أمرت القيادة بتغيير موقعنا تلك الليلة احتياطا من أن يشي بنا الرجلان. وسرنا عبر سطح الجبل نتقدم نحو “أطار”. فقد كان استمرار سماعنا لأصوات قصف المكان الذي حصل فيه الاشتباك منذ يومين، يشجعنا على المضي قدما، على اعتبار أننا لم نكشف بعد.
في طريقنا تلك الليلة تصادفنا مع “حرطانيين” (رجلان اسودان) يحملان حزما من الحطب، أوقفناهم خشية الوشاية بنا، لكن القادة قرروا الإفراج عنهم و تركهم لحال سبيلهم. فقد قالوا إن تعليمات السلطان تقضي بأن لا نمس أي مسلم بسوء، حتى ولو كانوا مجندين مع النصارى و أحرى بالمدنيين.
بعد عبورنا لمقطع “فم جول” فجرا، تمركزنا قبل الشروق في الجهة الشمالية من جبل “تكل”، و كنا نرى أضواء المدينة (اطار).
تثاقلنا في تلك الليلة بسبب أن غالبيتنا لم يكونوا متعودين على تحمل السهر و الجوع والمسير لمسافات طويلة في الأراضي الوعرة. و الا كنا وصلنا المكان الموعود لانطلاقة الهجوم. رغم أن المئال كان سيكون أسوأ مما حصل، لكن على الاقل لم يكن تعبنا قد ذهب سدى و انجزنا مهمتنا.
مع أول خيوط ذلك الصباح 17 فبراير 1957، لاحظنا حركة غير عادية أسفل الجبل. وعرفنا أن حمالي الحطب الذين أفرجنا عنهما البارحة وشيا بنا.
رويدا رويدا بدأ العدد يتزايد، حتى تلبس أسفل الجبل بالناس. و كلهم “بيظان” (موريتانيين) حسب ما يبدو من هيئتهم.
كنا نعلم أن فرنسا جيشت كل سكان المنطقة ضدنا رغبا و رهبا، و أشاعت بينهم خبر انطلاقتنا قبل أسبوعين.
وبعد قتلنا للجنديين الفرنسيين عند بئر “نوار” في اليومين الماضيين أعلنوا حالة النفير والتعبئة العامة استعدادا لملاقاتها، خاصة ان مسار رحلتنا لم يكن معلوما لهم، و لا أين ستكون ضربتنا الأولى.
الأدلاء الموريتانيون الأربعة الذين يرافقوننا، تعرفوا على بعض من أبناء عمومتهم في أسفل وأطراف الجبل. فراحوا ينادون بعضهم البعض بأسمائهم. و يحاول الأدلاء طمأنتهم بالصراخ من أعلى الجبل بأننا مسلمون ولسنا أعداء.
يشهد السياسي ورجل الأعمال الموريتاني: بمب ولد سيدي بادي على ذلك الحادث في مذكراته: ” طوقت المنطقة من زعماء القبائل الداعمة للمستعمر والجنود الفرنسيين، وكانوا هؤلاء الزعماء يخافون معاقبة الفرنسيين لهم إذا ساندوا أو ساهموا في إخفاء عناصر جيش التحرير.
يواصل سلمة سيدي مولود روايته للحدث: لم نلبث إلا قليلا حتى انطلقت رصاصة من جهة المجموعات الموريتانية التي تحاصر الجبل، أصابت حجرا فتطايرت شظاياه و أصاب أحد رفاقنا إصابة خفيفة.
بعدها مباشرة ظهرت ثمان طائرات في السماء و بدات تقصفنا. وكنا قريبين جدا من مطار المدينة حيث ترابط أزيد من 20 طائرة حربية حسب المعلومات المتوفرة لدينا.
عمت الفوضى بيننا، فقد كنا مجتمعين و مكشوفين تماما فوق السطح قبل أن نتفرق، كل يبحث عن مكان للاحتماء من القنابل وشظايا الانفجارات المتتالية.
تعليقات الزوار ( 0 )