قدم تقرير التنمية البشرية 2020 بالمغرب، معطيات وأرقام مفتاحية لفهم واقع الشباب في البلاد، وتطلعاته المستقبلية بالخصوص.
ويمثل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما نسبة ديموغرافية بلغت 25.3 بالمئة عام 2019، من مجموع السكان، أي ما يقارب 8.9 ملايين نسمة.
وقال التقرير الصادر عن المرصد الوطني للتنمية البشرية (حكومي) في 7 ديسمبر/كانون الأول الحالي بعنوان “شباب مغرب اليوم”، استنادا إلى “الباروميتر العربي 2019″، أن حاجة الشباب للحركة الدولية أمر لا جدال فيه، ما دام 7 شبان من أصل 10 في المغرب تستهويهم الهجرة، وهي النسبة الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويضيف اعتمادا على البحث الوطني للمندوبية السامية للتخطيط (حكومية) حول الهجرة الدولية سنة 2019، أن الرغبة بالهجرة عند 73.5 بالمئة من هؤلاء الشبان تجد تفسيرها في ضرورة البحث عن كسب العيش.
الواقع أن الأرقام الرسمية، لم تؤكد إلا معطيات الواقع الملموسة التي يتداولها المهتمون وحتى العامة، كون الواقع الاجتماعي الذي يعيشه الشبان المغاربة أكبر دافع لهم نحو الهجرة وفي كثير من الأحيان بركوب المخاطر في سبيل بلوغ الفردوس الأوروبي.
هشاشة طاردة
يقول محمدي البكاي، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الأول في وجدة (شمالي شرق المغرب)، إن العوامل الأساسية المتحكمة بظاهرة الهجرة بشكل عام وبالخصوص غير النظامية، مرتبط بالحفاظ على الحياة والبحث عن ملاذ في بلدان أكثر أمانا.
ويضيف: “لكن جزءا كبيرا كذلك من ظاهرة الهجرة مرده ظروف العيش القاسية التي زادت من حدتها العوامل المناخية الصعبة والأزمة الاقتصادية”.
الوضع في المغرب، حسب الباحث، “لا يختلف عن باقي دول الجنوب اللهم (سوى) فيما يتعلق بطبيعة الفئات العمرية المرتبطة بظاهرة الهجرة وطبيعة الدوافع لذلك”.
وكما كانت التقارير واضحة في إرجاع أسباب الهجرة إلى كسب سبل العيش بالنظر للهشاشة التي يكتسيها سوق الشغل، تعد البطالة حسب البكاي من أهم العوامل المؤثرة في ظاهرة الهجرة، وخصوصا الشباب من الفئات العمرية من 15 إلى 24 سنة وحاملي الشهادات.
وحسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط فإن معدل البطالة وسط هذه الفئة تصل إلى 30.8 بالمئة وحاملي الشهادات إلى 20.4 بالمئة سنة 2021.
وفي الوقت الذي كان يعتقد بعض التابعين أن “يخمد” حلم الهجرة لدى الشباب المغربي بعد أزمة كورونا، بسبب الأزمة الدولية التي خلفتها الجائحة وتراجع فرص العمل في الدول المستقبلة، إلا أن التدفق استمر حتى في أوج الأزمة الصحية.
وأبرز البكاي أن الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة كورونا، عمقت من الوضعية العامة وبالتالي كانت دافعا إضافيا لتنمية الرغبة في الهجرة لدى الفئات الهشة.
نسيج هش
والحقيقة أن وضع الهشاشة ترصده الأعين في الكثير من المجالات قبل أن تؤكدها الدراسات والتقارير.
ويقول البكاي، أن هذا الوضع ليس بالجديد، ويبرز أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب لا تستطيع استيعاب هذه الفئات العمرية وإدماجها في النسيج الإنتاجي، خصوصا أمام تراجع سياسات التوظيف العمومي من منطلق ترشيد النفقات.
وما ينسحب على القطاع العام يمس أيضا الخاص، فهشاشة القطاع المتمثلة في عدم قدرته على ضمان مستوى عيش لائق وغياب التحفيز وغيرها من المعيقات تجعل منه قطاعا لا يبعث بالنسبة للشباب الكثير من الأمل ليكون دافعا للاستقرار.
ويؤكد تقرير التنمية البشرية أن سرعة نمو الاقتصاد الوطني تسجل منذ 2012 بعض التباطؤ، ونتيجة ذلك استقر نمو الناتج الداخلي الخام في متوسط سنوي يبلغ 3.2 بالمئة في الفتر الممتدة بين 2015 و2019، وهو رقم غير كاف لتقليص نسبة البطالة تقليصا مستداما لاسيما بين الشباب.
مسارات جديدة
في مايو/أيار الماضي تدفق نحو 8 آلاف مهاجر مغربي إلى مدينة سبتة الواقعة تحت السيطرة الإسبانية، وشكلت الواقعة “دليلا” ماديا بالنسبة لمراقبين أن جذوة الهجرة نحو الضفة الشمالية للمتوسط لا زالت متقدة في نفوس الشباب المغربي.
ويبدو أن الذي تغير بالنسبة للمغاربة الحالمين بالهجرة، هي المسارات التي يتبعونها خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع تنامي مراقبة السواحل في الجانب المغربي وحتى في الجانب الأوروبي عبر الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس”.
ويقول حسن عماري، الناشط في مجال الهجرة، رئيس جمعية مساعدة المهاجرين (غير حكومية)، أن المسار التقليدي للمهاجرين المغاربة كان يمر عبر شق المتوسط انطلاقا من سواحل المحافظات الشمالية، وبالخصوص محافظات طنجة وتطوان والعرائش والحسيمة والناظور.
وأضاف في تصريح للأناضول، أنه تنامى بشكل كبير الاعتماد على مسارات أخرى تستحوذ اليوم على طرق الهجرة، الأول وبدرجة أقل انطلاقا من السواحل الأطلسية المغربية الواقعة في المنطقة الجنوبية نحو جزر الكناري.
أما المسار الثاني عبر السواحل الجزائرية بعد النفاذ إلى التراب الجزائري سواء عبر الرحلات الجوية أو عبر النفاذ غير النظامي عبر الحدود البرية وخاصة انطلاقا من المنافذ الواقعة في محافظة جرادة.
بينما المسار الثالث، فيعتمد على الهجرة وفق عماري، انطلاقا من السواحل الليبية، نحو السواحل الإيطالية، عبد المرور بالجزائر وتونس.
هذا دون إغفال بعض المسارات الأخرى التي تنامت أيضا في السنوات الماضية وبالخصوص عبر تركيا والدول المجاورة.
ومن المؤشرات التي يقدمها العديد من المراقبين على تنامي الهجرة عبر هذا المسار، الضحايا المغاربة الذين يسقطون باستمرار غرقى في السواحل الجزائرية خاصة سواحلها الغربية.
وفي السنة الحالية تسلمت السلطات المغربية جثامين عدد من المهاجرين من نظيرتها الجزائرية عبر المعبر البري “زوج بغال”.
ضحايا جدد
زيادة على المفقودين الذين تتداول عائلاتهم أسماءهم باستمرار في وسائل التواصل الاجتماعي، أملا في سماع أخبار تبعث الأمل في النفوس، والغرقى الذين تنتشل جثثهم من مياه المتوسط، هناك مئات من المهاجرين المغاربة موزعين على السجون ومراكز الاحتجاز في المنطقة المغاربية.
وقال عماري، إن 122 مهاجرا مغربيا على الأقل موقوفون في الجزائر، وأن جمعيته سبق لها وأن راسلت الجهات الرسمية، وكان ذلك سببا في الإفراج عن عدد منهم عبر معبر زوج بغال.
وفي تونس، رصد عماري حوالي 40 مهاجرا مغربيا، غير أن الوضع في ليبيا يبقى هو الأكثر إثارة للقلق.
في ليبيا يؤكد عماري أن هناك 512 مهاجرا مغربيا موزعين على السجون النظامية، ومواقع الاحتجاز التابعة لبعض المليشيات المسلحة، في طرابلس وزوارة وبير غانم والزاوية.
وأضاف أن بعض عائلات المهاجرين، طُلب منهم أداء فدية لإطلاق أبنائهم المحتجزين في ليبيا.
تعليقات الزوار ( 0 )