أثرت الحرب الروسية- الأوكرانية بالإيجاب على قطاع الطاقة في العالم، الذي قد يمثل للدول المصدرة للنفط مكاسب كبيرة، في نفس الوقت تسببت هذه الحرب بتأثر قطاع الحبوب بأزمة كبيرة خاصة لهؤلاء المستوردين في العالم العربي.
ومن بين الدول التي استفادت بسبب ارتفاع أسعار النفط الجزائر، لكنها في نفس الوقت تضررت بشكل كبير في قطاع الحبوب.
وشكّل ملف الحبوب صداعاً للحكومات المتعاقبة في الجزائر، بإنتاج لا يسد الحاجيات وارتفاع كبير في فاتورة الاستيراد، ورغم نعمة ارتفاع أسعار النفط الحالية، وجدت السلطات نفسها في مواجهة التهاب سوق القمح الدولية.
أما فيما يتعلق بقطاع الطاقة فقد صعدت أسعار النفط الخام فوق 130 دولاراً بالنسبة لبرميل برنت، في 7 مارس، مسجلاً أعلى مستوى له منذ عام 2008.
ويأتي الارتفاع مدفوعاً بمخاوف فرض الغرب عقوبات على مبيعات النفط الروسي، إلى جانب تأخر الوصول إلى حل بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
ولا تزال التوترات الجارية شرق أوروبا تلقي بظلال سلبية على الأسواق العالمية؛ إذ تسجل أسعار السلع الرئيسية، بقيادة النفط والغاز والقمح، ارتفاعات متتالية، في وقت يتجه فيه الاقتصاد العالمي لموجة تضخم اعتباراً من مارس الجاري.
نعمة أسعار النفط
وتنتج الجزائر العضو في منظمة “أوبك” مليون برميل يومياً من الخام، كما يعاني اقتصاد البلاد تبعية مفرطة لعائدات المحروقات (نفط وغاز)؛ إذ تمثل قرابة 90٪ من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، بحسب تقرير لوكالة الأناضول التركية.
وحققت الجزائر إيرادات من قطاع المحروقات بلغت 35 مليار دولار، حسب بيانات رسمية لشركة سوناطراك المملوكة للدولة، و5 مليارات صادرات غير نفطية، خلال 2021.
كما تعتبر الجزائر بلداً غازياً بامتياز، إذ تزود أوروبا بهذه المادة عبر خطي أنابيب، الأول نحو إيطاليا والثاني نحو إسبانيا، وجرى غلق أنبوب ثالث الخريف الماضي يصل جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية مروراً بالمغرب.
وتصدر الجزائر أكثر من 42 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي والغاز المسال سنوياً.
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي هي الأخرى في السوق الدولية على خلفية الهجوم الروسي على أوكرانيا، وبلغ سعر 1 ميغاوات/ساعة في أوروبا 322 يورو (354 دولاراً).
ونمت عائدات تصدير شركة النفط والغاز الجزائرية العملاقة “سوناطراك” بنسبة 75%. ويجب تأكيد هذا الاتجاه التصاعدي، لا سيما بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على أسعار النفط والغاز، بحسب تقرير لموقع Jeune Afrique الإفريقي.
ومع حجم مبيعات زاد من 20 إلى 35 مليار دولار في غضون عام، وزيادة الصادرات إلى 13 مليون طن من المكافئ النفطي في عام 2021 وخفض واردات الوقود بمقدار 1.5 مليار دولار عن العام السابق، يبدو أنَّ 2021 كان عاماً جيداً جداً لشركة المحروقات الجزائرية.
تعزيز الإنتاج واستكشاف مستمر
ارتفع إنتاج “سوناطراك” من 176 مليون طن مكافئ نفط إلى 185 مليون طن مكافئ نفط بين عامي 2020 و2021. وتمثل هذه زيادة كبيرة أدت إلى مستويات تصدير تقدر بنحو 95 مليون طن مكافئ نفط (أي بارتفاع يعادل 18%)، وفقاً لبيان صحفي رسمي.
يرى نائب الرئيس رشيد زرداني أنَّ هذه الزيادة في الإنتاج أصبحت ممكنة بفضل الاستراتيجية التي نفذتها الشركة في السنوات الأخيرة. وأوضح: “استثمرت الشركة الوطنية نحو 8 مليارات دولار سنوياً، في المتوسط، خلال السنوات الثلاث إلى الأربع الماضية، منها أكثر من 70% في الاستكشاف والإنتاج”. وبذلك خصصت أكثر من 17 مليار دولار للتنقيب على مدى السنوات العشر الماضية.
التركيز على الاكتفاء الذاتي
تماشياً مع رغبة الرئيس عبد المجيد تبون في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، منذ عام 2020، لم تستورد دولة الثعالب “لا البنزين ولا الديزل”، كما أشار رشيد زرداني، واستوردت فقط 300 مليون دولار من ميثيل ثلاثي بيوتيل الإيثر؛ وهي مادة مضافة لتحسين عدد الأوكتان في بنزين السيارات. وقد مكّن هذا الجزائر من توفير 1.5 مليار دولار من الواردات.
وبحسب نائب رئيس “سوناطراك”، فإنَّ الهدف هو تقليص “قابلية تأثر” الجزائر “بتقلبات الأسعار من خلال تحويل المنتجات الخام للحصول على قيمة أكبر بعد تغييرها”.
نقمة التضخم
لكن على الطرف الآخر تشهد أسعار السلع الرئيسية وخاصة الحبوب، زيادات متتالية في الأسعار كالقمح والشعير والذرة، وزيت النخيل، فيما سجل مجموع أسعار اللحوم، والحبوب، والزيوت، والسكر، والألبان نمواً بنسبة 20.1% في فبراير الماضي على أساس سنوي.
وتستهلك الجزائر ما بين 9 إلى 12 مليون طن سنوياً من القمح بنوعيه (اللين والصلب)، غالبيته مستورد من الخارج وخصوصاً فرنسا وكندا بشكل محدود.
ويبلغ متوسط الاستيراد السنوي من القمح، بحسب بيانات رسمية قرابة 7.8 مليون طن سنوياً، إذ يشكل الاستيراد ما نسبته بالمتوسط 75٪ من الاستهلاك.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المخصصة للحبوب في الجزائر أكثر من 3.3 مليون هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع) حسب بيانات وزارة الفلاحة، منها نحو 450 ألف فقط مسقية.
وسجلت الجزائر إنتاجاً من القمح الصلب واللين بلغ 1.3 مليون طن فقط خلال موسم الحصاد الماضي، حسب بيانات رسمية، وهو الأضعف في البلاد منذ عقود.
أما إنتاج الشعير الذي تسلمته دواوين الحبوب الحكومية عبر ولايات البلاد، فبلغ 135 ألف قنطار فقط، حسب بيانات رسمية لوزارة الفلاحة.
وفي 16 يناير 2022، أعلن مجلس الوزراء الجزائري، عبر بيان، رفع أسعار شراء الحبوب من المزارعين بهدف تحفيز الإنتاج كماً ونوعاً.
وحسب البيان سينتقل سعر شراء قنطار (100 كيلوغرام) من القمح الصلب من 4500 دينار (32 دولاراً) إلى 6000 دينار (42 دولاراً)؛ إذ يعادل الدولار 140 ديناراً حسب المركزي الجزائري.
أما القمح الصلب فتقرر سعر القنطار من 3500 دينار إلى 5000 دينار، والشعير من 2500 دينار إلى 3400 دينار.
وغالباً ما يتفادى المزارعون في الجزائر بيع الإنتاج لدواوين الحبوب الحكومية، نظراً لفارق السعر مقارنة بالسوق الموازية الذي يصل الضعف أحياناً.
السلطات تطمئن
من جهتها طمأنت وزارة الفلاحة (الزراعة) الجزائرية أن البلاد تتوفر على مخزون من الحبوب يكفي حتى نهاية 2022، في ظل مخاوف من أزمة إمدادات حبوب نتيجة التوتر في شرق أوروبا بين روسيا وأوكرانيا.
وقال الوزير عبد الحفيظ هني، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية، إن “الجزائر لديها مخزون كافٍ من الحبوب إلى غاية نهاية السنة.. ولن تتأثر بالمتغيرات الحاصلة على المستوى العالمي”.
وأفاد بأن بلاده اتخذت كافة احتياطاتها لضمان تغطية السوق المحلية وتلبية كافة احتياجات المواطنين من الحبوب، مضيفاً: “هناك ضغوطات كبيرة في السوق العالمية على هذه المادة”.
وتشهد أسعار القمح زيادات متسارعة بفعل الأزمة الأوكرانية، إذ تعد روسيا أكبر مصدر للقمح حول العالم بمتوسط سنوي 44 مليون طن، بينما أوكرانيا خامس أكبر مصدر بـ17 مليون طن.
وتخطت أسعار القمح الأوروبي 400 يورو (440 دولاراً) للطن خلال الأسبوع الماضي، تسليم شهر مارس الحالي.
تعليقات الزوار ( 0 )