شارك المقال
  • تم النسخ

نوفل سويطط.. عالم مغربي يقود فريقا من المهندسين في صناعة الفضاء بأمريكا

نوفل سويطط، مهندس جودة رائد في علوم الفضاء بمعهد أبحاث الجنوب الغربي بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي يعمل أيضا في  برنامج الأمم المتحدة للبيئة EOS، ويدير شركة  SMA في Space Missions أو (بعثات الفضاء) هو واحد من العلماء المغاربة الشباب الذين يشتغلون في هدوء وصمت، بعيدا عن ضجيج الأضواء والكاميرات، ولا يظهر في الإعلام إلا نُتفاً.

شدّ نوفل الذي يتحدّر من عائلة تازية وترعرع في فاس، بينما عاش طفولته في مدين سلا، الرحال  إلى بلاد “العم سام” في سن مبكرة (20 عاما) بحقائب خفيفية وأحلام ثقيلة، ولأن كرة الثلج لن تكبر إن بقيت ثابتة في مكانها، فقد اختار العالم المغربي الرائد في علوم الفضاء الانتقال إلى فضاء آخر أرحب، يؤمن بأحلامه وطموحاته.

نوفل سويطط الذي قال مازحا في إحدى حواراته الأخيرة في برنامج “سوّل المجرّب”:  “لو بقيت في المغرب، لكنت الآن  تاجر مخدرات”، ليس تشجيعا منه على الهجرة أو رسم صورة سوداوية، وإنما لأن شخصيته المتمردة في المغرب كانت ستقوده إلى اتجاه آخر، لولا ألطاف الهجرة التي فتحت أمامه أبوابا قد أوصدت بالمغرب.

في هذا الحوار مع جريدة “بناصا”، تحدث نوفل سويطط عن الإرهاصات الأولى وتحديات الهجرة بصالحها وطالحها، وعن حياته الحبلى المليئة بالمغامرات والتجارب والعلوم التي استنشق فيها من كل بستان زهرة من المعارف التي أنارت دروبه وروث عطشه المعرفي، وكانت قدوته في الحياة ولا تزال هي أن “العلم قوة”.

بداية، حدثنا عن مسارك الدراسي؟

خلال المراحل التعليمية الأولى، درست في ثانوية الفقيه أبوبكر التطواني: ثانوية النجد سابقا، والشهيرة بإسم بلاطو بمدينة سلا، وكان والدي يحرص كل الحرص أن يكون ابنه متفوقا في المجال الدراسي وصاحب المراتب الأولى بالفصول الدراسية.

فبالإضافة إلى المدرسة، كان للأب دور كبير في التوجيه ورسم خارطة الطريق، حيث شجعني في سن مبكرة على حب العلوم، ومشاهدة برامج علمية ثقافية، من قبيل “جاك كوستو” أو “Zero One” مع الشرح المستفيض لكل ما يستعصي عن الفهم.

وعندما كنا نستظهر القرآن أمامه، كان يقف عند هذه الآية: “يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان”، فيخبرني بأن مفردة السلطان هنا تعني “العلم” وأن من أراد تحقيق أهدافه في الحياة فعليه أن يتمسك بالعلم.

هذا الشغف بالعلوم، وخاصة ما يتعلق بالفضاء، جعلني متفوقا في علوم الرياضيات والفيزياء، فتابعت دراستي بثانوية البلاطو، (class pilote) إلا أن طريقة التدريس آنذاك لم تكن تستهويني، فكنت أتابع حصريا مادتي الرياضيات والفيزياء.

بين الرؤى والآفاق.. كيف عنّت ببالك فكرة الهجرة إلى أمريكا، رغم تفوقك الدراسي بالمغرب؟

في المرحلة الثانوية استقرت فكرة الهجرة إلى الخارج، لاسيما أن البرامج الوثائقية والمجلات العلمية والتجارب العلمية التي كنت أشاهدها على التلفاز، كانت بعيدة كل البعد عما يتم تدريسه، وما زاد الطينة بلة هو ما كان يصل إلى مسامعي من خيبات طلاب الجامعة، فبدأت الرغبة في الدراسة تندثر شيئا فشيئا، بينما تتخمر فكرة الهجرة.

بعدها فكرت في الهجرة إلى فرنسا وكان لزاما علي أن أدرس علوم الرياضيات والفيزياء بالجامعة، ومن هناك بدأت في طرق أبواب الهجرة، بداية بفرنسا ثم ألمانيا إلى أن سنحت لي الفرصة للهجرة نحو أمريكا، وهنا بدأت أرسم في مخيلتي أجمل الحكايات.

حدثنا عن صعوبات الهجرة.. هل كانت طريق نوفل مفروشة بالورود أم مليئة بالأشواك؟

وصلت إلى أمريكا قبل شهر من أحداث 11 شتنبر 2001 التي هزت مدينة نيويورك، وفي السنتين الأوليين اشتغلت، ثم انتقلت بعدها إلى مدرسة تقنية لدراسة العلوم تخصص (mechanical engineering technology).

وبفضل الحقيبة المعرفية وتفوقي في مادتي الرياضيات والفيزياء، تم انتقائي لتدريس الساعات الإضافية للطلبة والطالبات في مركز التعلم أو ما يعرف هنا بـ ( The Learning Centre) من أجل تقديم دروس الدعم والتقوية في الرياضيات والفيزياء.

وفي غضون سنوات الدراسة، كنت أعمل أيضا وأبتكر وأجد الحلول لعدد من المشاكل التقنية والميكانيكية، فنصحني الأساتذة وكذلك أرباب العمل بالتسجيل في إحدى الجامعات المرموقة، فأخذت بنصائحهم وانتقلت إلى جامعة نيو هامبشير.

وفي الجامعة الآنف ذكرها، التقيت برئيس قسم إدارة الهندسة الميكانيكة واجتزت كل الاختبارات فتم قبولي على الفور، واختياري في السلك الثاني من سنة الثانية الجامعية عوض الأولى، وذلك بناء على دراستي وتفوقي في اجتياز الاختبارات.

ما هي أصعب التحديات التي واجهتها أثناء مشوارك الدراسي؟

هنا بدأت التحديات، وكانت على رأسها عائق اللغة الإنجليزية، أما التحدي الثاني فكان ماديا كون مصاريف الدراسة كانت باهظة الثمن، ورغم تفوقي الدراسي لم أتمكن من تسديد كافة ديون الجامعة، فعرضت سيارتي للبيع واستغنيت عن مسكن الإيجار من اجل توفير المال.

لجأت إلى مسكن بإدارة الهندسة، فاكتشف الطلبة أمري وبعدها عرضوا علي السكن معهم على أساس تسديد الديون المترتبة إلى أن أشتغل في عطلة الصيف وأدفع كل دولار اقترضته، بيد أنه وسط هذه السحب كانت هناك إشراقة شمس.

اشتغلت في الجامعة بمعية أساتذة على عدد من المشاريع نظير الأسلحة غير الفتاكة التي تستخدمها وزارة الدفاع في تفريق المتظاهرين والمحتجين، كما اشتغلت على التوربينات الهوائية وغيرها، إلى أن بلغت درجة الماجيستير فشرعت الجامعة في تسديد ديوني.

هل فكرت يوما في الرجوع إلى المغرب، واستثمار ما راكمته من علوم وتجارب لخدمة بلدك الأم؟

مباشرة بعد حصولي على شهادة الماستر، وبعدها الجنسية الأمريكية، كنت فرحا جدا بما راكمته من علوم وتجارب وخبرات ومن المشاريع التي اشتغلت عليها، ففكرت بالرجوع إلى المغرب، لكن واقع الحال لم يكن كما كنت أتخيل آنذاك.

صراحة، من جهتي، لم أقم بأي بحث أو دراسة قبل قدومي إلى المغرب ومعرفة ما يتطلبه سوق الشغل آنذاك، وكان هذا خطأ بالنسبة لي، (خطأ مفيد) انتقلت بعدها إلى أوروبا، ثم عدت أدراجي إلى الإمارات، لأشد الرحال من جديد صوب أمريكا.

رجعت إلى أمريكا سنة 2012 حيث كان العالم يمر من أزمة 2008 الخانقة، وكانت فرص الشغل ضئيلة جدا، ولم أتفوق في إيجاد عمل بالمواصفات الجامعية والمؤهلات الدراسية، إلى درجة أنني حذفت بعض الفقرات من السيرة الذاتية، لكي تتلائم مع ما يتطلبه سوق الشغل.

لحسن الحظ، التحقت بشركة ناشئة عالمية في مجال صناعة الفضاء كمهندس مبتدأ، وفي بضع سنين تمت ترقيتي إلى عدد من المراتب العليا بالشركة من مهندس التصنيع إلى مهندس التصميم إلى مهندس جودة، ثم مدير مهندسي التصنيع والإنتاج.

ماهي المشاريع الفضائية التي اشتغلتم عليها خلال مدة تجربتكم؟

وخلال هاته المسيرة الحافلة، اشتغلنا على عدد من المشاريع الكبرى مع مجموعة من دول العالم، نظير وزارة الدفاع اليابانية ومع شركة الإيرباص والبوينغ، كما اشتغلنا على جميع أنواع الطائرات الحربية والغواصات الأمريكية.

وفي السنوات الأخيرة، أبرمنا اتفاقية مع شركات الاستشارات الفضائية، ومع شركة one web satellite، مما مككنا من الاحتكاك بالصناعات الفضائية وزيارة العديد من المعامل المختصة في المجال، هذا بالإضافة إلى الاشتغال مع وكالة “ناسا” في عدد من المشاريع الفضائية.

وفكرت في أن المغرب يمكنه أن ينجح في صناعة الفضاء أيضا، لذلك شرعت في البحث عن عمل له علاقة بصناعة الفضاء والأقمار الصناعية، فاشتغلت مع منظمة تسمى Southwest Research Institute، وهي منظمة غير ربحية، مختصة في الأبحاث العلمية، والهيئة التي أشرف عليها تشتغل مع وكالة “الناسا”.

ودورنا، هو تقديم اقتراحات لعدد من الآليات التي تمكن من الاشتغال خارج الفضاء، ودراسة ما تهتم به الوكالة، وحاليا أعمل في منصب SMA manager on Space Missions، التي تهتم بدراسة الفضاء الخارجي وتأثير الأشعة والرياح الشمسية والمجال المغناطيسي للكرة الأرضية.

كما أشرف على خمسة مهمات، واحدة منها كرئيس تنفيذي chief safety officer، إلى جانب الاتصال المباشر والتنسيق مع وكالة “الناسا” في كل المهمات المخولة لي الاشتغال عليها مع الفريق الذي أشرف عليه .

وعند الإنتهاء من المهامات التي أشتغل عليهل، سأحاول تكرار نفس الخطأ السابق، وتحقيق الهدف الأكبر وهو الرجوع إلى المغرب من أجل الاشتغال في مجال الطاقات المتجددة، وطموحي أن أساعد بلدي وأساهم في إنتاج الـ space industry ecosystem مع كثير من البحث والتنقيب قبل دخول المغرب.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي