أطلقت وزارة التربية الوطنية تقييما هو الأول من نوعه لتجربة تكوين أطر الإدارة التربوية. فمنذ البدء في هذه التجربة استطاعت المراكز الجهوية لمهن التربية تكوين آلاف الأطر الجديدة، لكن، وكأي تجربة، فإن العديد من النواقص تعتري مقاربة الوزارة لهذا المسلك، إن على المستوى التكويني أو التنظيمي. ففي ظل غياب مديرية مستقلة لتكوين الأطر على غرار العديد من القطاعات العمومية الأخرى، فإن أول ما يسترعي الانتباه هو تعدد المتدخلين في شأن التكوين. فعلى الورق تقع مهمة التكوين تحت سلطة مديرية الموارد البشرية بالوزارة، لكن على مستوى التدبير هناك ما يعرف بـ«الوحدة المركزية لتكوين الأطر»، وهي وحدة إدارية لا هوية فعلية لها، إذ ليست بمديرية ولا هي بقسم، بدليل أن من يدير هذه الوحدة هو مدير مركزي لمديرية أخرى وتم تكليفه بهذه الوحدة لما يزيد الآن عن ثماني سنوات.
تبعية تكوين الأطر تدبيريا لهذه «الوحدة المركزية» وتنظيميا لمديرية أخرى لا يمنع من أن مديريات أخرى تتدخل بطرق أخرى، وعلى رأسها مديرية المناهج. وفي ظل غياب الالتقائية بين مهام بعض هذه المديريات، فإن هذا أثر بشكل واضح على جودة تنزيل الوزارة لاستراتيجية التكوين الأساس، وخاصة تكوين أطر الإدارة. ومن الأدلة على هذا أن وجوها بعينها، لها علاقات شخصية مع مسؤول مركزي، هي التي تحتكر «التقرير» و«التنظير» و«التقييم»، بينما المقترحات والأفكار التي ترد من الأطر الإدارية والتربوية العاملة بالمراكز غالبا ما ينتهي بها الأمر إلى الرفوف، لأنه يبدو جليا أن الشعار المعمول به في وحدة تكوين الأطر هو «شاورهم ومديرش برايهم».
إذن، بقدر ما اعتبر خلق مسلك لتكوين الأطر الإدارية طفرة في فهمنا كمنظومة لمهمة الإداري، ينبغي أيضا تغيير الكثير من الأخطاء التي شابت هذه التجربة، قصد تجويدها ليكون الإطار الإداري التربوي قاطرة الجودة والنجاعة والتواصل والانفتاح. ولعل إنجاز تقييم موضوعي لهذه التجربة هو بداية الطريق لتحقيق هذا الرهان الكبير.
لذلك، ينبغي لمتخذي القرار التعليمي الانتباه، بخصوص هذا المسلك، إلى ضرورة تمكين المراكز من أساتذة التخصص لتأمين بعض المجزوءات ضمانا لتكوين يتصف بالحد الأدنى من الجودة ومن المصداقية، وما يبرر هذا المقترح هو أن هناك مجزوءات لا يوجد متخصص واحد فيها. وأغلب ما يقدم فيها لا يتعدى «الكوبي كولي» من الأنترنت لا غير. وهذا يعني القطع مع واقع التطفل على تخصصات ضمن المسلك بمبررات مختلفة لا تتصل لا بالتخصص ولا بالجودة أو الكفاءة بصلة، الأمر الذي يعني أن التدخل في المسلك ينبغي أن يتم في إطار تدبير الشعب للتكوينات التي تقع ضمن تخصصها.
تقييم هذه التجربة يقتضي أيضا ضرورة الوقوف، من ناحية أخلاقيات المهنة، على بعض الظواهر السلبية التي صاحبت تجربة مسلك الإدارة التربوية (تطاول الخريجين على الأساتذة عند نهاية الموسم بصيغ أصبحت غير مقبولة، ازدواجية صفة التدخل في التكوين، انزلاق العلاقة بين المتدربين والمكونين عن بعدها التربوي الصرف، …). وعلى المستوى البيداغوجي، ينبغي اعتماد إطار مرجعي لمباريات الدخول تهدف إلى قياس مدى تملك المترشحين لقدرات في المجال البيداغوجي، ومُلمين بالنظام التربوي في جميع أبعاده، تجاوزا لوضعيات تقويمية افتقرت في بعض الأحيان إلى الحد الأدنى من مقومات القياس.
هذه التجربة تفرض علينا أيضا الانتباه إلى أن المركز هو فضاء للتكوين (وليس بنية إدارية) مهمته إكساب المتدربين القدرة على الفعل في الواقع بشكل إيجابي، بما يعنيه من قدرة على التشخيص واتخاذ المبادرة بشكل فعال في احترام لقواعد تدبير المرفق العام. ولا تقتصر مهمة المركز في تلقين أرقام المذكرات والمراسيم واعتبار هذه الأخيرة نصوصا مجردة من كل مقصد ومن كل سياق.
تعليقات الزوار ( 0 )