قال مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية، إن تصعيد الصراع بين حماس وإسرائيل ليشمل بعداً بحرياً نتيجة للهجوم الذي يقوده الحوثيون ضد السفن التجارية، يمثل تصعيداً وتحدياً استراتيجياً كبيراً في نفس الوقت.
وأوضح التقرير الذي صاغه، ديفيد ليفي، وهو قائد متقاعد في البحرية الأمريكية ودبلوماسي أمريكي سابق، أن هذا التطور يوسع تأثير الصراع إلى ما هو أبعد من الحدود الإقليمية، مما يهدد أمن إسرائيل والتجارة البحرية العالمية ومبادئ القانون البحري الدولي.
واتخذت الحرب الجارية بين إسرائيل وحماس بعدا بحريا مفاجئا، لم يسبق له مثيل منذ حرب الأيام الستة عام 1967، حيث تبنى أحد الأطراف المتحاربة في صراع مع إسرائيل استراتيجية مهاجمة السفن التجارية وحصار الموانئ الإسرائيلية.
وفي الصراع الحالي، شرع الحوثيون اليمنيون، برعاية إيران، في هجوم عدواني ضد التجارة البحرية في مضيق باب المندب، ومنذ منتصف نوفمبر، شارك الحوثيون في عدة هجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ مضادة للسفن والعديد من أعمال القرصنة ضد السفن التجارية والعسكرية.
وهدد يحيى سريع، المتحدث الرسمي باسم جماعة الحوثيين، بأن “جميع السفن في البحر الأحمر المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، بغض النظر عن العلم الذي ترفعه، ستصبح هدفاً لقواتنا المسلحة”، ولهذا النشاط آثار استراتيجية كبيرة، فهو لا يهدد أمن إسرائيل فحسب، بل يهدد أيضًا كامل حركة المرور البحرية عبر قناة السويس، بحسب صاحب التقرير.
وكتب ألفريد ثاير ماهان، الأميرال البحري الأمريكي والرئيس السابق للكلية الحربية البحرية، في كتابه الشهير تأثير القوة البحرية على التاريخ: 1660-1783 أن الاستراتيجية البحرية تدور في نهاية المطاف حول الوصول.
وهذا يعني ضمان أن تكون الموانئ آمنة من الحصار، وأن تظل خطوط الاتصال مفتوحة، وأن تظل البنية التحتية البحرية سليمة، وأن تظل السيطرة البحرية على مواقع الأسطول، والضربات، والإنذار المبكر، وجمع المعلومات الاستخبارية قابلة للتطبيق، والأهم من ذلك، أن الأمر يتعلق بالتجارة الآمنة.
وفي عام 2003، أصبح الحوثيون، وهم منظمة سياسية وعسكرية شيعية تدعمها إيران، متطرفين وعدوانيين، ظاهرياً رداً على الوجود الأمريكي المتزايد في المنطقة، واتخذوا شعار “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، والنصر للإسلام”، الذي أصبح الآن على علمهم.
وابتداءً من عام 2004، قاد الحوثيون تمردًا ضد الحكومة اليمنية، ودعمت السعودية الحكومة بينما دعمت منافستها إيران الحوثيين، وفي عام 2014، سقطت العاصمة صنعاء والميناء الرئيسي للحديدة في أيدي الحوثيين، وما تبقى من القوات الحكومية يتركز الآن في عدن، العاصمة السابقة لجنوب اليمن، ويعمل الحوثيون الآن كحكومة الأمر الواقع في اليمن.
وأضاف الحوثيون بعدًا بحريًا إلى الأعمال العدائية من خلال تنفيذ سلسلة من الغارات تضمنت هجمات صاروخية وطائرات بدون طيار على السفن، وارتكاب أعمال القرصنة والاختطاف واحتجاز الرهائن.
ووقع الحادث الأول في 19 نوفمبر، عندما استولى فريق هجوم تابع للحوثيين على سفينة M/V GALAXY LEADER، وفي 3 ديسمبر، تعرضت ثلاث سفن تجارية أخرى لهجوم في البحر الأحمر عند مضيق باب المندب.
وأدى تدخل السفينة الحربية الأمريكية، يو إس إس كارني (DDG-64)، إلى تخفيف ما كان يمكن أن يكون وابلًا مدمرًا من الصواريخ والطائرات بدون طيار، ووصفت القيادة المركزية الأمريكية الهجمات بأنها “تهديد مباشر للتجارة الدولية والأمن البحري”.
وذكر التقرير، أن تسعون بالمائة من التجارة العالمية تتم عن طريق البحر، حيث إن الاقتصاد العالمي اليوم مترابط ويعتمد بشكل كامل على محيطات العالم وممراته المائية، ويمثل مضيق باب المندب موقعًا مهمًا للتجارة البحرية.
وفي عام 2022، مرت أكثر من 23 ألف سفينة (1.4 مليار طن) عبر القناة، وهو ما يمثل ما يقرب من 12% من إجمالي التجارة البحرية العالمية، بالإضافة إلى خدمة حركة المرور عبر السويس، حيث يعد مضيق باب المندب نقطة الوصول الوحيدة من المحيط الهندي إلى ميناء إيلات الإسرائيلي؛ والعقبة، والميناء الوحيد في الأردن؛ وجدة، أكبر ميناء في المملكة العربية السعودية.
وفي 19 نوفمبر، وصل فريق هجوم تابع للحوثيين عبر طائرة هليكوبتر، واصعد على متن السفينة M/V GALAXY LEADER، وهي حاملة مركبات متدحرجة تعبر البحر الأحمر، وسيطر الفريق على السفينة واحتجز طاقمها كرهائن.
وفي وقت لاحق، استولوا على السفينة، وأعادوا توجيهها إلى الحديدة، حيث لا تزال محتجزة، ولا يزال طاقمها المكون من 23 فردًا، بما في ذلك بحارة من بلغاريا وأوكرانيا والفلبين والمكسيك ورومانيا، أسرى.
ويدعي الحوثيون أن السفينة اختطفت بسبب علاقاتها مع إسرائيل، ومع ذلك، يمكن أن تكون العلاقات التجارية البحرية معقدة، فعلى سبيل المثال، تحمل سفينة GALAXY LEADER علم جزر البهاما، ويمتلكها طاقم متعدد الجنسيات، وتديرها بريطانيا، وتمتلكها اليابان وليس لها علاقات واضحة مع إسرائيل.
وفي 3 ديسمبر، استهدف الحوثيون ثلاث سفن – ناقلة البضائع السائبة التي ترفع علم جزر البهاما M/V UNITY EXPLORER، وسفينة الحاويات M/V NUMBER 9، وناقلة البضائع السائبة التي ترفع علم بنما M/V AOM SOPHIE II – من قبل الحوثيين.
وأفادت القيادة المركزية الأمريكية أنه “في حوالي الساعة 9:15 بتوقيت صنعاء، اكتشفت كارني هجومًا صاروخيًا باليستيًا مضادًا للسفن تم إطلاقه من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن باتجاه السفينة M/V UNITY EXPLORER، مما أثر على محيط السفينة”.
ويمثل هذا الهجوم المرة الأولى التي يتم فيها استخدام صاروخ باليستي في هجوم ضد سفينة، ومعظم الصواريخ المضادة للسفن هي صواريخ كروز يتم إطلاقها بشكل أفقي وتطير على ارتفاع منخفض، وتتحرك على طول المياه.
وفي تصعيد واضح، في 10 ديسمبر، هدد الحوثيون بمهاجمة أي سفينة تعبر إلى إسرائيل من البحر الأحمر، وقالوا: “إذا لم يدخل الغذاء والدواء إلى قطاع غزة حسب الاشتراطات، فسوف نهاجم كل سفينة تمر بغض النظر عن جنسيتها وأصلها”.
وفي وقت لاحق، استهدف الحوثيون سفينة تابعة للبحرية الفرنسية، FS LANGUEDOC، بطائرتين بدون طيار، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تكون فيها سفينة حربية هي الهدف بلا شك. نجحت لانغدوك في اعتراض الطائرات بدون طيار. ثم، في 11 ديسمبر، أطلق الحوثيون صواريخ على ناقلة المواد الكيميائية M/T STRINDA، التي اشتعلت فيها النيران.
وأعلنت شركتا Lloyd وMSC Mediterranean Shipping، أنهما ستعيدان توجيه سفنهما، مما يضيف أسبوعًا إلى أسبوعين إلى أوقات العبور، وقد ارتفعت أسعار التأمين البحري استجابة للتهديد، من 0.04% من القيمة الإجمالية للسفينة إلى 1% أو أكثر، وكل هذا يضيف إلى أسعار الشحن العالمية.
ووفقا للتقرير، فإن أحد التطورات الإيجابية هو أن شركة الخدمات اللوجستية الإسرائيلية Trucknet قد افتتحت برنامجًا تجريبيًا لنقل الشاحنات لمسافة تزيد عن 2550 كيلومترًا من دبي، الإمارات العربية المتحدة، إلى إسرائيل، عبر المملكة العربية السعودية والأردن، وتوفر هذه المبادرة بديلاً للشحن وتظهر التعاون المتزايد بين دول الخليج وإسرائيل حتى مع استمرار الحرب.
ويشكل البعد البحري الجديد للحرب بين إسرائيل وحماس، التي أطلقها الحوثيون، تحديا مباشرا ليس فقط للاستقرار الإقليمي ولكن أيضا للمبادئ الأساسية للقانون البحري الدولي وأمن التجارة العالمية.
وخلص التقرير، إلى أن التداعيات الاستراتيجية لتصرفات الحوثيين، وخاصة في مضيق باب المندب الحيوي، تمتد إلى ما هو أبعد من المسرح الجيوسياسي المباشر، مما يهدد التدفق الحر للتجارة البحرية العالمية، وبالتالي الاقتصاد العالمي المترابط.
ويرى ديفيد ليفي، وهو قائد متقاعد في البحرية الأمريكية ودبلوماسي أمريكي سابق، أنه يجب على المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، أن يعمل بشكل تعاوني وسريع لضمان الأمن البحري وردع أي عدوان في المستقبل.
تعليقات الزوار ( 0 )