Share
  • Link copied

مِن الإنْكار إلى التّعايُش.. هَكذا ينظر النّاس إلى “كُورونا” بالأحيَاء الشّعبيَة

مع وصول عدد وفيات فيروس “كورونا” من المغاربة إلى ما يقرب من 5396، وإصابة 328 ألف شخص منذ بدء الجائحة، أصبحت قضية هذا الفيروس تُشكل تهديداً حقيقيا، إلا أنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين لا يُؤمنون بالجائحة أو يُشككون فيها، بينما رفعت السلطات المختصة في بعض الجهات الراية البيضاء في إعلان صريح عن الاستسلام منذ سماع الدولة إعلانها عن حملة التطعيم الواسعة لمجابهة الفيروس.

جريدة “بناصا” رصدت مجموعة من الاختلالات والتجاوزات من طرف بعض المواطنين في العاصمة الاقتصادية للمملكة، بعدم الالتزام بالتدابير الوقائية التي تُوصي بها السلطات من ارتداء إجباري للقناع، واحترام التباعد الجسدي، أو الحرص على نظافة اليدين من خلال التعاملات التجارية بين البائع والمشتري، لاسيّما في الأحياء الشعبية.

حي أناسي بالدار البيضاء

ويشهد حي أناسي الشعبي، بعمالة مقاطعات سيدي البرنوصي بالدار البيضاء، تهاون البعض بخطورة فيروس كورونا المستجد، وعدم الامتثال للإجراءات الوقائية مما يساهم في انتقال الفيروس بشكل تصاعدي، حيث أن أغلب المقاهي والمطاعم والمخابز وصالونات الحلاقة والتجميل تعُجّ بالزبائن دون أي مراعاة للتباعد الاجتماعي.

وُيلاَحظُ أيضا تراخي السلطات الكبير في تدبير الجائحة والتعامل معها بالمنطقة ذاتها، حيث تكثر عربات الخضر والفواكه المتنقلة، وبائعي الأسماك والأكلات الخفيفة، وبائعي الحلزون والخردة والحلويات على جنبات الطريق وبالقرب من المساجد والمدارات الرئيسية لحي أناسي، مما يفاقم من عدد التجمعات البشرية واختناق الطرقات وتسبب في الاكتظاظ.

كما رصد موقع “بناصا” من عين المكان، عددا من التجمعات الهائلة بالمناطق الخضراء المسماة تعسفا بـ”الحدائق”، حيث يكثر الباعة الجائلين وألعاب الأطفال والمتقاعدين، أو من لا عمل لهم من كبار السن في لعب الورق، أو لعبة الضامة في تجمعات كبيرة دون ارتداء الكمامة أو استحضار الحس الوطني لتجاوز هذه الأزمة.

نفس الأمر ينطبق على ملاعب القرب بالحي ذاته، وداخل الأسواق النموذجية والمقاطعات، ثم على سائقي سيارات الأجرة، الصغيرة والكبيرة، الذين لا يلتزمون بارتداء الأقنعة الوقائية بشكل سليم، حيث يتكدس الركاب جنبا إلى جنب، ويشمل الأمر أيضا الحافلات وعربات الترامواي، حيث يتزداد الزحام الشديد.

التعايش بشكل إجباري مع الجائحة

ويرى الصديق الصادقي العماري، الباحث في علم الاجتماع، أن سبب التراخي في الوقت الراهن يرجع بالأساس إلى أن الأغلبية الساحقة تتعامل مع الفيروس بمنطق التعايش بشكل إجباري، لأنها في وضع حرج يدعوها للخروج والعمل من أجل القوت اليومي.

ومع الوقت يجد الإنسان نفسه بطريقة عفوية يتعامل بدون كمامة وبدن إحتياطات يومية ضرورية، ومنهم من يحاول إقناع نفسه بعدم وجود الفيروس في محاولة منه للاستمرار بشكل طبيعي في كل ممارساته وأنشطته.

وأضاف الصادقي، في تصريح لجريدة “بناصا” أن التراخي لا يقتصر على المدن الكبرى كالدار البيضاء التي تعرف تفشي الظاهرة، بل يتجاوزها بشكل كبير إلى بعض المناطق التي لا تسجل فيها حالات المرض أو مسجلة بشكل ضعيف.

وسجل المتحدث ذاته، أن المدن الكبرى، وخصوصا الأحياء الشعبية حيث يكثر الفقر، تخضع لمنطق الحاجة، وإلى ضرورة استيفاء الحاجيات المادية اليومية، وبالتالي الاضطرار للخروج أصبح حاجة ملحة خاصة أمام غياب الدعم المادي من طرف الدولة.

التلقيح والمتخيل الشعبي

وشبه الباحث في علم الاجتماع، ارتداء أو استعمال الكمامة، مثل تعامل المواطن مع حزام السلامة في السيارة. فالمواطن يحتاج إلى الوعي بخطورة الفيروس، وأن يجد الأرضية الخصبة لذلك، خاصة ما يتعلق بالمساعدات على مواجهة أعباء وتبعات الفيروس وانعكاساته الاجتماعية، وبالتالي يستعمل الكمامة تفاديا لدفع الغرامة وليس للحماية، لأنه يعتبر في متخيله أن الإصابة بالمرض أهون عليه من مأزق التشرد والموت جوعا.

وأشار الصديق الصادقي العماري، إلى أن عملية التطعيم التي أعلنتها الدولة المغربية، بالرغم من أهميتها ودورها الكبير في التخفيف من حدة انتشار الفيروس، إلا أن الناس متخوفون من اللقاح، وذلك لأنهم يعتبرون أن الحقنة تصيب بالمرض نفسه، حيث أن الناس تعودوا أن من أحس بألم في رأس أو بأنفلونزا والتجأ للمستشفى يأخذ لقاحا، وفي اليوم الموالي يموت ويُحسب عليه المرض، وفق تعبيره.

وزاد المتحدث ذاته، أن الصورة النمطية التي تكونت لدى الناس هي تفادي اللقاح وتفادي اللجوء إلى المستشفى من أجل العلاج.

رأي الشارع

خالد، أحد ساكنة حي أناسي، الذي يبلغ من العمر 35 سنة، قال في استجواب مع “بناصا” إنه لا يلتزم بالتدابير الصحية لمواجهة كورونا، إلا نُتفا، لأن الأغلبية ساكنة الحي لا تلتزم بارتداء الكمامات، مشيرا بالقول: “واخا أنا نديرها كنلاقا صحابي في الطريق مديرينهاش، وإذا سلم عليا شي صاحبي أو عانقني، منقدرش نحبسوا”.

وأضاف خالد الذي يعمل بمحل لبيع المواد البلاستيكية، أن أغلب الزبائن الذي يلجون المحل لا يرتدون الكمامات، أو أنهم يضعونها تحت ذقونهم أو أعناقهم، مضيفا: “كاين لي كيدخل المحل ويبدا اكحب بلا مايدير يديها على فمو”.

بدورها قالت عائشة، وهي إمرة في الأربعينيات من عمرها كانت تتمشى بدون قناع واقي، أنها لا تؤمن بوجود “كورونا”، معللة جوابها بالقول: “أنا ديما كنخرج نتقدا أو نتسخر أو معمرني مرضت بهذا كورونا” واخا كيقولوا أنها كتقتل، ولكن مكنعرف حتى حد من الجيران أو العائلة مات بها”.

وأضاف آخر، أنا عندي 2 وليدات وخدام على قد الحال، أو خسني نخرج ونبيع اونشري فاش ما كان أونقلب لولادي على طرف الخبز واخا ايكون في فم السبع، كورونا كاينة، لكن معدنا منديرو” وأردف: واش دابا نموتو بالجوع ولا نموتوا بكورونا؟”.

ويُواصل عدّاد كورونا بجهة الدار البيضاء سطات، حصد المزيد من الأرواح والإصابات، حيث أعلنت وزارة الصحة، أخيرا تسجيل 1579 إصابة مؤكدة بفيروس “كورونا” في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة لتتصدر بذلك قائمة الإصابات، منها 1322 حالة بالدار البيضاء.

وتطالب وزارة الصحة في عدد من المناسبات، باستحضار الحس الوطني لتجاوز هذه الأزمة بمزيد من الصبر واليقظة والحذر، كما تجدد نداءها لكافة المواطنات والمواطنين بضرورة الالتزام الصارم بالإجراءات الوقائية من ارتداء القناع بشكل سليم والتخلص منه بطريقة آمنة، واحترام التباعد الجسدي، ونظافة اليدين، وتحميل تطبيق وقايتنا)، فضلا عن تجنب التجمعات وتفادي البصق في الأماكن العامة، وذلك لتجنب خطورة ومضاعفات انتشار الفيروس.

Share
  • Link copied
المقال التالي