العام لم يكن “زين” كما يقول المغاربة، وذلك نظرا لقلة التساقطات المطرية، واختلاط فصول السنة مع بعضها البعض، والتي لم تقدر على المساهمة في التحول الديمقراطي الذي يعرفه المناخ المغربي.
هكذا، هو مناخ الأحزاب السياسية بالمغرب، أحزاب أصابها الجفاف، ولم تعد تمطر نخبة سياسية، نخبة قادرة على الإنتاج، وقادرة على الحفاظ على التحول الديمقراطي الذي جاء إبان حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، أو ما يطلق عليها فترة “التناوب الحكومي”، والتي لم تقدر الأحزاب على ممارسة التناوب على “الكرسي” داخل صفوفها، مما أدى بالمواطن المغربي إلى الإنخرط وبشكل كبير في صفوف حزب “المقاطعين”، وحزب “الغير المهتمين” بما يجري في الساحة السياسية.
فعمر الأمناء العامون للأحزاب المغربية، يتراوح ما بين 50 و70 سنة، ومنهم من خلد في المنصب منذ خروج حزبه إلى الساحة السياسية من أجل ممارسة لعبة “الشطرنج”، فما هو بخاسر وما بالحزب بالرابح. فشيوخ الأحزاب السياسية بالمغرب اليوم، يجعلون من الشبيبات الحزبية والفروع المحلية الموجودة في القرى والمداشر مجرد أيادي تمارس الحملات الانتخابية قبل حلول موعدها.
أحزاب تعيش الجفاف داخل مكوناتها، فلا هي قادرة على تأطير المواطنين، وتطبيق الفصل السابع من دستور المملكة لسنة 2011، ولا هي قادرة على ترك الشباب يمارس السياسة، وتشبيب “الكراسي الحزبية”.
فالمشهد السياسي اليوم في المغرب، لا يحتاج إلى أحزاب جديدة تؤثث القاعة الحزبية، بل تكفي الأحزاب التي تؤثث ذلك المشهد، فبقدر ما نحتاج إلى ترك الساحة السياسية للشباب من أجل أن يقول كلمته. فالشباب المغربي تصل نسبة عدم ثقته في الأحزاب السياسية إلى 70%، في حين تصل نسبة الشباب الذين يمارسون فعلا العمل السياسي من داخل الهيئات السياسية إلى 1%، وهي أرقام تبقى جد صادمة وجد مخجلة، وتدعوا شيوخ الأحزاب السياسية بالمغرب، إلى إعادة النظر في مكانتهم داخل المنظومة الحزبية التي يقودونها منذ سنوات قد خلت.
ففي خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة عشر لعيد العرش لعام 2018، قال الملك محمد السادس بأنه “يتعين على الأحزاب استقطاب نخب جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي”، ورغم النداءات المتكررة للملك للأحزاب السياسية بضرورة تجديد نخبها، وتشبيب كراسيها، إلا أن المشهد الحزبي بالمغرب لا زال يسجل مجموعة من العيوب.
فخلال عهد المغرب الجديد، عرف المغرب مجموعة من التحولات انطلاقا من حكومة التناوب الحكومي لسنة 1998، بقيادة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، ووصولا إلى حكومة الإسلاميين، هذه الفترة عرفت ميلاد مجموعة من الأحزاب السياسية والتي أدت إلى موسم الجفاف الحزبي.
هل يمكن للأحزاب التي تعيش الجفاف، أن تساهم لنا في بلورة النموذج التنموي الجديد الذي أعلن عنه الملك، فهل بالضرورة أن تستمع اللجنة المكلفة من طرف الملك بتنزيل مضامين ومرتكزات النموذج التنموي الجديد للسان الأحزاب السياسية، لو “كان الخوخ يداوي كون داوا راسو”، كما يقول المثل المغربي، وقامت تلك الأحزاب السياسية بتنزيل برامجها الانتخابية وأوراشها التنموية على أرض الواقع، ولا تترك تلك الأحلام معلقة فوق حبل “الوعود” والتي ننتظر أن تسقط يوما ما.
*مدون وكاتب رأي في مجموعة من الصحف العربية، وباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مهتم بالشؤون السياسية بالمنطقة العربية – المغرب
تعليقات الزوار ( 0 )