الابعاد القسري للموظف العمومي من مزاولة مهامه الإدارية لفائدة الدولة المغربية داخل المرفق العمومي الذي يشتغل فيه يعد في تقديري الشخصي جريمة مكتملة الأركان لأن عنصر النية الإجرامية لدى المسؤول الإداري الذي يلجأ الى هذه الممارسة المنافية للقوانين الوطنية والتشريعات الدولية بطرق تدليسية وماكرة يظهر بشكل جلي وواضح مع مرور الوقت!
عندما نتحدث عن موظف عمومي فإننا نتحدث عن شخص يتمتع بحقوق وتقع عليه التزامات وقد حدد النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بشكل لا لبس فيه حقوق الموظفين وواجباتهم المهنية بل إن المشرع منحهم ضمانات قانونية كبرى لتحصينهم من الشطط والتعسف الذي يمكن أن يمارس عليهم في نطاق مزاولتهم لوظائفهم.
لقد عملت الحكومات المتعاقبة خلال مراحل مختلفة على تضمين البعد الحقوقي في سياساتها العمومية ذات الصلة بمجال الوظيفة العمومية (يكفي مراجعة التوصيات المنبثقة عن العديد من المناضرات الوطنية التي كلفت الدولة ميزانيات ضخمة) غير أن الممارسة تثبت عكس ذلك حيث لازالت البيروقراطية هي سيدة الموقف ولازالت هناك عقليات من موقع التدبير تنظر للموظف العمومي نظرة السيد للعبد للاسف الشديد!
من خلال مراجعة سلسلة الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الإدارية للدولة في عدد من الملفات القضائية المعروضة عليها يبدوا واضحا أن أغلبية الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري غالبا ما تكون في صالح الموظفين بسبب عيوب في القانون أو بسبب الشطط في استعمال السلطة أو بسبب عدم قدرة الكثير من الإدارات والمؤسسات العمومية على تبرير قراراتها التي تتحول إلى جرائم في حق آلاف الموظفين من منطلق ما ينتج عنها من تبعات يؤدي ثمنها الموظف وأسرته!
قبل أيام فقط التقيت بمحض الصدفة بموظف كان موقوف عن عمله لمدة ستة أشهر بناء على قرار ألغي من طرف القضاء الإداري بعد لجوء المعني بالأمر الى الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية ولكن ما سمعته من هذا الرجل كان مؤلما بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!
الرجل تعرض لمكائد ما كانت تخطر له ببال لمجرد أنه رفض الاشتغال وفق توجيهات إدارية صادرة عن رئيسه المباشر لا سند لها في القانون. هل تدرون كيف ستتم معاقبة هذا الموظف فيما بعد؟
أول قرار اتخد في حقه كان هو تهميشه إداريا وعزله تدريجيا عن محيطه الوظيفي وسحب جميع المهام الإدارية منه بطرق احتيالية وقطع خدمة الانترنيت على حاسوبه دون بقية زملائه في العمل وحرمانه من تعويضاته بحجة أنه لا يؤدي أية مهام إدارية!
مثل هذا النوع من الممارسات الاجرامية وغير الأخلاقية موجودة في عدد من الادارات والمؤسسات العمومية، والمركزيات النقابية تتوفر على ملفات كثيرة في هذا الصدد، منها ما يتم فضحه، ومنها ما يتم التواطؤ فيه بالصمت في إطار توازنات مصلحية انتهازية بين المسؤولين الاداريين والمسؤولين النقابيين، ومنها ما يحال على المنظمات الحقوقية الوطنية، أو مؤسسة الوسيط، أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، او الديوان الملكي، أو القضاء للبث فيه!
لا شك أن مثل هذه الممارسات الغارقة في الشطط تبقى نسبية ولا يمكن بأي حال من الأحوال في ظل عدم عدم وجود معطيات دقيقة بخصوص هذا الموضوع اضفاء الطابع المنهجي عليها ولكن المسؤولية الأولى تبقى على عاتق هؤلاء الموظفين الذين يتعرضون للظلم الاداري من طرف مسؤولين منعدمي الضمير ويصمتون عنه!
بموجب الفصل 42 من دستور المملكة الذي أفرد بابا كاملا للحقوق والحريات يعد جلالة الملك هو الضامن للحقوق والحريات وهو رئيس الدولة وممثلها الأسمى ويتلقى ديوانه الملكي كما هائلا من الشكايات والتظلمات بما في ذلك شكايات وتظلمات موظفين تعرضوا للظلم وللقهر الوظيفي من طرف مسؤولين يفتقدون للضمير ولا يحترمون القانون والدستور!
أن تصل الأمور إلى حد الابعاد القسري للموظفين وحرمانهم من مزاولة مهامهم والتحرش بهم إداريا وفبركة الملفات التأديبية لهم وإحالتهم على المجالس التأديبية وإصدار قرارات ظالمة في حقهم وتوقيف رواتبهم وحرمان أسرهم من الأكل والشرب والتمدرس في انتظار ما سيقوله القضاء فهذا ما لا ينبغي السكوت عنه والتطبيع معه لأن آثاره النفسية والاجتماعية تكون مدمرة ووخيمة وتصنع الحقد في نفوس الموظفين وأسرهم ضد الدولة!
على السيد رئيس الحكومة وعلى شركائه في الاغلبية الحكومية وعلى الوزارة المكلفة بالإدارة أن ينتبهوا إلى حجم المآسي التي تقع في عدد من الادارات والمؤسسات العمومية بسبب ممارسات مسؤولين في الإدارة لا ضمير لهم ومكانهم الطبيعي هو مصحات الطب النفسي لأنهم يعانون من جنون العظمة ومن داء السلطوية الذي ينتج الشطط في استعمال السلطة والقهر الإداري. كما يتعين على المركزيات النقابية أن تراجع نفسها وتنتصر للحق عوض مجاراة مسؤولين بدون ضمير في إطار توازنات مصلحية زائلة!
تعليقات الزوار ( 0 )