شارك المقال
  • تم النسخ

هكذا تحول الإعلام من مواكبة قصة “ريان” إلى نقل معاناة ساكنة “إغران”

تغطية إعلامية واسعة واكبت، ومنذ اللحظات الأولى، حادثة سقوط طفل اسمه ريان بأحد الآبار المتواجدة بدوار “إغران”، الكائن بجماعة تاموروت بعمالة شفشاون.

منابر وطنية ودولية حضرت للمكان، وأبت إلا أن تنقل للمغاربة كما للعالم أجمع، بالصوت والصورة، قصة طفل في ربيعه الخامس، صار بين ليلة وأخرى، حديث الساعة.

تعددت وسائل العمل وطرائقه، تنوعت أساليبه وأشكاله، لكن المشترك كان أن يجري نقل آخر المستجدات بمهنية عالية، إلى جميع من لم يكن حاضرا بالمكان، إلى جميع من لم يكن حاضرا بإغران.

وقد استمر هذا الحال حتى اللحظة الأخيرة، اللحظة الحزينة، التي لم تكن سوى جنازة مهيبة لا ينالها إلا شخصيات العالم العظام، تشييع حضره الآلاف، ولو كان بوسع المنطقة تحمل المزيد، لحضره الملايين.

هنا انتهت قصة ريان، القصة التي شغلت بال العالم أجمع، لتنطلق بعدها قصة أخرى، في المكان نفسه، قصة لم يكن بطلها “يوسف شفشاون”، بل كان أبطالها سكان المنطقة.

ساكنة “إغران” انتهزت فرصة الحضور الإعلامي الكبير والتغطية الواسعة التي صاحبته، لكي تُحول الحديث من طفل سقط في البئر، إلى مأساة ساكنة تعاني في السر.

العياشي أورام، أحد أفراد عائلة ريان، رجل ما زال لم يتجاوز الخمسين من عمره، أو هكذا بدا بلكنته البدوية المجبولة بحس فكاهي استثنائي.

حديثه مع “بناصا” لم يكن مجرد تصريح عادي وعابر، بل كان شهادة حق وبيان حقيقة من مواطن من الهامش، رأى في منبر صحافي مناسبة لنقل معاناته وذويه، مناسبة في الغالب لن تتكرر ولن تعود.

استهل كلامه بأن قال للجريدة ” الجميع تحدث عن البئر المكشوفة، عن البئر التي لم يقم والد ريان بطمرها، لكن لا أحد تحدث عن معاناة والده والساكنة معه في الحصول على الماء، الذي لو كان متوفرا لما حدث الذي حدث”.

وتابع “والد ريان كان يقوم كل سنة بتوفير بعض المال، حتى يستطيع حفر متر أو مترين أملا في العثور عليه، فأين المسؤولون حين كان هذا يحدث؟”.

زاوية ثانية من المعاناة، كشفها العياشي للجريدة بالقول”الجميع رأى بأم عينيه وعورة المسالك وصعوبة التضاريس، بل الجميع من الحاضرين قد عانى أيضا منها في طريقهم للوصول، الفرق هو أن معاناتهم مؤقتة ستنتهي مع المغادرة، لكن معاناتنا منها دائمة لن تزول”.

وأردف “هل تعلمون عدد النساء الحوامل اللواتي قضين نحبهن، وعدد المواليد الذين فارقوا الحياة، بسبب أن حالتهم الصحية كانت حرجة، وكانت تستدعي تدخلا عاجلا في منطقة لا يوجد مصطلح العجلة في قاموسها”.

الزاوية الثالثة والأخيرة، تحدث فيها العياشي لبناصا عن الفلاحة بالمنطقة، أو بعبارة أكثر دقة، عن زراعة “الكيف” بها.

الصعوبة الأولى، اختزلها المتحدث ذاته في إغلاق المغرب لمجاله الجوي، الأمر الذي أثر سلبا على تسويق منتوجه الفلاحي، منتوح “الكيف”.

المداخيل الجيدة التي كانت خلال فترة ما قبل الوباء، أوضح العياشي أنها لم تعد كذلك، وأن دخله السنوي منها، بالكاد يصل لمبلغ عشرة آلاف درهم.

الصعوبة الثانية، كانت عدم استفادة جميع مزارعي “الكيف” من المبادرات التقنينية، حيث صارت حسب المتحدث، فئة توجه منتوجها لاستغلاله في الأغراض الطبية، وفئة ثانية كان لها فيه مآرب أخرى يعلمها الجميع.

العياشي الذي نقل معاناة الساكنة من خلال منبر بناصا، لم يكن الوحيد، لم يكن الأول كما لم يكن الأخير، الكل في “إغران” انطلق في مسلسل الكشف عن حقيقة لم تكن لتُكشف، لو لم يحصل ما حصل لريان.

الكل بعدها عاد أدراجه، من رجال درك ووقاية مدنية وقوات مساعدة، وكذا من أطباء ومسعفين وتقنيين وعمال، ومنابر إعلامية أيضاً.

الذي بقي في إغران هو الأمل، الأمل في أن تكون نهاية هذه القصة بداية لأخرى، وأن تكون انطلاقة حقيقية لتنمية في المنطقة، تنتهي معها معاناة الساكنة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي