انعقدت أمس الجمعة، بأكادير ندوة وطنية حول موضوع “المحاكمة العادلة بالمغرب في ظل عشر سنوات من نفاذ دستور 2011″، وذلك بمشاركة نخبة من القضاة والمحامين والفاعلين الحقوقيين والباحثين.
وأوضح الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، في كلمة ألقاها بالمناسبة أن السنوات العشر التي مرت على صدور دستور المملكة “كانت حافلة بمجموعة من التحولات الجوهرية التي عرفتها بلادنا في مختلف المجالات، من أهمها تكريس استقلال السلطة القضائية، واستقلال النيابة العامة، وإرساء دعائم هذه الاستقلالية، وتعزيز البناء المؤسساتي للسلطة القضائية”.
وأضاف أن طرح موضوع المحاكمة العادلة للنقاش “يعكس مدى الرغبة الأكيدة التي تحدو الجميع، لملامسة موضوع ذي راهنية قصوى، يرتبط بالأمن القضائي للمواطنين، ويتوخى تعزيز ثقتهم بمنظومة العدالة، بكل مكوناتها دفاعا وقضاء” مبرزا أن “الحق في المحاكمة العادلة شرط أساسي، لضمان التمتع الفعلي بالحقوق الكونية المكفولة للإنسان. وهو ما يقتضي من كافة مكونات العدالة، ابتكار الآليات الملائمة لأجرأة القواعد القانونية، وتسخيرها لحماية حقوق مرتفقي العدالة”.
وسجل الأستاذ الداكي أن المحاكمة العادلة تعد مطلباً حقوقياً تتوق إليه كل الشعوب، وهي مطمح لكل الحقوقيين والمفكرين، وبها تبنى دولة الحق والقانون، مشيرا إلى أن الحديث عن المحاكمة العادلة هو حديث عن الديموقراطية وسيادة القانون، وذلك عبر مجموعة من المقتضيات الموضوعية والاجرائية التي تستمد قوتها وروحها من المواثيق الدولية المتفق عليها عالميا، في مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، وما كرساه من مبادئ سامية كالمساواة أمام القانون، وقرينة البراءة، وعلنية المحاكمة، وحقوق الدفاع، وغيرها من المبادئ السامية التي أصبحت قيماً كونية مشتركة.
وقال إن المغرب انخرط في العقدين الأخيرين في مسلسل إصلاح عميق وشامل لمنظومة العدالة، أعطى انطلاقته الملك محمد السادس، في خطابه التاريخي السامي لسنة 2009 بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب، والذي خصصه لموضوع إصلاح العدالة، حيث شكل هذا الخطاب نبراسا أضاء الطريق ووضع السلطة القضائية في سكتها الصحيحة.
وفي هذا السياق، جاءت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 بعدة تعديلات جوهرية بوأت من خلالها السلطة القضائية مكانة دستورية باعتبارها سلطة مستقلة عن باقي السلط من خلال أحكام الفصل 107 منه، كما أرست دعائم استقلال النيابة العامة، وأوكلت للقضاء بموجب أحكام الفصل 117 حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون.
كما أولى الدستور المغربي ، يضيف المسؤول القضائي، أهمية بالغة لحقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم ترجمها من خلال تأكيده على حماية منظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ضمن المبادئ الأساسية التي تضمنتها ديباجته، بالإضافة إلى التكريس الدستوري للحق في محاكمة عادلة من خلال الفصل 23 منه، مؤكدا أن النيابة العامة تعمل من أجل الدفاع عن الحق العام والذود عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته والتمسك بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف وصيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفراداً وجماعات في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات.
وقد انصبت العروض والمناقشات التي دارت خلال هذه الندوة العلمية والحقوقية على تناول مجموعة من القضايا ذات الصلة ب “العمل القضائي وترسيخ قواعد المحاكمة العادلة، مساءلة للنصوص وإطلالة على الممارسة العملية”، و “المحاكمة العادلة بين النص الدستوري ومضامين المواثيق الدولية، قصور أم تطابق”، و”أبرز معالم العمل على صيانة ضمانات المحاكمة العادلة في الخطة الوطنية وميثاق إصلاح منظومة العدالة”.
كما تطرق المشاركون في الندوة ل”دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في توفير ضمانات المحاكمة العادلة، المجلس الوطني لحقوق الانسان نموذجا”، و”المحاكة العادلة في الظروف الاستثنائية، نموذج كوفيد19″، و” استقلال النيابة العامة ومدى ضمان المحاكمة العادلة”، و”مكانة التكوين على حقوق الانسان في تعزيز شروط المحاكمة العادلة”، و”المحاكمة العادلة والحقوق الفئوية”.
يذكر أن هذه الندوة الوطنية نظمت من طرف هيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون، بمشاركة جمعية هيئات المحامين بالمغرب، ووزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
تعليقات الزوار ( 0 )