وجه مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، عبر ثلاثة إجراءات خاصة، وهي المقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب، والمقرر الخاص المعني بالإعدام خارج القانون، والمقرر الخاص المعني بحقوق المهاجرين، في يناير من هذه السنة، رسالة إلى الدولة الجزائرية بخصوص “بإعدام اثنين من اللاجئين الصحراويين خارج نطاق القضاء في موقع منجم جنوب مدينة عوينة بلقراع الجزائرية” وأضافت الرسالة أن “هذه الانتهاكات جزء من نمط عام وممنهج من الانتهاكات المنهجية التي يُزعم أن قوات الأمن الجزائرية ارتكبتها ضد اللاجئين الصحراويين”.
أولا: توصيف الجرائم
وقفت رسالة مجلس حقوق الإنسان على سياق الانتهاك، حيث سجلت أن ” مجموعة من الصحراويين المنقبين عن الذهب المقيمين في مخيمات تندوف ، فوجئوا ظهر يوم 19 أكتوبر 2020 ، بدورية للجيش الجزائري في موقع تعدين غير مصرح به بالقرب من مخيم تندوف” و”بعد سماع إطلاق النار على ما يبدو في اتجاههم من قبل الجنود الجزائريين ، ورد أن اللاجئين الصحراويين قد اندفعوا إلى بئر (حفرة) الذي يبلغ عمقه ستة أمتار ورفضوا الخروج خوفا من أن يقتلوا، وتقول مصادر إنها تعرفت على سيارات الجيش الجزائري في الموقع.”
وحسب شهود عيان فإن ‘الدورية العسكرية أشعلت النار في حفرة المنجم مستخدمة بطانيات مبللة بالبنزين وغادرت المكان دون القلق على مصير اللاجئين ودون تقديم المساعدة لهم، مما أسفر عن مقتل اثنين من اللاجئين، حاول الشابان، مها ولد حمدي ولد سويلم ، 42 سنة ، وعلي الإدريسي ، 34 سنة ، الهروب من الحريق، لكنهما توفيا متأثرين بجروح خطيرة رغم نقلهما إلى مستشفى المخيم في “الداخلة” ببلدة الرابوني الجزائرية، وبحسب المعلومات الواردة ، لم يُفتح تحقيق في ملابسات وفاة الرجلين ولم تتم مقاضاة الجناة.”
قدمت الدولة الحزائرية روايتها بخصوص الأحداث، في وثيقة تحمل ترقيم MAPG/532/21 وفق ما يلي:
أن وقت اكتشاف الجثتين، انتشرت مزاعم لا أساس لها من الصحة تتعلق بالحرق المتعمد، داخل الأراضي الصحراوية، وشائعات غير صحيحة عن مطاردتهما من قبل الجيش الوطني الصحراوي؛
السلطات الصحراوية طلبت من وزير الدفاع الوطني، تشكيل لجنة تحقيق مختلطة للوقوف على ظروف وأسباب وفاة المواطنين الصحراويين؛ وخلصت نتائج التحقيق إلى أن:
ـ البئر يوجد في منطقة عسكرية ممنوع التواجد أو التجوال فيها، بقرار من الجيش الوطني الشعبي الصحراوي؛
ـ لم يتم العثور على أي أثار للحرق أو النار بذلك المكان؛
ـ لا يحمل الجيش الصحراوي الشعبي أي بطانيات أثناء عملياته العسكرية؛
ـ السلطات العسكرية للمنطقة الثالثة تؤكد عدم وجود أي دورية لا في المكان ولا في التاريخ ما بين 18 و 19 أكتوبر 2020، وغياب أي إشارة عسكرية بوجد منقبي المناجم في الفترة المذكورة.
وضمن جواب الدولة الجزائرية أشارت إلى أنها وبناء على اتفاق مع جبهة البوليزاريو، فوضت للجمهورية الصحراوية التدبير الداخلي لشؤون الصحراوين والشؤون العامة لهم.
وبعد التهجم على المغرب بخصوص حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية، تطرقت رسالة الدولة الجزائرية إلى قضية الأطفال القاصرين الصحراويين، حيث سجلت أنه:
كل طفل قاصر، مهاجر كان أو غير مهاجر، محمي بالقانون الجزائري وعبر المندوبية الوطنية لحماية الطفولة، كما أن الذين يتعرضون للاستغلال أو الاتجار بهم يتم التعامل معهم كحالات وجب الاهتمام بها وضمان حقوقها وفق القانون والاتفاقيات الدولية، وأن الأطفال غير المرفقين تعطى لهم الأولية والدعم النفسي.
ثانيا: التنصل من المسؤولية ومأسسة الإفلات من العقاب
يمكن تسجيل ملاحظتين عامتين بخصوص الرد الجزائري، الأول التنصل من المسؤولية وفق القانون الدولي، والثانية الهروب للأمام، وذلك وفق العناصر التالية:
أولا: الرسالة الأممية الموجهة للدولة الجزائرية، ولم توجه لأي كيان أخر، كما أن الرسالة تحدثت بالاسم حول مسؤولية قوات الأمن والجيش الجزائريين، ولم تتحدث عن الجيش الوطني الصحراوي، كما أن الرسالة ذكرت أن الجريمة وقعت فوق التراب الجزائري بالقرب من تندوف الجزائرية ومخيم الداخلة بالجزائر ونقلهما الى مستشفى الرابوني الجزائري، ولم يتم الحديث عن أي كيان دولتي أو غير دولتي آخر، ولا على أي إقليم جغرفي خارج دائرة المسؤولية القانونية للجزائر.
إن الرد الجزائري بكون أن المتهم هو الجيش الصحراوي، هو نوع من إبعاد المسؤولية عن الأمن أو الجيش الجزائريين، ورمي الكرة في ملعب الكيان الصحراوي الوهمي، كما أن تأكيدها أن الجريمة وقعت فوق تراب لا تباشره من الناحية الإدارية، هو هروب للإمام، لكون القانون الدولي واضح جدا أن كل ما يقع فوف تراب ما، فإن المسؤولية على عاتق الدولة، سواء الأحداث أو الوقائع صادرة عن مواطنيها أو مهاجرين أو لاجئين، فلا خلاف في ذلك لكون الدولة الحاضنة هي الدولة الراعية والمسؤولة.
ثانيا: ادعت الجزائر أن تحقيقا مشتركا بينها وبين الجيش الصحراوي كشف عدد من النتائج المذكورة أعلاه، ولكن القانون الدولي لا يعترف بالجيش الصحراوي حتى يكون جزء من عملية تحقيق، وبالتالي كل ما بني على باطل فهو باطل، ونتائج هذا التحقيق غير دي معنى ولا مصداقية له، خاصة وأن المحقق هو نفسه المتهم، أي حكم وخصم في نفس الوقت، فالأجدر أن يقوم بالتحقيق إما القضاء الوطني الجزائري أو لجنة برلمانية جزائرية.
الأمم المتحدة تخاطب الدول عبر مؤسساتها، ولا تعترف بجهات غير دستورية أو غير قانونية أخرى، فالجيش الصحراوي غير مدستر في الدستور الجزائري ولا يوجد قانون ينظم اختصاصاته أو مجاله وفق القانون الداخلي الجزائري، وبالتالي فالاتفاق الذي ورد في جواب الدولة الجزائرية بكونها فوضت اختصاص تدبير الشؤون الصحراويين للجمهورية الصحراوي، هو قول مردود عليه ولا قيمة له لا في القانون الدولي (خاصة اتفاقية فيينا، دستور المعاهدات، لسنة 1969)، ولا حتى في التشريعات الوطنية الداخلية للدولة الحاضنة.
ثالثا: إن جواب الدولة الجزائرية لا يتجاوز تسويق داخلي لعناصر جبهة البوليزاريو، ولا يقنع المنتظم الدولي، لأنه بكل بساطة يخالف التوصيات والملاحظات الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة، ونذكر منها:
تقرير لجنة لحقوق الانسان الصادر بتاريخ 20 نونبر 2020، تحت رقم CCPR/C/128/D/2924/2016: “وعلى الرغم من نقل سلطات الدولة الطرف بحكم الواقع إلى جبهة البوليساريو، فإنه يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على أن يمارس ضحايا جرائم مثل التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري المقيمين في مخيمات تندوف حقهم في سبيل انتصاف فعال من دون عراقيل. والدولة الطرف ملزمةٌ أيضاً باتخاذ تدابير تمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل. وفي هذا الصدد، ترى اللجنة، كما أشارت إلى ذلك في ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الرابع للجزائر، أنه ينبغي للدولة الطرف أن تكفل، وفقاً لالتزاماتها بموجب الفقرة 1 من المادة 2 من العهد، حرية جميع الأشخاص الذين يدّعون انتهاك حقوقهم المكفولة بأحكام العهد، ويوجدون في أقاليمها، بما في ذلك في مخيمات تندوف، وتضمن أمنهم وحصولهم على سبل انتصاف فعالة.”
تقرير لجنة لحقوق الانسان الصادر بتاريخ 18 عشت 2018 تحت رقم CCPR/C/DZA/CO/4 “نقل الاختصاصات في مخيمات تندوف: تحيط اللجنة علماً بتوضيحات الدولة الطرف ومفادها أن الأمر متروك للاجئين الصحراويين لتنظيم حياتهم في مخيمات تندوف. ومع ذلك، تعرب اللجنة عن قلقها إزاء نقل اختصاصات الدولة الطرف بالفعل، بما فيها اختصاصاتها القانونية، إلى جبهة البوليساريو، وترى أن هذا الموقف يتعارض والتزامات الدولة الطرف باحترام وضمان الحقوق المعترف بها في العهد لجميع الأفراد الموجودين في أراضيها. ويساور اللجنة القلق أيضاً إزاء ادعاءات بأنه لا تُتاح لضحايا انتهاكات أحكام العهد في مخيمات تندوف سبل الانتصاف الفعالة في محاكم الدولة الطرف (المادة 2).” وتضيف “ينبغي للدولة الطرف أن تكفل، وفقاً لالتزاماتها بموجب الفقرة 1 من المادة 2 من العهد، حرية جميع الأشخاص الذين يدعون انتهاك حقوقهم المكفولة بموجب أحكام العهد، الموجودين في أقاليمها، بما في ذلك في مخيمات تندوف، وتضمن أمنهم وحصولهم على سبل انتصاف فعالة.”
توجد قرارات أخرى صادرة عن هيئات أممية تعاهدية وغير تعاهدية ولكن مساحة المقالة لا تسمح بجرد الكل، وكلها قرارات تؤكد على عدم قانونية تفويض دولة عضو الأمم المتحدة لاختصاصاتها العسكرية والقضائية والسياسية والدستورية لكيان أخر داخل الدولة.
رابعا :خصصت الدولة الجزائرية في جوابها المكون من ثلاثة صفحات، أربع فقرات تتعلق بالاتهامات الموجهة لها بخصوص مقتل صحراويين، وخمس فقرات تناولت فيها موضوع الطفولة، وهو الموضوع غير المثار في رسالة مجلس حقوق الإنسان.
ويرجع السبب إلى الفضائح التي بدأت تنتشر بخصوص استغلال الأطفال في النزعات المسلحة، وخاصة تجنيد جبهة البوليزاريو لعدد منهم، وفق ما تناقلته عدد من وسائل الإعلام وما صرح به أيضا السفير الدائم للمغرب بالأمم المتحدة السيد عمر هلال وتقديمه لأدلة دامغة حول هذه الجريمة الإنسانية المرتكبة تحت وصاية وإشراف الجزائر.
ولكون القانون الدولي بشقيه الإنساني ولحقوق الإنسان، وحتى القانون الدولي الجنائي عبر اتفاقية روما لسنة 1998 المحدثة للمحكمة الجنائية الدولية، لا يتراخى ولا يتساهل مع هذه الجرائم، فالجزائر من خلال جوابها حاولت عدم التقييد بالأطفال كونهم لاجئين، فتارة تسميهم الأطفال المهاجرين أو الأطفال غير المصحوبين.
يعود الأمر إلى سنة 2012 من خلال تقرير لجنة حقوق الطفل الذي أشار بشكل محتشم لوضعية الاطفال بمخيمات تندوف في تقريره تحت رقم ،CRC/C/DZA/CO/3-4، إذ جاء فيه ” لم تتمكن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إلى الآن من التسجيل الملائم للاجئين الصحراويين الذين لا يزالون يعيشون في ظروف بائسة في ولاية تندوف في ظل إدارة جبهة البوليساريو، وعدم منحها فرصة الوصول إلى مراكز الاحتجاز حيث يُحتجز المهاجرون الذين يُعتبرون “غير شرعيين “، بمن فيهم الأطفال.” و أوصت بما يلي: ضمان تسجيل جميع الأطفال المولودين على أراضيها على النحو الواجب عند ولادتهم، بغض النظر عن وضع والديهم، وتمتعهم تمتعاً كاملاً بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما في ذلك حقوقهم في الوصول إلى المدارس الحكومية، والحصول على الشهادات وإجراء الامتحانات الوطنية مثلهم في ذلك مثل المواطنين” وأيضا “ضمان وصول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دون عائق إلى جميع المراكز التي يحتجز فيها اللاجئون وملتمسو اللجوء المحتملين وكذلك إلى جميع مخيمات اللاجئين في ولاية تندوف. وفي هذا الصدد، تُذكّر اللجنة الدولة الطرف بأن ضمان مستوى معيشي لائق للأطفال الذين يعيشون مع أسرهم في ولاية تندوف يندرج في دائرة مسؤوليتها؛”.
وتعتبر توصية لجنة حقوق الطفل الصادرة بتاريخ 22 يونيو 2018، تحت رقم CRC/C/OPAC/DZA/CO/1، جد متقدمة، التي تحدثت بشكل صريح حول تجنيد الأطفال في الجزائر، حيث ورد فيها: ” تلاحظ اللجنة التدابير التي اتخذتها الدولة الطرف لمنع التطرف والتجنيد في الجماعات المتطرفة العنيفة. ومع ذلك، فإنها قلقة لعدم كفاية التدابير الرامية إلى معالجة العوامل المفضية إلى قيام الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة بتجنيد الأطفال، ولا سيما منها عوامل الفقر وانعدام التعليم والفرص الاقتصادية، والتمييز ضد بعض الأقليات الاثنية والدينية وعدم التسجيل السليم للأطفال المولودين لأبوين غير متزوجين، والأطفال طالبو اللجوء، والأطفال اللاجئون والأطفال العديمو الجنسية بمن فيهم أطفال جنوب الصحراء الكبرى والصحراويون وأطفال المشتبه في كونهم إرهابيين والمولودين في مناطق غير خاضعة لسلطة الدولة. ” وأوصت اللجنة بشكل صارم “تحث اللجنة الدولة الطرف على وضع استراتيجية لمعالجة مشكلة تزايد التطرف والراديكالية من أجل ضمان عدم تجنيد أي طفل على أراضيها من قبل جماعات مسلحة من غير الدولة.”
على سبيل الختم
الدولة الجزائرية وهي تتنصل من مسؤوليتها، فإن ترتكب جريمتين، الأولى حماية الجناة وإفلاتهم من العقاب، وجريمة في حق المتواجدين في تندوف والمحرومين من أبسط حقوقهم المنصوص عليها في التشريعات الدولية.
فمطالبة الجزائر بتوسيع صلاحية المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان لا يمكن مقابلته إلى فضح الجرائم المرتكبة فوق ترابها بتندوف والدفع بحماية الصحراوين عبر اللجوء لكل الهيئات الحقوقية بمختلف موضوعاتها وانشغالاتها.
*باحث أكاديمي مختص في حقوق الإنسان
تعليقات الزوار ( 0 )