لم يكن تتار القرم هم الشعب الوحيد الذي تمّ تهجيره من روسيا سواء على زمن القياصرة أو زمن شيوعية ستالين، فهناك العديد من الشعوب والأقليات الأخرى التي تعرضت للتهجير القسري من أراضيها، بعضها عاد بعد سقوط الدولة السوفييتية، وبعضها لايزال مُبعداً حتى يومنا هذا.
شعوب هجَّرتها روسيا عبر التاريخ.. تهجير الشركس الأديغة
المكان: شمال القوقاز
الوجهة: الدولة العثمانية
الزمان: 1864
يعدُّ الشركس من شعوب بلاد القوقاز الأصليّة، وهم أحد أقدم الشعوب التي دخلت الإسلام في أوروبا.
شهد شمال القوقاز بين عامي 1763 و1864، حرباً استمرت 101 عام بين روسيا القيصريّة والشركس الأديغة، وصنفت تلك الحرب باعتبارها من أكثر الحروب دموية على مر التاريخ وأطولها.
اندلعت هذه الحرب للعديد من الأسباب، أولها أن سكان شمال القوقاز من المسلمين، وثانيها هو أهمية موقع القوقاز، الذي يعتبر صلة وصل بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وكونه طريقاً تجارياً آمناً بين الهند والصين إلى أوروبا، وذلك قبل أن يبدأ الأوروبيون بالإبحار عن طريق رأس الرجاء الصالح وشقّ قناة السويس.
إضافة إلى الموقع الجغرافي المميز، إذ تنتشر في القوقاز الغابات والسهول، وتساعد الأمطار الوفيرة على زراعة المحاصيل على أنواعها، فضلاً عن الثروات الباطنية من البترول والغاز.
أصبحت سياسة روسيا القيصرية أكثر صرامة تجاه سكان شمال القوقاز المسلمين في القرن التاسع عشر، وتحولت مع مرور الوقت إلى حرب ضد شعب هذه المنطقة، راح ضحيتها أكثر من 500 ألف قتيل من الشركس.
عندما أوقف العثمانيون والإنجليز دعمهم عن الشركس، بدأوا بخسارة أراضيهم لصالح روسيا القيصرية بعد صمودٍ دامَ أكثر من 100 عام، كما بدأ الروس بتهجير الشركس الأديغيا باتجاه الدولة العثمانية على متن قوارب متهالكة تسببت بوفاة كثيرين في البحر الأسود.
الفترة الزمنية التي تم التهجير فيها كانت قبل أشهر قليلة من معركة وادي كبادا في سوتشي يوم 21 مايو/أيار 1864 والتي تعتبر آخر معركة بين الشركس والروس والتي أعلن بنهايتها سيطرة روسيا على مناطق الشركس بالكامل.
وبالتالي تحوّل هذا التاريخ إلى يوم الإعلان عن بداية مرحلة جديدة بالنسبة للشركس الأديغة المسلمين وبات يسمى بـ”يوم الحزن الشركسي” أو “يوم الحداد”.
وعندما وصل المهجَّرون باتجاه الدولة العثمانية، بدأت الأخيرة بتوزيعهم على مناطق سيطرتها في الأردن التي كانت المحطةَ الأساسية لهم في بلاد الشام ومن ثم سوريا ولبنان وفلسطين.
يعتقد أنّ نحو 90% من الشركس قد تم تهجيرهم بعد الحرب، ومعظمهم لا يزالون يعيشون في الدول التي هُجِّروا إليها، كما لا تزال روسيا حتى يومنا هذا ترفض الاعتراف بإبادة الشركس وتهجيرهم.
تهجير الشيشان والأنغوش
المكان: شمال شرقي القوقاز
الوجهة: آسيا الوسطى وسيبيريا
الزمان: 1944
في الـ23 من فبراير/شباط 1944، جاءت دعوة من الشرطة السريّة السوفييتية NKVD إلى كبار رجالات قبائل الشيشان والأنغوش؛ من أجل حضور احتفالات يوم الجيش الأحمر.
توجه الرجال إلى مكان الحفل، لكنهم فوجئوا بوجود كثير من الجنود السوفييت يحملون رشاشات آلية ويقفون أمامهم، الاحتفالات كانت مجرد خدعة لإفراغ القرى من الرجال الكبار أصحاب الكلمة العليا هناك.
تمّ حصار الرجال ونزع أسلحتهم، ومن ثم وقف أحد الجنود وقرأ عليهم مرسوماً خاصاً من جوزيف ستالين يأمرهم بالخروج القسري من مناطقهم.
في الأثناء، اجتاحت القوات الروسيّة القرى الشيشانية والأنغوشية وأفرغتها من جميع سكانها ولم تمهلهم أكثر من 30 دقيقة من أجل تجميع متاعهم، وفقاً لما ذكره موقع جامعة Sciences Po الفرنسية الدولية.
ومن ثمّ أودعتهم في شاحنات القطارات وأرسلتهم جميعاً باتجاه المنفى في جمهوريات آسيا الوسطى وأقصى شرقي سيبيريا.
رغم أن الشيشان والأنغوش لم يكونا شعباً واحداً، فإن الديانة الإسلامية التي يؤمنان بها كانت كافية للسوفييت لإخراجهما معاً.
أما سبب التهجير القسري الذي اتُّخذ بحقهما، فكان بعد اتهامهما بالتعاون مع الجيش الألماني النازي خلال الحرب العالمية الثانية.
بعد أن انتشر الشيشان في مناطق المنفى تمت تسميتهم بـ”مستوطنين خاصين” وهو أحد المصطلحات السوفييتية التي تشير إلى فئة معينة من الناس تمّ ترحيلها قسراً من أراضيها الأصلية، لأغراض اقتصادية أو عرقية أو دينية، وهم محرومون من أي حقوق دستورية أو جماعية.
قبل أن تتم عمليات التهجير القسرية وتحديداً في عام 1934، قامت الحكومة السوفييتية بدمج شعبي الشيشان والأنغوش في كيان سياسي إداري واحد سمَّته منطقة الشيشان الأنجوشية المستقلة، التي أصبحت جمهورية اشتراكية سوفييتية مستقلة في عام 1936.
يمثل الشيشان ما يصل إلى 50% من إجمالي السكان من الشيشان الأنجوش، وكانت الغالبية العظمى منهم تعيش في المناطق الريفية وتتبع أساليب الحياة التقليدية.
قدّر مسؤولون سوفييت أنه خلال أعوام النفي التي بدأت من 1944 وانتهت في 1984، هلك ما بين 14.6% و23.7% من المهجرين.
استمر النفي 13 عاماً، حتى عام 1957، عندما أبطلت السلطات السوفييتية الجديدة بقيادة نيكيتا خروتشوف العديد من سياسات ستالين، وضمن ذلك ترحيل الأمم.
عاد الشيشان والأنغوش في نهاية المطاف ليشكلوا الأغلبية في البلاد، ومع ذلك لايزال الاثنان يعتبران يوم 23 فبراير/شباط يوم إبادة جماعية بحقهما، وهو ما اعترف به أيضاً البرلمان الأوروبي في 2004.
تهجير تتار القرم
المكان: أوكرانيا
الوجهة: آسيا الوسطى وسيبيريا
الزمان: 1944
مُنحت شبه جزيرة القرم حكماً ذاتياً باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي عقب ثورة أكتوبر/تشرين الأول البلشفية عام 1917، واحتلها النازيون في أوائل عام 1940 قبل أن يُطردوا منها.
ولكن عندما وصل الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين إلى الحكم، قام بين ليلة وضحاها وتحديداً بين 2 و18 مايو/أيار 1944، بترحيل الشعب التتري بالكامل باتجاه سيبيريا ووسط آسيا.
ووفقاً لما ذكرته مجلة National Geographic، فقد تم إخطار سكان التتار المسلمين بضرورة إخلاء منازلهم ومنحهم مدة 30 دقيقة فقط للبدء بالخروج.
مات ما يقرب من نصف المنفيِّين من الرجال والنساء والأطفال الذين تم تحميلهم على عربات الماشية والبالغ عددهم 200 ألف، في الطريق أو بعد وقت قصير من وصولهم إلى جبال الأورال وسيبيريا وآسيا الوسطى، وأودى الترحيل بحياة من ثلث إلى نصف سكان تتار القرم في ذلك الوقت.
أما نفيهم من منازلهم فكان عقاباً لهم على تعاونهم المزعوم مع ألمانيا النازية التي احتلت شبه جزيرة القرم في الحرب العالمية الثانية.
ويُنظر اليوم إلى يوم ترحيل تتار القرم على أنه رمز لاضطهاد هذه الأقلية العرقية، حتى إن البرلمان الأوكراني أعلن في عام 2015، اعترافه بيوم 18 مايو/أيار على أنه “يوم إحياء ذكرى ضحايا إبادة تتار القرم الجماعية”.
قد يهمك أيضاً: أصلهم تركي وتعرضوا لتهجير قسري على يد ستالين.. مسلمو “تتار القرم” الذين فرضوا ذات يومٍ الجزية على موسكو
تهجير شعب الكالميك
المكان: شمال الشيشان
الوجهة: سيبيريا
الزمان: 1944
تعود جذور شعب الكالميك إلى آسيا وقبائل المغول الغربيّة التي كانت تربي الماشية.
في منتصف القرن السابع عشر، أعطى أمير شابٌّ البيعة للقيصر الروسي واستقروا في سهوب منطقة الفولغا السفلى.
وتعتبر منطقة شعب الكالميك هي الوحيدة في أوروبا التي تعتنق البوذية ديناً على المذهب “التبتية” الذي يُعرف بـ”غيلوغبا”.
تعرض نحو 100 ألف من شعب الكالميك لعمليات تهجير قسرية من قِبل الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول 1943، من أرضهم الواقعة شمال الشيشان باتجاه سيبيريا.
إذ تمّ نقلهم في عربات الماشية إلى مستوطنات خاصة؛ للعمل الإجباري في سيبيريا.
ورغم أنّ أكثر من 23 ألف كالميكي قاتلوا إلى جانب الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية، فإن السوفييت اتهموهم بالتعاون مع ألمانيا النازية، بسبب فيلق مكون من 5000 جندي قاتَل إلى جانب النازيين كان يدعى فيلق “فرسان الكالميك”، وهو السبب الرئيسي الذي دفع السوفييت إلى ترحيلهم من أرضهم باتجاه سيبيريا.
من بين المهجرين توفي ما يقارب 1400 شخص في أثناء نقلهم، أصيب مثلهم بأمراض خطيرة.
تم وضع الكالميك المهجرين تحت إدارة المستوطنات الخاصة في سيبيريا للعمل القسري، وعملوا بشكل روتيني 12 ساعة يومياً.
ووفقاً لما ذكره موقع Russia Beyond، فإن عمليات التهجير القسرية نحو سيبيريا استمرت نحو 13 عاماً، ولم يسمح لهم بالعودة إلى أرضهم حتى العام 1957.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبحت كالميكيا إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية.
تهجير البلقار
المكان: شمال غربي القوقاز
الوجهة: آسيا الوسطى
الزمان: 1944
على غرار الشيشان والأنغوش والكالميك هجّرت السلطات السوفييتية أيضاً كامل شعب البلقار الذي يقطن في شمال غربي القوقاز إلى آسيا الوسطى في عام 1944، والتهمة هي ذاتها “التعاون مع النازيين” خلال الحرب العالمية الثانية.
ترحيل البلقار البالغ عددهم 37713 شخصاً، من قراهم تمّ خلال يوم واحد، وتمّ في يوم 8 مارس/آذار باتجاه جمهوريتي كازاخستان وقرغيزستان السوفيتيين.
البلقار هم شعبٌ تركي يقطن شمال غربي القوقاز، وهم من السكان الأصليين لجمهورية قبردينو-بلقاريا، ويعتبرون شعباً واحداً مع سكان جمهورية قراتشاي تشيركيسيا المجاورة ويتحدثان اللغة ذاتها.
بعد وفاة ستالين، ألقى خليفته نيكيتا خروتشوف خطاباً سرياً في مؤتمر الحزب الاشتراكي، يدين عمليات التهجير التي قام بها سلفه، فأصدر قراراً يسمح فيه للبلقار بالعودة إلى وطنهم.
تعليقات الزوار ( 0 )