Share
  • Link copied

موحى.. الفلاح المغربي المدافع عن اقتصاد إسبانيا

نورالدين لشهب من ألميريا/ إسبانيا

محمد، أو موحى كما يناديه البعض حسب النطق الدارج بالأمازيغية، فلاح مغربي ينحدر من نواحي الراشيدية، اشتغل في التجارة سابقا في إسبانيا بحيث كان يتوفر على متجر لبيع المواد الغذائية علاوة على محل للانترنيت ومخدع هاتفي، وبعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت دولا أوربية ومنها إسبانيا فضل موحى الاستثمار في الفلاحة نواحي مدينة ألميريا الإسبانية. وفي محاولة معرفة جانبا من حياة المغاربة الذين فضلوا الاستثمار خارج أرض الوطن رافقنا موحى في رحلة دانت يوما كاملا إلى مزارع الطماطم “الباندورا” كما اقترح علينا هو نفسه.

في الطريق إلى سان إيسيدرو

استيقظ موحى على الساعة الخامسة صباحا، توضأ وصلى الصبح وشرب كأسا معطرا بالأعشاب الصحراوية المفضلة لديه ودخن سيجارتين دفعة واحدة قبل أن يتوكل على الله.

في الطريق إلى الضيعة كان الجو شاتيا والضباب كثيفا يحجب أفق الرؤية ويحرم من التمتع بالجبال التي تطوق المدينة والهضاب المكسوة بالبلاستيك، موحى لا يكف عن تدخين سيجارته المفضلة وهو يشرح لنا سبب وجود بعض الأكواخ على جنبات الطريق المؤدية إلى ضيعته: “هذي أكواخ يقطنها المهاجرون المغاربة غير الشرعيين، لا ماء ولا كهرباء، هذا المنظر يؤلمني جدا عندما أرى إخوتي المغاربة يسكنون في هذه الأكواخ، المهاجرون الآخرون ومن جنسيات أفريقية يجدون الرعاية من المنظمات والجمعيات، بل إن المهاجرين الجزائريين يعيشون عيشة أحسن وأطيب من المهاجرين المغاربة”.

يأخذ موحى نفسا عميقا من سيجارته ويتابع: “لا فرق بين هذه الأكواخ وبين سكنى المغاربة في الدواووير المغربية المهمشة، خوتنا المغاربة جابوا معاهم هذه الصنعة في بناء الأكواخ، لا فرق بين العيش هنا والعيش في المغرب، المغربي محكور أينما حل وارتحل، خوتنا وخواتاتنا مهددين ومهددات بالقيضانات والبرد القارص ومداهمات البوليس”.

في منطقة San Isidiro والتي تبعد عن مدينة ألميريا بنحو 40 كيلومتر، نلفي ضيعة موحى المخصصة لزراعة الطماطم أو “الباندورا”، صناديق بلاستيكية متناثرة ومملوءة بالطماطم، هي ما تبقى من محصول الجني ليوم أمس سينضاف إليها محصول جني اليوم لتحويلها إلى الشركة المستوردة.

موحى يتوجه الى محل السكنى المحاذي للضيعة والمجهز بالماء والكهرباء، وهو عبارة عن مسكن يتكون أربعة بيوت ومطبخ ومرحاض ودوش مخصصة للعمال الخمسة الذين يشتغلون بالضيعة، وهم جميعهم ينحدرون من مشرع بلقصيري التابع لإقليم سيدي قاسم، العمال الخمسة ارتدوا ملابس العمل والقفازات تأهبا لاستقبال يوم عمل جديد بمقابل محترم يتجاوز 35 أورو هي كافية لضمان العيش الكريم لو توفرت كل يوم ودون انقطاع عن العمل، رضوان طفق في نقل الصناديق عبر جرار مخصص لحمل الصناديق وجمعها في الشاحنة، أما الأربعة الآخرون شرعوا في جني الطماطم ووضعها في الصناديق البلاستيكية، في هذه الأثناء وجد موحى متسعا من الوقت للذهاب إلى المقهى الذي يلتئم فيه الفلاحون الإسبان للتشاور فيما بينهم وتوحيد جهودهم في الرفع من الإنتاج والمطالبة بالحقوق مع الحفاظ على المكاسب المتحققة من لدن الدولة والشركات المستوردة.

موحى هو أصغرهم سنا كما يُعتبر المغربي الوحيد بين الفلاحين الإسبان الذين تجمعوا في مقهى تسهر على تسييره امرأة بدينة ترتدي ملابس صيفية قيل إنها تبالغ في شرب الجعة ولا تبالي من برودة الطقس، وبالرغم من تقدم سنها وبدانتها جسدها فهي تحرص على العناية بزبنائها من الفلاحين الكهول، تعصر القهوة وتصب الجعة وتهيئ الأطعمة بنشاط، سألتني عما إن كنت أبحث عن امرأة لامتلاك “الأوراق” فهي مستعدة لارتباط مع مغربي بشكل جدي ومعقول، شخصيا لم أفهم كلامها غير أن موحى تكفل بالرد: “ليس كل المغاربة يبحثون على الأوراق، الرجل له أوراقه الخاصة” أتبعتها بضحكة هستيرية :”يا ويلي من يتزوجني” ضحك الفلاحون الكهول ضحكات كشفت عن أسنانهم المسوسة والبلاستيكية..

شربنا قهوتنا وانصرفنا، في هذه الأثناء لا يضيع موحى الفرصة في لقاء زميله الإسباني فلورينتينو صاحب ضيعة مخصصة لزراعة القرع/ اليقطين للحديث عن شؤون الفلاحة، يقول موحى عن علاقته بفلورينتينو: “هذا زميل في المهنة وصديق يفوقني سنا وتجربة، ولا أفوت الفرصة لزيارته كلما حان الحين فهو صاحب تجربة، أستشيره في كل شيء يخص هذا النوع من الفلاحة المنتشرة في المنطقة والمغطاة بالبلاستيك”.

أما فلورينتينو فقال في تصريح لـ”بناصا” عن علاقته بزميله موحى: ” موحى يزورني يوميا، وهو نموذج للشاب المغربي الناجح، تعجبني طريقته في العمل، يسأل عن كل ما يهم الزراعة المغطاة سواء كانت طمتطم أو قرع أو أي شيء، يسأل عن تطوير الإنتاج، وعن الإفادة في هذا النوع من الزراعة، موحي يريد أن يستفيد ولكني أرأه أنه هو أيضا اصبح يفيد”.

المهاجرون المغاربة ..شيء من العناية في انتظار “الأوراق”

المُلاحظ أن هناك علاقة اشتراك ما بين موحى وفلورنتينو، كلاهما يساعدان المغاربة، وكلاهما يتوفران على مسكن مجهز بالماء والكهرباء خاص بالعمال المغاربة الذين تقطعت بهم السبل ولم يجدوا من يحميهم من “خطر” تهجيرهم إلى المغرب كرة أخرى على عكس بعض “المواطنين والمواطنات” الذين يسكنون الأكواخ دون ماء ولا كهرباء، فلورنتينو هو أيضا له عمال مهاجرون مغاربة يعيشون في إسبانيا بطريقة غير شرعية وجد لهم الملاذ في انتظار الحل الذي قد يأتي وقد لا يأتي، كان إلى جانبه إدريس الذي ينحدر من دوار أولاد يسف من مشرع بلقصيري عمالة سيدي قاسم، إدريس موجود في إسبانيا منذ خمس سنوات، متزوج وأب لأربعة أبناء، يشعر بحنين إلى أولاده وأسرته واصدقائه: “توحشت الأسرة والأبناء ولكن أحتاج إلى “الأوراق” وبعدها يمكنني أن أسافر للمغرب لرؤية الأطفال والأسرة والأصدقاء”.

والأوراق التي يقصدها إدريس، ومعه المهاجرون الذين هاجروا بشكل سري هي تسوية الوضعية القانونية في إسبانيا والتمكن من الدخول والخرج إلى أرض الوطن دون عراقيل.

المغرب جميل ولا حياة فيه للضعيف

مشرع بلقصيري منطقة فلاحية، لماذا لا يعمل بها المهاجرون، فبدل العمل في الفلاحة في إسبانيا كان على هؤلاء العمل في الفلاحة بأرض الوطن وفي مشرع بلقصيري التي تتوفر على الضيعات الفلاحية الشاسعة والمنتشرة منذ عهد الاستعمار وإلى الآن، “قطران بلادي ولا عسل البلدان”، هو سؤال استفزازي توجهنا به إلى المجموعة التي تنحدر من مشروع بلقصيري وهي منطقة فلاحية.

يجيب إدريس كون مبلغ العمل في اليوم الواحد بالمغرب لا يتجاوز 60 درهما فقط، و”أما الشركات يمكنك أن تعمل بمقابل 70 أو 80 درهما وهو مبلغ لا يكفي ألبتة ولا يضمن العيش الكريم، وإذا ما حصلت على مبلغ 100 درهم في اليوم في إحدى الشركات فاعلم أنك محظوظ وجدت من يتوسط لك لإيجاد العمل هذا العمل، أما الفلاحة في بلقصيري غير كافية، فأن تزرع الشمندر فالرابح هو شركة السكر في نهاية المطاف، لا يمكن أن تربح إلا من تربية المواشي، ولكنها تحتاج إلى اراضي خاصة للرعي، والرابح هم الفلاحون الكبار، فمثلا السقي يتجاوز ثمنه 70 درهما للساعة، وتربية المواشي يستأثر بها أصحاب الضيعات الكبيرة، فماذا يتبقى لنا نحن الضعفاء، فالهكتار الواحد يحتاج 15 ساعة كل نصف شهر، واذا حسبنا ثمن الساعات بالإضافة إلى أربعة اشخاص لا يبقى من الربح سوى 20 ألف درهما، وهي لا تكفي طبعا” يشرح إدريس الفرق بين العمل في قطاع الفلاحة في إسبانيا والبون “الشاسع” للوضع الذي يحياه المواطن المغربي “الضعيف” في وطنه، يتحدث إدريس بألم ووجهه قد تمعر وتكدر والدمع قد تجمد في مقلتيه حين ذكرناه في أبنائه الأربعة.

وعن تهديد الأمن الإسباني للإدريس وغيره من المغاربة الذين يعيشون على التراب الإسباني دون تسوية للوضعية القانوينة، يقول: ” الأمن الإسباني يتعامى على العمال الذين يعملون ويستفيد منهم الاقتصاد، الأمن يتابع من يتسكع في الطرقات أو يمتهن النشل والسرقة والاعتداء على الناس، أما الذين يعملون فهم في حاجة إلى عضلاتهم، والنفي هنا في الدور والأكواخ بعيدا عن المدينة يعفيهم من المشاكل الأمنية”.

عدنا إلى ضيعة موحى، كان عزيز يقوم بجني الطماطم، هو أيضا من مشرع بلقصيري، يقيم في إسبانيا منذ ست سنوات، قدم إلى هنا عن طريق البحر من مدينة الناظور، ست سنوات ولم يستطع أن يسوي وضعيته القانونية، سبق للأمن الإسباني أن ألقى عليه القبض، انتزعوا منه جوازه وحوكم بمغادرة التراب الإسباني مدة خمس سنوات، لم يستطع العودة للمغرب وبقي مختبئا في ضيعة موحى ” فين هو الزهر سنوات وأنا بدون أوراق ولا جواز السفر، موحى هو أكثر من أخ يساعدنا كثيرا، يأتينا بكل ما نحتاجه إلى درجة أن ملابسنا يحملها معه لبيته ويقوم بتنظيفها، ويوم عيد الأضحى يحرص على شراء الأضحية الخاصة بنا”.

أما بالنسبة لتسوية الوضعية القانونية يقول عزيز: “فين هو الزهر تنخسر 5000 إلى 6000 أورو على الأوراق وفين هو الزهر، لا أحد يساعدنا سوى موحى في هذه اللحظات، ذهبت للقنصلية لتجديد جوازي فطلبوا مني أن اذهب عند البوليس، واش نمشي عندهم يشدوني ..” يتساءل عزيز.

وأما عن العمل في الفلاحة في مشرع بلقصيري، يقول عزيز في جوابه على السؤال:” مشرع بلقصيري منطقة فلاحية، أقول: نعم، ولكن فين هي هذ الأراضي، الأراضي عند عبد الواحد الراضي، وعند الفلاحين الكبار، هل تريدني أن أعمل بـ 50 درهما لليوم، ماذا سأفعل ب، 5 أورو، مبلغ لا يكفي بالمغرب على الإطلاق، هل تكفي للعيش مع الأسرة والزوجة؟ يتساءل عزيز.

يحرص عزيز على التواصل مع أسرته عبر الهاتف ولكنه لا يساعدهم ماديا لأن مدخوله اليومي يوفره لتسوية وضعيته والبحث عن طريقة لإعادة جواز سفره.

رضوان هو أيضا ينحدر من مشرع بلقصيري، يشتغل مع موحى مدة أربع سنوات، ويوجد في اسبانيا منذ ست سنوات، يعتبر موحى أخاه وصديقه وليس ” الباطرون” صاحب الضيعة، يعرف أولاده ووالديه ويساعده في تسوية وضعيته، يقول رضوان: “موحى يسافر معي مسافة 3000 كلم أو 400 كلم من أجل تسوية وضعيتي، ويبقى معي حتى أعود معه” وعن تسوية وضعيته، يقول رضوان: ” حاولت مرارا عبر الزواج فتعرفت على نساء من ألكانتي ومالكا ومورسيا، ولكن ربي غالب، أدفع 4000 إلى 5000 أورو كل مرة من أجل تسويىة وضعيتي ولكن دون نتيجة”.

رضوان يتصل بأسرته عبر الهاتف ويشكو من ألم الفراق والغربة ولكنه يعض على الجرح ويكره أن يعود للمغرب دون “أوراق” ” المغرب زوين بزااف وتوحشت بلادي ولكن أكره أن أعود إلى المغرب دون نتيجة اشعر معها أن سنوات ضاعت من عمري دون جدوى”.

موحى يحرص على الحضور في الحديث إلى عماله، هو أيضا يتألم لوضعيتهم، ويلقي باللائمة على “السلطات المغربية” التي لا تأبه بالمهاجر المغربي في إسبانيا، “حين نسمع حديثا عن المهاجرين فاعلم أن المهاجر الذي يتحدثون عنه هو الموجود في بلجيكا وفرنسا فقط، مشاكل المهاجر المغربي في إسبانيا لا أحد يتحدث عنها بما فيها الإعلام المغربي الذي نتابع معه جرائم وتجارة المخدرات وعصابات وليس مآسي المغاربة الموجودين هنا الذين لا يثسمع صوتهم” يقول موحى.

ويضيف: “أتمنى من السلطات المغربية أن تساعد هؤلاء المغاربة الذين لهم تجربة في الفلاحة العصرية بإسبانيا بأن تمكنهم من امتيازات خاصة للعودة إلى المغرب والعمل لصالح الوطن”.

فبالرعم من أن مشروعه الفلاحي في إسبانيا ناجح ويتجاوز الدخل الصافي 100 مليون سنتيم سنويا فلا يزال موحى يشده الحنين إلى المغرب ” ضروري راها بلادي، المغرب ديما في القلب، نعيش الغربة عاما أو عامين ونعود للمغرب، أتمنى بل أنتظر اليوم الذي سأذهب فيه للمغرب ولا أعود مرة أخرى، نتمنى تشجيعات وتحفيزات من الحكومة ومن الدولة المغربية ومن المسؤولين المساعدة لأننا نتوفر على الخبرة حتى نشرع في تدشين مشاريع فلاحية بالمغرب والمساهمة في الاقتصاد الوطني”.

ولماذا لا تبادر إلى الاستثمار في الفلاحة بالمغرب، سؤال موجه إلى موحي الذي يعتبر السؤال وجيها، حسب رأيه، يسكت هنيهة قبل أن يسترسل في الجواب:”أنت تعرف يا أخي أن القطاع الفلاحي يستولي عليه الناس الكبار، فالفلاحة العصرية مثل ما ترى هنا موجودة في أكادير وتستولي عليها الشخصيات الكبيرة، شكون غادي يهنيك في المغرب.. من المقدم وأنت طالع، غادي تخسر فلوسك في المغرب وترجع لإسبانيا تفتش فين تصور طرف ديال الخبز”.

في الطريق إلى شركة VERGA CANADA والدفاع عن اقتصاد إسبانيا

رافقنا موحى إلى الشركة التي تستورد منه الطماطم، وهي عبارة عن تعاونية فلاحية تعاقدت مع موحى لشراء الطماطم بثمن 5 دراهم للكيلوغرام الواحد، والعقد يتضمن بندا كون الثمن يبقى كما هو لا يزيد ولا ينقص بحسب ميزان السوق، فالشركة تضمن لموحى مدخولا ماديا يستخلص منه ثمن الأدوية والضرائب والعمالة وما تبقى هو الربح الصافي الذي يُرضي موحى ويجعله يبدل مجهودا في الاستثمار الفلاحي في إسبانيا، استثمار تُوج بشراء هكتارين بثمن 160 مليون سنتيما بالعملة المغربية.

أنهينا جولتنا اليومية مع موحى في ضيعته ملبين طلبه، وكان عماله الخمسة كرماء، ذبحوا كبشا وأكرموا وفادتنا، وعبروا بصدق عن كرم المغاربة وعن قيمهم الضاربة في عمق الثقافة والتاريخ بالرغم من آلامهم وفراقهم للأهل والأحباب منذ سنوات.

الجولة اليومية مع موحى انتهت غير أن مشاكل المغاربة الذين تتعامى السلطات الإسبانية عن وجودهم غير “القانوني” لتستفيد من عضلاتهم لصالح الاقتصاد الإسباني لم تنته بعد، القنصليات المغربية في إسبانيا لا تأبه بالمواطنين المغاربة، والسلطات لا تهتم، والإعلام الوطني لا يتابع عن مشاكل الجالية المغربية في إسبانيا سوى أخبار المخدرات والجرائم، وإن كان ريمي لوفو قد تحدث عن “الفلاح المغربي المدافع عن العرش” فإن موحى الفلاح المغربي الشاب وعماله الخمسة “فضلوا” مكرهين أن يدافعوا عن اقتصاد إسبانيا في غياب تام للرعاية اللازمة ووضع تحفيزات لمساعدة المستثمرين الشباب داخل وطنهم المغرب.

Share
  • Link copied
المقال التالي