شارك المقال
  • تم النسخ

نيويورك تايمز: طهران بين الحرب الشاملة أو الاختفاء عن الأنظار من أجل الحفاظ على الذات

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً، أعدته فرناز فصيحي، تحدثت فيه عن الموقف الإيراني الحذر من مقتل زعيم “حزب الله”، حسن نصرالله، يوم الجمعة.

وقالت فيه إن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، المتقدّم بالعمر، آية الله علي خامنئي، كان يعتمد، في المشهد المضطرب بالشرق الأوسط، على التحالف الوثيق والولاء الثابت والصداقة العميقة مع حسن نصر الله، وعندما قتل، خسر فجأة قوة واحدٍ في التسلسل الهرمي للشركاء المقرّبين للمرشد.

ورعت إيران، خلال 40 عاماً “حزب الله”، كقوة وكيلة مسلحة، وكجماعة مواجهة متقدمة ضد إسرائيل. لكن قوة الحزب، وخلال الأسبوعين الماضيين، بدأت بالتداعي، بعد سلسلة من الهجمات، وقتل القيادات وتدمير الترسانة العسكرية والاتصالات.

وخلقت كل هذه التطورات انقساماً داخل الحكومة الإيرانية حول كيفية الرد على مقتل نصر الله، حيث يطالب المتشددون بالرد القوي، فيما يطالب المعتدلون، بقيادة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، بضبط النفس. وقد ترك هذا إيران ومرشدها الأعلى في موقف ضعيف.

ونقلت الصحيفة عن أربعة مسؤولين إيرانيين عرفوا نصر الله، وعلى معرفة بالأحداث، قولهم إن خامنئي شعر بالصدمة العميقة لموت صديقه، وهو في حالة حداد، إلا أنه اتخذ موقفاً هادئاً وعملياً.

وبدا هذا في بيانين صدرا عن المرشد، أثنى فيهما على نصر الله كرمز قيادي في العالم الإسلامي، وفي محور المقاومة، وأن إيران ستقف مع “حزب الله”.

 وما يهم في البيانين أن خامنئي ترك الباب مفتوحاً لـ”حزب الله” كي يثأر لمقتل زعيمه وبدعم إيراني: “تقف كل قوى المقاومة مع حزب الله”، و”سيكون حزب الله على رأس قوى المقاومة التي ستحدد مصير المنطقة”.

ويرى محللون أن حديث المرشد الأعلى يثير الانتباه، فالمرشد الأعلى ربما لا يملك أي وسيلة للرد بقوة في الوقت الحالي على الهجوم الإسرائيلي على وكلائه. وفي مواجهة الاختيار بين الحرب الشاملة مع إسرائيل، أو الاختفاء عن الأنظار من أجل الحفاظ على الذات، يبدو أنه اختار الخيار الأخير.

وتقول سنام وكيل، مديرة قسم الشرق الأوسط في مركز تشاتام: “لقد تعرّضوا لكش ملك في الوقت الحالي من إسرائيل. وتصريحات خامنئي تدل على خطورة اللحظة والحذر، فهو لا يلتزم علناً بأي شيء لا يستطيع الوفاء به”. ولاحظت الصحيفة أن تصريحات خامنئي، وسلسلة من التصريحات الصادرة عن قيادات ومسؤولين إيرانيين عبّرت عن نفس الحذر، حيث تركت أمر الانتقام للمنطقة. فمثلاً، قال الجنرال حسين سلامي، قائد “الحرس الثوري”  بأن الانتقام سيقوم به “حزب الله وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية”، وستوجه ضربة لإسرائيل.

وألقى اغتيال نصر الله ظلالاً من الصدمة والقلق على طهران، حيث تساءل مسؤولون إيرانيون، في مكالمات هاتفية خاصة، إن كانت إسرائيل تخطط لضرب إيران، وإن كان المرشد الأعلى هو الهدف المقبل.

ونقلت الصحيفة عن محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني السابق، قوله، في مقابلة من طهران، يوم السبت: “كانت هذه ضربة قوية بشكل لا يصدق. ومن الناحية الواقعية، ليس لدينا مسار واضح للتعافي من هذه الخسارة. لن نذهب إلى الحرب، هذا أمر غير وارد. لكن إيران لن تتراجع عن مسارها في دعم الجماعات المسلحة في المنطقة، أو  نزع فتيل التوترات مع الغرب. كل هذه الأشياء يمكن متابعتها في نفس الوقت”. وقال أبطحي إن المزاج العام بين المسؤولين الإيرانيين هو “الصدمة، الغضب، الحزن والقلق الشديد”.

وتضيف الصحيفة أن هذا الشعور مختلفٌ تماماً عن ذلك الذي ساد بعد هجمات “حماس”، في 7  تشرين الأول/أكتوبر، عندما احتفلت إيران ووكلاؤها الآخرون بالاختراق المفاجئ. في ذلك الوقت حيث هاجم “حزب الله” شمال إسرائيل على الفور، وأطلق الصواريخ واستمر في تبادل إطلاق النار.

ثم قامت إيران تدريجياً بتنشيط شبكتها من الجماعات المسلحة المعروفة باسم “محور المقاومة” لفتح جبهات ضد إسرائيل، وخلق حالة من الفوضى في المنطقة للضغط على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لوقف إطلاق النار مع “حماس”.

وقد كانت مقامرة من إيران لمواصلة الضغط بدون أن يقود إلى حرب إقليمية. لكن المواجهة بين إيران ووكلائها من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وصلت ذروتها بمقتل نصر الله. ويبدو أن جهود إيران لإضعاف إسرائيل من خلال وكلائها قد أتت بنتائج عكسية، ما أدى إلى ضربة كارثية ضد حليفها الأكثر إستراتيجية.

وعندما انتشرت أخبار مقتل نصر الله، دعا خامنئي لاجتماع طارئ بمنزله مع مجلس الأمن القومي، حيث ظهرت خلافات حول كيفية الرد، وفقاً للمسؤولين. فقد دعا أعضاء متشددون، مثل سعيد جليلي، لإعادة الردع وبقوة وتوجيه ضربة لإسرائيل، وقبل أن يجلب رئيس الوزراء الإسرائيلي الحرب إلى طهران، وذلك حسب مسؤولين إيرانيين مطلعين على ما دار من نقاش.

وجادل الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزيشكيان، الذي قضى الأسبوع الماضي في إخبار زعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن حكومته تريد نزع فتيل التوترات والتوافق مع الغرب، ضد مثل هذا الرد، قائلاً إن إيران يجب ألا تقع في فخ نصبه السيد نتنياهو لحرب أوسع نطاقاً.

وناقش معتدلون في المجلس أن نتنياهو فجّر كل الخطوط الحمر، ولو شنت إيران رداً انتقامياً ضد إسرائيل فستواجه هجمات خطيرة على البنى الحيوية في البلاد، وهو أمر لا تستطيع إيران تحمّله.

ومع ذلك، فقد دعا التلفزيون الحكومي الذي تديره جماعات موالية لجليلي للرد وتجاهل الحذر من خامنئي، وقال مذيع التلفزيون الحكومي: “لا يوجد فرق بين طهران وبغداد وبيروت، النظام سيلاحق كلاً من هذه الأهداف،  نتنياهو لا يفهم سوى لغة واحدة، وهي الصواريخ الباليستية والمسيّرات”.

وتقول الصحيفة إن إيران تواجه على الصعيد المحلي سلسلة من التحديات، تتراوح من السخط الشعبي ضد الفساد الحكومي، وسوء الإدارة للاقتصاد، وضيق العيش، إلى تسلّل إسرائيل إلى صفوف الجيش والسياسة الإيرانية.

وفي نيويورك، قال بزشكيان للصحافيين إن إيران مستعدة “لإلقاء أسلحتها إذا ألقت إسرائيل أسلحتها”، ودعا إلى تشكيل قوة دولية للتدخل في إرساء السلام في الشرق الأوسط.

 وكان على بزشكيان أن يتعامل مع أزمتين كبيرتين، خلال شهرين من حكمه، اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ “حماس”، إسماعيل هنية، في طهران، والآن مقتل نصر الله. كل هذا جعله هدفاً سهلاً للمتشددين الذين انتقدوا رسالته التصالحية في نيويورك.

ودعوا الحكومة لنشر مقاتلين في لبنان، كما فعلت مع سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد.

وقال رجل الدين المتشدد ورئيس لجنة دعم فلسطين والرئيس السابق للعلاقات الدولية في مكتب خامنئي محمد حسن أختري: “لقد هاجمت إسرائيل خلية المقاومة الرئيسية، ولا يمكننا الوقوف متفرجين”.

وفي مقابلة مع عضوين من “الحرس الثوري”، واحد منهما إستراتيجي حضر اجتماعات تخطيطية على مدى اليومين الماضيين حول كيفية رد إيران، قالا إن الأولوية الملحة لإيران هي مساعدة “حزب الله” على استعادة عافيته وتسمية خليفة لنصر الله، وتشكيل هيكل قيادي جديد وإعادة بناء شبكة اتصالات آمنة. وبعد ذلك، يمكن لـ “حزب الله” أن يخطط لرده على إسرائيل، على حد قولهما. وقال عضوا “الحرس الثوري” إن إيران تخطط لإرسال قائد كبير في “فيلق القدس” إلى بيروت عن طريق سوريا للمساعدة في توجيه تعافي “حزب الله”.

ومن جهة أخرى، قالت “نيويورك تايمز”، في تقرير أعده عددٌ من مراسليها قالوا فيه إن مقتل الأمين العام لـ “حزب الله”، حسن نصر الله يدفع النزاع في الشرق الأوسط إلى جبهة جديدة، فسواء أضعفت وفاته الجماعة اللبنانية الوكيلة عن إيران أم قادت لعمليات انتقامية، فهذا أمر غير معروف.

وجاء في التقرير أن تصعيد إسرائيل ضد “حزب الله”، وقتل الزعيم اللبناني بعد تسوية ثلاثة مجمعات سكنية، وضع إيران أمام جبهة جديدة، فطالما استخدمت طهران الحزب وحركة “حماس” و”أنصار الله” في اليمن كواجهات لكي تقاتل إسرائيل نيابة عنها. فلو أضعفت إسرائيل واحداً من أهم أرصدة إيران في المنطقة، فستشعر بأنها مهددة بشكل كبير، وستزيد من الضغوط على إيران لاتخاذ قرار بالرد.

ورغم اللهجة الشاجبة التي صدرت من إيران، وعدم انتقامها لمقتل زعيم حركة “حماس” في طهران، الشهر الماضي، إلا أن تقاعسها عن الرد قاد عدداً من المحللين للقول إن إيران لا تريد مواجهة شاملة مع إسرائيل. وأشارت الصحيفة لرد خامنئي على مقتل الزعيم اللبناني ودعوته المسلمين حول العالم لدعم المقاومة في لبنان. كما  أثارت العملية شكوكاً حول الجهود الدبلوماسية الأمريكية، فحتى اليوم الذي فجّرت فيه إسرائيل مجمعات سكنية في بيروت كانت إدارة بايدن إلى جانب عدد من الوسطاء تعمل على اتفاق يحل المعركة التي مضى عليها 11 شهراً بدون أي نجاح.

لكن الهجوم أدى لدفعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ألقى خطاباً، يوم الجمعة، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال فيه “نحن ننتصر”، وقبل أن تسقط القنابل على بيروت، في لطمة لجهود وقف إطلاق النار.

وفي أول تعليق له على عملية الجمعة، قال نتنياهو إن إسرائيل “صفت الحساب” مع رجل قال إنه لم يكن “إرهابياً” بل “الإرهابي”.

وتقول الصحيفة إن إسرائيل قررت ضرب نصر الله، الذي كانت تعرف، ومنذ عدة أشهر، بمكان وجوده، بعد معرفتها أنه سينتقل لمكان جديد.

وقتل في الغارة الجوية قيادي في “الحرس الثوري” الإيراني، الجنرال عباس نيلوفرشان، الذي تولى مهمة قيادة العمليات العسكرية في لبنان وسوريا.

وقال مسؤولان إسرائيليان إنه تم إسقاط 80 قنبلة على مدار عدة دقائق.

وتضيف الصحيفة أن مقتل نصر الله، وهو شخصية بارزة بين القوى المعادية لإسرائيل في الشرق الأوسط، وجّه ضربة موجعة للحزب الذي قاتل إسرائيل لعدة عقود. ولعب نصر الله دور الزعيم الديني والإستراتيجي والقائد الأعلى.

وبدأت المواجهة الحالية في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبعد يوم واحدة من هجمات “حماس” ضد إسرائيل. وأدى القتال لتشريد أكثر من 150,000 شخص من الطرفين. ولكن مقتل الزعيم اللبناني لم ينهِ القتال، وفي يوم السبت، أصر المسؤولون الإسرائيليون ومن “حزب الله” على مواصلة الحرب، حيث استأنفت إسرائيل غاراتها ضد لبنان.

وقاد نصر الله الحزب منذ عام 1992، حيث أشرف على تطوره كقوة عسكرية وسياسية ذات حضور في البرلمان اللبناني. وأدت الأخبار عن مقتل نصر الله إلى صدمة وحزن بين اللبنانيين في بيروت ومناطق أخرى في لبنان والمنطقة، فيما احتفل آخرون من المعادين لـ “حزب الله”.

وفي مسجد ببيروت مسح الأطفال دموعهم، فيما قالت امرأة: “ذهب السيد، ذهب”، و”سنواصل طريقه”، “حتى لو مات، فقد انتصر”.

وتردد صدى مقتله في المنطقة من إيران، التي خرج فيها السكان للتعبير عن التضامن، إلى العراق الذي أعلن الحداد لمدة ثلاثة أيام، و”حماس” التي أكدت أن مقتله سيزيد المقاومة صموداً في لبنان وفلسطين.

وفي مناطق المسيحيين ببيروت شعر المسيحيون، الذين عارضوا الحزب، بعدم الراحة. وقال أحدهم: “لقد استهدفوا أقوى حزب في لبنان، الله أعلم ماذا سيحدث بعد”.

 وفي بعض مناطق سوريا التي شارك “حزب الله” في القتال فيها إلى جانب قوات بشار الأسد، رحب البعض بمقتله. وعندما شنت إسرائيل هجمات بيجر وتوكي ووكي قام البعض في المعارضة بنشر هاشتاغ: “أنا شمتان”.

وفي إسرائيل جاء مقتل نصر الله ليغير المزاج، فيما أصبحت حرب استنزاف مع “حماس” في غزة. وقال نازح إسرائيلي من الشمال إنه تابع كلام نصر الله وخطاباته منذ الصغر: “إنها نهاية عهد وتاريخ يصنع”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي