بعد سقوط القسطنطينية والإمبراطورية البيزنطية بسبب هجمات العثمانيين بقيادة السلطان محمد الفاتح، أصبحت كنيسة آية صوفيا مسجدًا في ما يسمى اليوم بمدينة إسطنبول، تبعا لأوامر السلطان الفاتح.
وقبل سقوط المدينة القسطنسطينية، عندما حاصرها العثمانيون تم تسجيل حدوث خسوف كامل للقمر، كان يُنظر إليه على أنه نذير شؤم ومؤشر على أن نهاية المدينة قد حانت، وبعد أربعة أيام، كانت المدينة مغطاة بضباب كثيف، وهذه ظاهرة مناخية غير مألوفة في هذا الجزء من العالم.
وبعد زوال الضباب، لاحظ عدد من الناس ضوءًا غريبًا يسطع على قبة آية صوفيا، وفسر البعض أن الروح القُدُس كان يغادر المدينة، وكانت جميع هذه الأساطير ولا تزال منتشرة في اليونان.
وفي يوم فتح المدينة والكنيسة ، دقت أجراس الكنائس اليونانية في جميع أنحاء اليونان كوسيلة حدادا على سقوط واحدة من أقوى الإمبراطوريات المسيحية وسقوط كنيسة آية صوفيا في أيدي العثمانيين، وكأن التاريخ يعيد نفسه ،فيوم الجمعة الماضي حدث الشيء نفسه بعد إعادة فتح آية صوفيا وتحويلها من قبل الحكومة التركية إلى مسجد.
فمن الأشياء التي لوحظت أثناء صلاة الجمعة في جامع آية صوفيا أو مسجد الفاتح، أن الإمام كان يحمل سيفًا ،يتكأ عليه وهو يلقي خطبته، وكان ذلك علامة على أحد أهم التقاليد وأكثرها شهرة في المساجد العثمانية، حدث هذا التقليد في الإمبراطورية العثمانية لأكثر من ستة قرون، وهو تقليد أطلقه السلطان محمد الفاتح بعد سقوط القسطنطينية ومارسه جميع سلاطين الإمبراطورية العثمانية بعد محمد الفتح حتى سقوطه في عام. 1923.
وتدل كل هذه الإشارات على أن الحكومة التركية وأردوغان يحاولان إحياء التقاليد العثمانية والإمبراطورية العثمانية، ليس ذلك فحسب، بل إنه يستخدم أيضًا خطابات السلاطين العثمانيين من أجل إعطاء خطاباته المزيد من المصداقية، وتمكين مشروعيته وتقوية توجهاته وأفعاله السياسية ، علاوة على ذلك، يمكن القول ،أنه بعد بضع سنوات من سقوط الإمبراطورية العثمانية وإنشاء الجمهورية التركية.
وحاولت غالبية الحكومات التي جاءت بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بناء ذاكرة جديدة (تسمى الآن التركية )،وغيرت كل جانب قد يذكر الشعب بالإمبراطورية ، ولكن بعد صعود الرئيس عدنان مندريس إلى السلطة (١٩٥٠ -١٩٦٠)، اهتز ميزان القوى واختلطت اتجاهات الدولة، وعلى الرغم من السياسات المعادية لأوروبا وتغييرات أتاتورك فإن الأمر انتهي به إلى الإعدام ولم يستطع تحويل تركيا إلى عثمانية جديدة ، فالمشروع توقف عند إعدامه.
واليوم يقود هذه المهمة الرئيس أردوغان وهو ناجح لحد الأن في إعادة البناء ما يمكن أن نسميه جمهورية عثمانية جديدة لديها كل تقاليد وطقوس الإمبراطورية العثمانية ولكن في شكل دولة حديثة.
ويوجد حدث قادم من شأنه أن يدعم توجه اردوغان نحو العثمانية الجديدة ، وهو انتهاء معاهدة لوزان التي كانت تقيد الدولة التركية من تنفيذ السياسات المهمة للغاية وتحد من شرعية الدولة في حدودها الخاصة، حيث أن المعاهدة ستنتهي في نهاية المطاف وكل عام يقترب معه حلول تاريخ انتهاء معاهدة لوزان سيصبح حكم أردوغان أكثر صعوبة وهو سيتجه نحو العثمانية الجديدة بدون قيود.
ومن المؤشرات التاريخية التي يجب الإنتباه إليها أن التاريخ الذي أعيد فيه فتح المسجد من طرف اردوغان في ٢٤ يوليوز ٢٠٢٠هو التاريخ الفعلي الذي سقطت فيه الأمبراطورية العثمانية في ٢٤ يوليوز ١٩٢.
*متخصص في العلاقات الدولية ـمتعاون مع بناصا
تعليقات الزوار ( 0 )