Share
  • Link copied

ميازاكي..”عراب الأنيمي” الياباني الذي قاطع الأوسكار احتجاجا على غزو العراق

من يصدق أن طفلا في الرابعة من عمره، فتح عينيه على قصف طائرات الحلفاء على بلاده إبان الحرب العالمية الثانية، لدرجة سببت له مشاكل صحية يعاني منها حتى الآن، يكرس حياته لرسم وإخراج أكثر أفلام الأنيمي جمالا ونجاحا في اليابان والعالم.

الطفل الذي عانى من نزق الأب وشدة الأم في طفولته وصباه، إلى أن صار شابا يحمل دبلومة في علوم السياسة والاقتصاد، أصبح أحد أكثر الشخصيات احتراما في بلاده، باعتباره العقل الذي قدم أهم رموز الثقافة الشعبية اليابانية من خلال شخصيات أفلامه، ولبراعته في نقل المشاعر والأفكار بسهولة، بددت الفكرة التي كانت سائدة عن الرسوم المتحركة باعتبارها مجرد رسومات ملونة لإلهاء الأطفال، دون قيمة فنية حقيقية.

إنه هاياو ميازاكي (Hayao Miyazaki) المخرج الأكثر إنجازا في تاريخ فن الرسوم المتحركة، التي تُعد واحدة من أقوى الأسلحة الثقافية اليابانية، وصناعة تُدر مليارات الدولارات سنويا. وهو مؤسس “ستوديو غيبلي” (Studio Ghibli) عام 1985، والذي يعد أكثر إستديوهات الرسوم المتحركة نجاحا في العالم.

من الحرب إلى الحياة

وُلد ميازاكي في طوكيو، في 5 يناير/كانون الثاني 1941، وعاش طفولته في أجواء الحرب مع الولايات المتحدة، فظل فترة طويلة يرسم الطائرات والدبابات والبوارج فقط، كما تأثر بعمل أبيه في تصميم المقاتلات الحربية، فجاءت أعماله مليئة بصور منها.

عام 1961، وهو لم يزل في العشرين من عمره، بدأ مشواره لرسم صورة جديدة للحياة في عيون الصغار والكبار، فقدم الرسوم المتحركة الرئيسية لحكاية “علي بابا والـ 40 حرامي” عام 1971. وظل يتنقل بين العديد من الإستديوهات، حتى أخرج أول أعماله عام 1978، وهو مسلسل “كونان فتى المستقبل” (Future Boy Conan) المعروف عربيا باسم “عدنان ولينا”.

ومنذ ذلك الحين، حرص ميازاكي في أفلامه -المستوحاة من الثقافة اليابانية- على تناول أعمق قضايا الحياة، بما تحويه من معضلات وما تفرضه من قيم، وما تزخر به من قصص وأساطير وأحلام ومعجزات، تُطلق للخيال البشري العنان، دون تدخل أو فرض رؤى أو تقديم إجابات، تاركا شخصياته تواجه مصاعب الحياة بإرادة قوية.

الأم القوية

لم يستطع ميازاكي إخفاء تأثره بأمه “القوية المثقفة” حتى انعكس ذلك في أفلامه كلها تقريبا، حتى نالت الإشادة بسبب تصويرها الإيجابي للمرأة، حيث يصف ميازاكي شخصياته النسائية بأنهن “فتيات شجاعات مكتفيات ذاتيا، لا يترددن في القتال من أجل ما يؤمن به” مشيرا إلى أنهن قد “يحتجن لشريك أو مؤيد، ولكن ليس لمنقذ أبدا” فالمرأة عند ميازاكي تتمتع بالفردية والقوة و”قادرة على أن تكون بطلة مثل أي رجل”.

عدو الحرب

تميزت معظم أفلام ميازاكي بالدعوة إلى السلام، ومناهضة الحرب والتطرف والعنف، كمرآة لمواقفه الشخصية المعبرة عن ذلك.

ففي عام 2003، رفض ميازاكي حضور حفل توزيع جوائز الأوسكار بمدينة لوس أنجلوس، احتجاجا على تورط الولايات المتحدة في حرب العراق.

عام 2013، أعرب عن رفضه إنكار العدوان الياباني على الصين عام 1937، مشيرا إلى أن بلاده “يجب أن تعترف بوضوح أنها ألحقت ضررا هائلا بالصين، وأن تبدي ندمها الشديد على ذلك”.

كما أعرب عن رأيه في الهجوم على مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية عام 2015، منتقدا نشر المحتوى الصادم الذي أعتبره أحد المحفزات على الحادث.

حماية البيئة حضارة إنسانية

أيضا أولت معظم أعمال ميازاكي اهتماما كبيرا بحماية البيئة، فبحسب مارجريت تالبوت “غالبا ما تعطي أفلام ميازاكي انطباعا بأنه لا يحب التكنولوجيا الحديثة، ويعتقد أن الكثير منها ضحل ومزيف، ويتمنى أن يأتي يوم لا مزيد فيه من الأبراج الشاهقة”.

وسببت إقامته 10 سنوات في منطقة ريفية حالة من الإحباط، وهو يرى “الطبيعة تُدمر باسم التقدم الاقتصادي” مما جعل العديد من الخصوم في أفلامه يظهرون كأشخاص “يحاولون السيطرة على الطبيعة من أجل الهيمنة السياسية، لكنهم يدمرون الطبيعة والحضارة الإنسانية”.

انهماك في العمل أضر بالابن

رغم أن قيم الأسرة كانت حاضرة بقوة عند ميازاكي، مقابل انتقاد الرأسمالية، والعولمة وآثارها على الحياة العصرية. وهو ما فسره مايكل توسكانو، بأن ميازاكي “يخشى أن يتضرر الأطفال من ثقافة الاستهلاك المفرط، والحماية الزائدة، والعلمانية التي تبتلع الروحانية الأصلية”.

لكن المفارقة أن اهتمام ميازاكي بالأسرة، في أفلامه، أدى لانشغاله في عمله إلى درجة ألحقت الضرر بعلاقته بابنه “غورو” لكثرة غيابه عنه وقلة حديثه معه. حتى قال غورو عام 2006 إن والده “لا يستحق أي علامة كأب، ولكنه يستحق علامات كاملة كمخرج لأفلام الرسوم المتحركة”.

الأفضل في التاريخ

عام 1984 قدم ميازاكي فيلم “نوسيكا أميرة وادي الرياح” (Nausicaa of the valley of the wind) ليحقق أرباحا ضخمة وينال 4 جوائز.

عام 2002، اعتبر الناقد السينمائي الأميركي المخضرم روجر إيبرت أن ميازاكي “قد يكون أفضل صانع أفلام رسوم متحركة في التاريخ”.

فقد حظيت معظم أفلامه بنجاحات نقدية وإيرادات كبيرة في شباك التذاكر، كفيلم “الأميرة مونونوكي” (Princess Mononoke) عام 1997، الأعلى ربحا باليابان، والحاصل على 13 جائزة، وأول فيلم رسوم متحركة يفوز بجائزة أكاديمية اليابان.

وبعد تعاونه مع شركة والت ديزني، قدم ميازاكي أجمل أفلامه “رحلة تشيهيرو – المخطوفة” (Spirited Away) عام 2001، الذي حقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما باليابان، متفوقا على فيلم تايتانيك. بالإضافة إلى حصد 58 جائزة، والفوز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة.

تلاه فيلم “قلعة هاول المتحركة” (Howl’s Moving Castle) عام 2004، الذي تم ترشيحه لجائزة أوسكار، ونال 14 جائزة أخرى. ثم فيلم “مهب الريح” (The Wind Rises) عام 2013، الذي رُشح للأوسكار أيضا، وحصد 26 جائزة، وقوبل بنجاح نقدي وتجاري كبير.

لا يمكنه التوقف عن الإبداع

بعد أن فاجأ ميازاكي الجميع بقرار اعتزاله الأفلام الطويلة عام 2013، وحصل على جائزة الأوسكار الفخرية عام 2014، عاد عام 2016 وتحدث عن نيته قطع تقاعده بفيلم طويل جديد.

وعلل ابنه غورو (المخرج السينمائي أيضا) رجوع والده عن قرار التقاعد، قائلا “إنه يفعل ذلك لكي يعيش، ولأنه لا يمكنه التوقف عن الإبداع”.

وكان ميازاكي قد أخبر صحيفة نيويورك تايمز بأن فيلمه الجديد بعنوان “كيف تعيش؟” (?How Do You Live) مستوحى من رواية للكاتب غينزابورو يوشينو، صدرت عام 1937، وفقا لموقع “إن إم إي”.

عن الجزيرة

Share
  • Link copied
المقال التالي