النظام الجزائري، الذي لطالما ادعى الدفاع عن حقوق الشعوب، كشف عن وجهه الحقيقي من خلال دعمه السافر لنظام بشار الأسد خلال الأزمة السورية. هذا الدعم لم يكن مجرد موقف سياسي، بل كان شراكة دموية في صراع دموي أودى بحياة الملايين من الأبرياء. الجزائر، التي حافظت على علاقاتها الوثيقة مع نظام الأسد، عارضت بشدة تسليح المعارضة ودعمت النظام في قمع ثوار سوريا، مما جعلها جزءًا لا يتجزأ من آلة القتل التي نكلت بالشعب السوري.
تاريخيًا، قد يرتبط البلدان بعلاقات تاريخية قوية، لكن الجزائر استغلت هذه العلاقات لتبرير دعمها لنظام الأسد، مدعية أنها تسعى للحفاظ على الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، فإن هذا الموقف تعرض لانتقادات واسعة اعتبرت أن الجزائر استفادت من الوضع الذي كان قائما على حساب معاناة الشعب السوري، مما يجعل يديها “ملطخة بدماء” السوريين. إن سلوك الجزائر العدائي ضد الشعب السوري وشراكتها مع نظام بشار المجرم يعكس نفاقًا سياسيًا واضحًا ويطرح تساؤلات حول مصداقيتها في الدفاع عن حقوق الإنسان.
في المقابل، اتخذ المغرب موقفًا متباينًا إزاء الأزمة السورية، إذ ساند الثوار السوريين وقدم لهم الدعم الإنساني والسياسي منذ اندلاعها. وتجسد هذا الدعم في مبادرات مختلفة، منها إنشاء مستشفى الزعتري في الأردن بهدف توفير العلاج للاجئين السوريين. وتعتبر زيارة الملك محمد السادس لمخيم الزعتري الأولى من نوعها لقائد عربي. يعكس هذا الموقف الرؤية المغربية التي تعتبر دعم الشعوب العربية ومساندتها في تحقيق تطلعاتها نحو الحرية والكرامة واجبًا قوميًا.
في ظل التطورات الأخيرة في سوريا، يبدو أن الجزائر تسعى إلى إعادة بناء علاقاتها مع النظام الجديد، لكن هناك شكوك حول إمكانية استعادة الثقة بعد مواقفها السابقة.
من المحتمل أن يبرر المسؤولون الجزائريون موقفهم من خلال التأكيد على العلاقات التاريخية بين البلدين وتعزيز الوحدة والتعاون الثنائي. قد يستخدمون أيضًا مبدأ الاعتراف بالدول وليس الحكومات، والذي يسمح لهم بالتعامل مع السلطات الجديدة في سوريا دون إدانة الماضي. ومع ذلك، قد يواجه هذا الموقف انتقادات بسبب التناقض مع المواقف السابقة تجاه نظام الأسد.
مع تحول سوريا نحو الاندماج في الإجماع العربي، تتراجع علاقتها بمحور الممانعة الذي كانت الجزائر جزءًا منه. يُعتبر تقارب المغرب وسوريا تهديدًا لمصالح الجزائر، حيث تسعى الأخيرة للحفاظ على علاقاتها مع سوريا رغم صعوبة إعادة بناء الثقة بسبب مواقفها السابقة.
تشهد السياسة الخارجية الجزائرية تحولات ملحوظة في الآونة الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بموقفها من سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. زيارة وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، إلى دمشق مؤخرًا، تُعتبر مؤشرًا على هذا التحول، حيث تسعى الجزائر إلى تعزيز علاقاتها مع النظام السوري الجديد برئاسة أحمد الشرع. إلا أن هذه الزيارة تثير تساؤلات حول دوافعها الحقيقية، خاصة في ظل المخاوف الجزائرية من اعتراف سوريا بمغربية الصحراء وسحب دعمها لجبهة البوليساريو.
تُعتبر زيارة أحمد عطاف إلى سوريا، بعد 14 عامًا من دعم نظام بشار الأسد، بمثابة تحول دبلوماسي يثير تساؤلات حول موقف النظام العسكري الجزائري. في الماضي، كانت الجزائر تدعم نظام بشار الأسد بقوة، بينما اعتبرت الثورة السورية مؤامرة ضد الشرعية. الآن، تظهر محاولات للتعامل مع الحكومة السورية الجديدة بعد سقوط الأسد. بعض التحليلات تشير إلى أن هذه الزيارة هي محاولة تكتيكية لإعادة بناء العلاقات وتحقيق مصالح جزائرية في المنطقة. ومع ذلك، يُنتقد هذا التغيير المفاجئ باعتباره نفاقًا سياسيًا.
يعتمد النظام العسكري الجزائري على تحالفات استراتيجية مع الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، وقد كان نظام بشار الأسد أحد أبرز هذه التحالفات. سقوط الأسد شكل ضربةً قويةً للجزائر، حيث فقدت حليفًا استراتيجيًا في المنطقة، مما أثر على موقفها في قضايا إقليمية مثل الصحراء المغربية ودعم جبهة البوليساريو الانفصالية. بالإضافة إلى ذلك، أدى سقوط الأسد إلى إضعاف العلاقات بين الجزائر وروسيا، التي تعتمد عليها الجزائر في تزويدها بالأسلحة.
كانت الجزائر من أبرز الداعمين لنظام بشار الأسد خلال الأزمة السورية، حيث وصفت المعارضة السورية بالإرهابيين ودعمت النظام السوري في المحافل الدولية. لعبت الجزائر دورًا هامًا في تعطيل القرارات التي كانت لصالح الثورة السورية خلال الأزمة. ورفضت أي تدخل عسكري أو تسليح للمعارضة السورية. كما عارضت تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية عام 2011، ودعت إلى رفع التجميد في فبراير 2020.
في عام 2016، أثناء القصف الشديد لحلب من قبل قوات بشار الأسد وحلفائه، بما في ذلك روسيا وإيران، خرج وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة ليحتفل بسيطرة الأسد على المدينة. اعتبر لعمامرة كل من يعارضهم ويقاومهم إرهابيين.
لم يقتصر موقف الجزائر المشين على دعمها لنظام الأسد، بل يتعداه إلى معاملتها القاسية للاجئين السوريين. فقد تم ترحيل العديد من اللاجئين إلى مناطق صحراوية على حدود النيجر، حيث واجهوا ظروفًا قاسية مثل الحرارة الشديدة والجوع والعطش، بالإضافة إلى نقص الرعاية الطبية. هذه الانتهاكات تعكس ازدواجية المعايير في سياسة الجزائر الخارجية، حيث تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان بينما ترتكب انتهاكات صارخة بحق اللاجئين.
كما اتخذ الإعلام الرسمي الجزائري موقفًا متشددًا تجاه الثوار السوريين، حيث وصفهم بالإرهابيين ودعم نظام بشار الأسد. هذا الموقف يعكس التأثير السياسي والتحالفات الإقليمية للجزائر في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، سبق وأن تم وصف الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، بالداعشي، مما يشير إلى تعرضه لانتقادات شديدة من قبل بعض الأوساط الجزائرية.
بالإضافة إلى ذلك, هناك معلومات مؤكدة تفيد بأن جنوداً جزائريين ومرتزقة من البوليساريو قد تم احتجازهم لدى هيئة تحرير الشام في سوريا. هذه المجموعة كانت جزءاً من قوات نظام الأسد في حلب، وقد تم إرسالهم إلى سوريا لدعم النظام السوري تحت إشراف إيراني. تشير التقارير إلى أن هناك حوالي 500 مواطن جزائري قد تم محاصرتهم في حلب، معظمهم ينتمون إلى جبهة البوليساريو المسلحة. كما تم القبض على الجنرال الجزائري طير حمود الذي كان يقود وحدة عسكرية تضم عناصر من الجيش الجزائري والبوليساريو.
وفي تطور غير مسبوق على الساحة السياسية السورية، رفض الرئيس أحمد الشرع طلبًا تقدمت به الجزائر عبر وزير الخارجية أحمد عطاف. كان الطلب يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين من الجيش الجزائري ومليشيات البوليساريو الذين ألقت عليهم هيئة تحرير الشام القبض في محيط حلب. الرئيس الشرع أوضح أن هؤلاء المعتقلين سيخضعون للمحاكمة وفقًا للقوانين الدولية التي تنظم معاملة أسرى الحرب، مما يعكس تحولاً كبيراً في العلاقات بين البلدين بعد سقوط نظام الأسد. كما تشير هذه الخطوة إلى أن سوريا الجديدة تسعى للانحياز إلى قضايا الأمن والسلم العربية الرئيسية، مما قد يعزز علاقاتها مع دول أخرى مثل المغرب.
زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى سوريا لا تهدف أساسًا كما يروج لها النظام الجزائري؛ لتعزيز العلاقات بين الجزائر وسوريا وتقديم دعم سياسي خلال المرحلة الانتقالية. بل ترتبط بخوف النظام العسكري الجزائري من اعتراف سوريا بمغربية الصحراء وسحب الاعتراف بالجمهورية المزعومة، خاصة في ظل التغيرات السياسية الجديدة في المنطقة. وهناك أنباء أن هذه المخاوف دفعت الجزائر إلى محاولة تقديم صفقة للرئيس السوري الجديد، تتضمن تسليم ضباط سوريين هاربين من النظام السابق مقابل الحفاظ على دعم سوريا للبوليساريو.
زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى سوريا لم تحقق النتائج المرجوة، حيث لم تحصل الجزائر على تطمينات أو وعود من السلطة السورية الجديدة بخصوص استمرار دعمها للبوليساريو. هذا الفشل يعكس ضعف الدبلوماسية الجزائرية وسياساتها غير المدروسة، والتي لا تجني سوى الخيبات. كما تعكس زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى سوريا تناقضات السياسة الخارجية الجزائرية وازدواجية معاييرها. وتكشف أن الجزائر تتخبط في سياستها الخارجية، مما يعرضها لمزيد من العزلة الإقليمية والدولية.
في المقابل، لماذا لا تبادر الجزائر للاعتراف بالجرائم المرتكبة ضد السوريين، حيث يُعتبر الاعتذار خطوة أساسية قبل المطالبة بالإفراج عن المحتجزين الجزائريين في سوريا.
لطالما ارتبط اسم الجزائر بما يسمى “محور المقاومة والممانعة”، وهو تحالف تقوده إيران وسوريا الأسد ضم حركات مثل حزب الله والحوثيين. يهدف هذا المحور ظاهريًا إلى معارضة النفوذ الغربي وإسرائيل في المنطقة. ومع ذلك، يرى الكثيرون أن هذا المحور كان يخدم مصالح ضيقة ولا يهدف حقًا إلى مواجهة المخططات ضد العالم العربي والإسلامي.
المفارقة الغربية هنا تكمن في تصريحات الرئيس تبون الأخيرة التي ألمح فيها إلى إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما يكشف عن ازدواجية معايير فاضحة. ففي الوقت الذي تدعي فيه الجزائر الانتماء إلى محور “الممانعة”، فإنها لا تمانع في مد يدها إلى إسرائيل الذي تزعم معارضتها.
كشفت الثورة السورية عن هشاشة المحور الإيراني، الذي كان يروج لشعارات المقاومة والممانعة كستار لتبرير دعمه للأنظمة الاستبدادية. لقد انكشف زيف هذه الشعارات عندما تخلت بعض الأطراف عن مبادئها الأساسية، مما جعلها أدوات في يد القوى الخارجية. اليوم، يتراجع المشروع الإيراني بشكل ملحوظ، حيث تم القضاء على آماله في تصدير نفوذه إلى العالم العربي عبر سوريا، بينما يتهاوى حزب الله في لبنان ويكافح من أجل البقاء.
تسارع الجزائر، التي تعيش حالة من التخبط السياسي، للحفاظ على وجودها في هذا السياق المتغير، مؤجلة سقوطها إلى أجل غير مسمى. ومع ذلك، تبقى أفعالها محكومة بمصالح ضيقة ورغبة في الحفاظ على الوضع الراهن بأي ثمن. إن تحركات الجزائر الأخيرة تجاه سوريا ليست سوى محاولة يائسة لترميم صورتها، بينما تظل أسيرة لتكتيكات البقاء التي لا تجلب لها سوى المزيد من العزلة والانتقادات.
في نهاية المطاف، تكشف تحركات الجزائر الأخيرة تجاه سوريا عن مزيج من التخبط السياسي والبراغماتية المفرطة. بينما تحاول الجزائر ترميم صورتها واستعادة نفوذها في المنطقة، تظل أفعالها محكومة بمصالح ضيقة ورغبة في الحفاظ على الوضع الراهن بأي ثمن. يبقى السؤال: هل تستطيع الجزائر حقًا تجاوز أخطاء الماضي وبناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والاعتراف بالحقائق، أم أنها ستظل أسيرة لتكتيكات البقاء التي لا تجلب لها سوى المزيد من العزلة والانتقادات؟
تعليقات الزوار ( 0 )