Share
  • Link copied

هاجسُ ولوجِ سوقِ الشّغل يقتل أحلامَ مواهبِ الرّسمِ الشابةِ في المغربِ

يشعر محمد بالتّحسر على اضطراره للابتعاد عن ميدان الرسم، الذي أتقنه منذ سنوات عمره الأولى، ولطالما تغنى به أصدقاؤه وأساتذته في المراحل الابتداية والثانوية الإعدادية، قبل أن يُجبر، على الاختيار في الباكالوريا، بين التوجه إلى معهد الفنون الجميلة بتطوان، البعيد، وبين التسجيل في الكلية متعددة التخصصات بالناظور، القريبة من مقر سكنه.

كانت لحظة فارقة في حياة محمد، الذي أعرب في حديثه لـ”بناصا”، بأنه ولد مولعاً بالرسم، وسهر الليالي ينتظر اللقطة المناسبة في الرسوم المتحركة لكي يوقف الصورة، ويبدأ ملاعبة “القلم الأسود”، المفضل له، على الورق الأبيض، مستخرجاً نسخة طبق الأصل من الصورة “الكرتونية”، الموجودة على التلفاز.

وأوضح المتحدث نفسه:”كنت أعشق الرسم بالقلم الأسود أو قلم الرصاص، لم أكن أتقن التلوين، لهذا لطالما فضلت الأبيض والأسود، وكان بمقدوري، رسم أي شيء أراه، مع شرط بقائي أنظر إلى تفاصيله حتى النهاية”، مردفاً وهو يبتسم:”لأني طبعا لا أتذكر التفاصيل من نظرة واحدة”.

غير أن الوضع تغير بشكل كبير، خاصة بعدما “رسبت في إحدى سنوات دراستي الثانوية، لأني كنت مهووساً بالرسم، لا أفعل شيئا غيره، وقتي كله له، ليل نهار، كانت الورقة البيضاء عبارة عن دفتر الذكريات المشكل من رسمومات بدل الكلمات. لكن رسوبي، دفعني لتخفيض الوقت الذي أقضيه مع الورق الأبيض والقلم الأسود”.

وأردف الشخص نفسه، بأنه لم يدرس الفنون التشكيلية ولا التربية الفنية ولا أي شيء في المرحلة الثانوية، “كانت التربية التشكيلية مادة في الابتدائي قبل أن تغيب نهائيا، وحين سألت عن مسار يمكن أن أصقل فيه موهبتي، خاطبني الموجه بمعلومات مبهمة عن معهد في تطوان، قبل أن ينصحني البعض بأن هذه الطريق لن توصلني لأي مكان، لأننا في المغرب، ولا مستقبل مضمونا للرسامين”، مستطرداً: “الكلمات الأخيرة نزلت علي كقطعة ثلج، لأقرر متابعة دراستي في الجامعة وتنتهي علاقة بالرسم إلى يومنا هذا”.

وتشكل مصاريف متابعة الدراسة في معاهد الفنون الجميلة؛ الرسم على وجه الخصوص، والتي لا يتجاوز عددها الـ 3 في المغرب كله، عبئاً كبيرا على الأسر، خاصة لمن ينحدرون من مناطق بعيدة، مثل الجنوب أو الجنوب الشرقي، أو الشرق، ما يفرض عليهم التوجه إلى مدينة تطوان، أو الدار البيضاء، وهو ما صعب على محمد، الاستمرار لصقل موهبته.

وإلى جانب ذلك، فإن فرص ولوج سوق الشغل بالنسبة للطلاب الذين يدرسون في هذه المعاهد، ضئيلة جدا، في ظل أن الرسم لا يعتبر ميدان مهما، مع بروز وسائل جديدة أكثر تطوراً يمكن أن يستخدمها الشخص لجعل صورته عبارة عن رسم، أو للإشهار، أو غير ذلك من الأمور المتعلقة بالمجال، وهي ما لا يشجع الأسر، وحتى الطلاب، على التضحية للاستمرار في الميدان الذي يحبونه.

وفي السياق نفسه، أشار متحدث آخر يدعى نور الدين لـ”بناصا”، وهو ممن امتلك موهبة الرسم غير أنه لم يستفد منها، ليضطر لتعلم النجارة فيما بعد من أجل كسب قوت العيش، بأن “الفن، وخاصة الرسم، يصعب على الشاب الموهوب في المغرب، أن يعثر يجعله مصدراً للرزق، لأنه حتى وإن اضطر الشخص لكي يجلس في المدن السياحية ويجني قوت يومه من رسم السياح مقابل مبلغ مالي، فإن ذلك لا يعني شيئا، ولا يمكن التعويل عليه”.

وتابع:”أعرف أناسا يجنون ما يناهز الـ 500 درهما يوميا، أي ما يعادل مليون ونصف ستيم شهريا، وهو مبلغ أكثر من كافٍ للعيش في المغرب، غير أن ذلك لا يحدث دائما، ويكون في موسم السياحة فقط، لهذا لا يستطيع الشاب المغامرة باتخاذ موهبته مصدرا للرزق”، مردفاً:”وقد أثبتت جائحة كورونا، أن كل شيء له علاقة بالسياحة الخارجية يمكن أن يتوقف فجأة”.

ومن جهة أخرى، أرجع متابعون الأسباب التي تجعل العديد من المواهب المغربية الشابة في الرسم، تهجر الميدان، أو تبقيه كهواية من حين لآخر، أو كمصدر إضافي للرزق، هو أن هذا المجال، لا يمكنه أن يكون مصدرا رئيسيا للعيش، نظرا لعدم وجود فرص شغل متعلق به، وحتى إن وجدت فهي قليلة جدا، وهو ما يدفع العشرات من المراهقين، إلى ترك الفن، والتوجه لتعلم شيء آخر من شأنه أن يعزز حظوظ اندماجهم في سوق الشغل.

Share
  • Link copied
المقال التالي