرفية الدبلوماسية المغربية، وقوة ومتانة علاقات المملكة مع حلفائها، في مقابل ضعف غريمتها الجزائرية، وعزلة الجزائر في المجتمع الدولي، حيث لولا امتناع روسيا فقط وتونس التي تبقى لا أهمية لها تذكر في هذا العالم، لكان هذا القرار المليئ بالمكتسبات لصالح المغرب، حصل على الإجماع.
هذا، وقد تجلى هذا الإنتصار بشكل واضح أيضا من خلال البيان الذي أصدرته الخارجية الجزائرية الأحد 31 أكتوبر 2021، والذي أعربت من خلاله عن عميق أسفها إزاء ما وصفته بالنهج غير المتوازن وعن عدم دعمها لهذا القرار الذي وصفته بالمتحيز.
في هذا السياق، لابد من الإشارة إلى أن انتصارات المغرب الدبلوماسية، في مقابل الهزائم التي منيت بها الجزائر والبوليساريو أداة التوتر والحروب بالوكالة في المنطقة، هي انتصارات ساهمت بشكل كبير في تشديد الخناق والحصار السياسي على الجزائر والبوليساريو، وهو حتما ما سيؤدي في الغالب إلى الرفع من حدة التوترات بشكل كبير واستعمال السلاح لتحقيق بعض المكاسب ومحاولة فرض الوجود على الأرض بالقوة وتصريف الأزمات الداخلية، سواء تلك التي في مخيمات تندوف بين السكان المحتجزين من قبل البوليساريو، أو تلك التي تعصف بالداخل الجزائري وتهدد سلطة حكام قصر المرداية، وهو ما يفرض الكثير من اليقظة العسكرية والأمنية والحذر في المرحلة المقبلة.
وهنا من الجدير بالذكر، أن حدة الأعمال المسلحة بين المغرب والبوليساريو قد ترتفع خاصة مع ازدياد النفوذ الروسي في مالي وتمركز مرتزقة فاغنر في المنطقة، وهو ما سيوفر دعما للبوليساريو وحديقة خلفية آمنة تمكنها من عدد من الميزات العسكرية، كما لابد من الإشارة إلى أنه ليس من المرجح وصول حدة التوتر بين المغرب والجزائر إلى الإصطدام العسكري المباشر، لكن الجزائر فضلا عن دعمها الأعمال المسلحة ضد المغرب من خلال أداة البوليساريو بشكل أكثر فعالية مما مضى، ستحاول جاهدة اللعب بالداخل المغربي وفق آليات الجيل الخامس من الحروب.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة أيضا، إلى أن محافظة المغرب على انتصاراته السياسية، وضمان زيادة فعاليته على المستوى الخارجي، تفرض ضرورة الحفاظ على الجبهة الداخلية للبلاد وتقويتها، وخاصة من خلال تعزيز وحماية حقوق الإنسان بأجيالها الثلاث، وتحقيق التنمية الشاملة، وتقوية الثقة والإرتباط بين الحاكم والمحكوم إلى غير ذلك، خاصة وأن البلاد تعرف في الآوانة الأخيرة ارتفاعات مهولة في الأسعار رافقت الحكومة الجديدة، وتصرف الحكومة خارج نطاق الدستور والقانون من خلال فرض جواز التلقيح من دون مبرر، ما يكرس قمة الردة الحقوقية وزحفا خطيرا على حريات المواطنين المكفولة دستوريا، هذا إضافة إلى عدم تعاطيها الإيجابي مع عدد من الملفات التي توتر الشارع وعلى رأسها ملف الأساتذة المتعاقدين، والاتجاه نحو توسيع مخطط التعاقد ليشمل قطاعات أخرى، والزيادة في الضرائب…إلى غيرها، وهي كلها أمور سترفع بشكل كبير من حدة التوترات والإضطرابات في البلاد، وتزيد من تفتيت الجبهة الداخلية لبلادنا، وتفتح العديد من الثغرات التي من الممكن استغلالها من قبل الأعداء، وتكبح مسار المغرب التنموي، وتضعف من فعالية البلاد في تحقيق مصالحها الوطنية على المستوى الخارجي.
باحث في مختبر الدراسات السياسية والقانون العام بفاس.
تعليقات الزوار ( 0 )