شارك المقال
  • تم النسخ

مهدي عامري: الاحتجاج الرقمي دخل في بوتقة الفوضى والعبث وغياب التنظيم

أكد مهدي عامري، الخبير في التواصل الرقمي والتنمية الذاتية، أن الحملة المليونية التي أطلقها بعض النشطاء للمطالبة بإعدام المتهم باغتيال الطفل عدنان، تنضافُ إلى جملة من الحملات الرقمية التي تشكل القوة الناعمة، والتي أصبحنا نراها في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مستفيض.

وأضاف الأستاذ عامري، في حوار خصّ به جريدة بناصا الإلكترونية، أن التعامل مع القضايا المجتمعية بهذا الشكل الافتراضي، أدخل الاحتجاج الرقمي في بوتقة الفوضى والعبث وغياب التنظيم والتأطير.

وأشار الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، إلى أنه لا يجرد الحملة التي لحقت اغتيال الطفل عدنان من مشروعيتها، مؤكداً أن الحرية مكفولة لكل الأفراد عبر شبكات البث المفتوح، ولكن ينبغي أن يتم تأطيرها بالعقلانية لكي لا تنساق مع العاطفة، ويصبح الأنترنيت فضاءً للعنف والفوضى.

وهذا نصّ الحوار:

إذن أستاذ عامري حسب اعتقادكم، كيف يمكنُ قراءةُ “الحملات الرقمية” الداعية إلى تطبيق حكم الإعدام في قضية الطفل عدنان؟

أعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات عديدة، باتت ذلك الوعاء الذي يخزّنُ الجماهير وأضحى لها تأثير قوي، باعتبار أن هذه المواقع تشكل قوةً ناعمةً، وقد طُرح هذا النقاش منذ ثورات الربيع العربي وما جاء بعدها، حيث اتضحت قوة الفضاء الافتراضي في التأطير الجماهيري.

وتبقى كذلك هذه الحملة، تنضافُ إلى حملة المقاطعة التي أحدثت زخما من البحث والدراسة حول قدرة الفضاء الافتراضي على الحشد والتعبئة، وكيف أن هذه “الحملة الرقمية” تمكنت من دفع شركات الحليب وإرغامها على خفض الأثمنة، أي أن هناك تأثير على مستوى الواقع.

ورغم كل ذلك فأنا لا أظن أن شبكات البث المفتوح في قضية الطفل عدنان، بخصوص الحملة المليونية، قد تملك طاقة سحرية، من شأنها أن تدفع السلطات إلى التنفيذ الفعلي لحكم الإعدام، لأننا رأينا أن آخر قضية إعدام كانت في حق الحاج الثابت إبان التسعينيات.

إن الراجح أن السلطات تركز على الأدلة والمعطيات القانونية أكثر، وتشتغل وفق النص القانوني والدستور.

وإذا كان ما قلتم دكتور عامري ينحصر في هذه المواقع، فهل هذا يوحي لنا بأن الواقع الافتراضي العمومي، غدا حاضناً للفعل الاحتجاجي بعد أن كان وسيلة للنسيق والتخطيط؟

(ضاحكاً) هذا ما لا ينبغي أن نشك فيه، فالاحتجاج الالكتروني لا يقل أهمية اليوم على نظيره الواقعي الميداني، بيد أن المسألة التي لا بدّ أن نشير إليها هي سقوط هذا الاحتجاج في التنميط والعبث، فكل من هب ودب أمسى يطلق حملة لجمع التوقيعات، وكأن ذلك هو التغيير الجذري لكل مشاكل المجتمع.

أنا أرى أن الأمر بات تعبيراً عن الفوضى، لأن الكل أصبح يريد أن يكون قائدا ومؤثراً وزعيماً، وهنا نشير إلى التحول في مفهوم الزعامة مع بروز المواقع الافتراضية، حيثُ الزعيم هو من يملك المعلومة وهو من يحسن استعمالها لإثارة أهواء الجماهير.

في نظركم أستاذ، هل يمكنُ للاحتجاج الذي نراه الآن افتراضياً أن يغيّرَ سير القضية على المستوى الواقعي؟

حتماً، سيكون هناك تأثير على سير الملف، ولكن لا ندري هل سيكون تأثيراً فورياً أم مع الوقت، لذلك يجب التريث لنفهم ما قد يحدث، لربما تبدو معطيات أخرى في الملف بعد أيام، ولهذا لا بد أن يكون ثمة نوع من الصبر، بغية استقراء الأمور بشكل أدق.

ولكن عموماً، يبقى للمتهم الحق في محاكمة عادلة والحق في توكيل من ينوب عنه أمام القضاء، فلا أعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي قد تسلبه من هذا الحق، المكفول بمبدأ القانون.

أليست بهذا تكون الشبكات الرقمية فضاءً لتصريف العاطفة لتحشيد الجماهير؟ بمعنى هل في الخطاب العاطفي تكمنُ قوة هذا الحشد والتأثير الجماهيري؟

نعم هذا واضح، ولكن وسط كل هذا الزخم من العاطفة نلاحظ أن ثمة محاولات جريئة لإعادة الخطاب إلى عقلانيته وقوته المنطقية.

ولكن ثمة حقيقةٌ مفادها أن العاطفة هي تحديداً ما يستهدفه عادة المؤثرون، لذلك، حسب اعتقادي، وجب ألاّ ننساق مع كل ما يقال وأن نستخدم ملكات العقل الخاصة بنا لتمحيص كل ما نصادفه في مواقع التواصل الاجتماعي، ثم نقوم بغربلته.

على ضوء ما قلته، لاحظنا أن الخطاب العاطفي جعل من موضوع حقوق الإنسان نشازاً بالنسبة للكثير من النشطاء والمؤثرين ويطالبون بتجاوزها؟

هذا ما قصدته بالتعقل والتبصر قبل قليل، لأن هذا راجع للهيجان وتراجع الرقابة الذاتية. أنا لا أستطيع أن أقول إنه وجب على القضاء أن ينفذ حكم الإعدام من عدمه، لأن كلمة الفصل تبقى للمحكمة، وأنا أثق في القضاء المغربي.

غير أنه علينا أن نعلم أن حتى المتهم، رغم شناعة جرمه ووحشيته، فهو يبقى إنساناً يتمتع بكامل حقوقه، والدستور يضمن له الحق في محاكمة عادلة والحق في الدفاع كذلك، كما أشرت آنفاً.

إن بعض هذه المطالب التي تروج على الواقع الافتراضي العمومي، تحرج المغرب لأنه وقّع على اتفاقيات دولية تهم حقوق الإنسان في شموليتها وتلمس الحق في الحياة بشكل أدق، وبالتالي فالرأي العام الافتراضي الهائج قد يصعب التحكم فيه نظراً لتراجع الرقابة والفراغ القانوني، غير أن الدولة لا أظن ستخضع لهذه المطالب “الشعبية الرقمية”، التي كما قلت تسيطر عليها العاطفة.

ولكن بوضوح أستاذ عامري هل يمكننا اعتبار الواقع الافتراضي العمومي مكاناً لتكريس العنف وخطاب الكراهية نظراً لتراجع الرقابة؟

بعيداً عن قضية الطفل عدنان، سبق أن قلت إن هذا الفضاء أصبح رديفاً للفوضى والعنف والتحريض على الكراهية. إن من أكبر سلبيات هذه الشبكات انفتاحها بشكل فظيع على الغوغاء ولعامة الناس، والكل يدلي بدلوه والكل عالم والكل خبير. وأضحى كل من يعترض على الإرادة الجماهيرية الافتراضية، فهو عرضة للسب والشتم والتهديد، وهذه من أكثر سلبيات الأنترنيت في شموليته.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي