تمهيد
يحظى د. عثمان المنصوري في الأوساط الأكاديمية داخل المغرب وخارجه، بتقدير خاص، نظراً لمكانته العلمية الرفيعة، وأبحاثه القيمة والمتعددة حول تاريخ المغرب الحديث والمعاصر وتحديدا التاريخ المشترك بين المغرب والبرتغال، والنصوص والإصدارات البرتغالية التي عربها ونقلها إلى قراء اللغة العربية، وهي مؤلفات لا غنى عنها لكل باحث مختص ولكل قارئ هاو. بيد أنها لا تمثل إلا وجها واحداً لهذا الباحث المقتدر، أما الوجه الآخر، والذي يجهله الكثيرون فلا يقل روعة وبهاء عن سابقه، إنه وجه الأديب القاص، وآية ذلك هذا العمل الذي نحن بصدد دراسته.
إذا كان البحث التاريخي في المغرب قد ربح مؤرخاً حصيفاً، فإن الأدب والفن القصصي على وجه الخصوص خسر فيه ولعقود، مبدعاً أصيلا كان في إمكانه أن يتحفنا لو اختار هذه الوجهة بعطاء ثر يغني رصيدنا الأدبي إبداعاً ونقداً.
وإنه لمن حسن حظنا نحن قراء الأعمال الأدبية أن يتدارك الأمر مؤخراً “فينفلت من الطوق” الذي طالما حاصره، ويعود، والعود أحمد، وبإصرار، إلى هواه الأول. فبعد قطيعة شبه كاملة مع نشاطه الأدبي ها هو اليوم ينشر مجموعة قصصية تحمل عنوانا دالاً على هذا المنحى الحياتي: “الانفلات من الطوق” (2023).
وفي التقديم الذي خص يه إصداره الأدبي الجديد يحدثنا، وبتواضع جم، عن هذه العودة، يقول: “تتضمن المجموعة محاولات تختلف في الشكل والنوع والمواضيع”. أدق بها باحتشام باباً أوصدته مدة طويلة محاولا بها تجلية الصدأ الذي نال من مصراعيه”.
وفي الورقات التالية محاولة لتسليط الضوء على “الانفلات من الطوق”، يتعرف القارئ من خلالها على مضامينها وخصائصها الفنية والجمالية.
السمات والخصائص
تحتوي المجموعة على أربعين قصة تتفاوت من حيث الحجم، أطولها قصة (البيتو) PITO حوالي 24 صفحة، وأصغرها قصة “بالمرة” والتي لا تتجاوز خمسة أسطر، وكما تفاوتت حجماً، اختلف زمن كتابتها، فبعضها يعود إلى زمن البدايات، أي إلى فترة السبعينيات من القرن الماضي، وبعضها الآخر جاء متأخرا وكتب أثناء فترة “جائحة كورونا 2021” وما بعدها. فما هي السمات الرئيسية لهذه القصص وكيف استطاع هذا المبدع الخارج من جبة التاريخ أن يتحف القراء بعمل أدبي متكامل وهادف يجمع بين رسالة الإصلاح والتنوير وبين المتعة الفنية الخالصة.
حضور المجتمع المغربي بمشاكله وتناقضاته
لعل الخيط الناظم بين أقاصيص المجموعة، كونها امتاحت من معين ثر، هو المجتمع المغربي وما يعيشه من تناقضات، وما ينخر جسمه من أدواء ومآسٍ. لقد رصد القاص حالات وسلوكات مشينة، غدت بحكم العادة شيئا مألوفا في حياتنا اليومية. من ذلك:
- قصة الألم والأمل:
ولتكن البداية مع قصة “الألم والأمل” وهي من القصص الأولى التي يعود تاريخ كتابتها إلى سنة 1971، وفيها نلمس بوضوح هذا المنحى المجتمعي والذي سيطبع لاحقاً جل أعماله القصصية. إن الألم والأمل، مقابلة بلاغية لكن الأشد بلاغة أن تكون مقابلة في الحياة أيضا. فجل شخوص “الانفلات من الطوق” تجرعوا كؤوس الألم على قدر متفاوت، وليس من الضروري أن يكون الألم عضويا، فالألم النفسي قد يكون أشد وجعا من الألم العضوي.
تتحدث القصة عن معاناة المواطنين حينما تضطرهم حالتهم الصحية إلى التوجه لأحد المستشفيات العمومية حيث الصفوف الطويلة والزحام الشديد والذي لا يستطيع أقوى الأقوياء الصبر عليه فكيف بمن أنهكتهم العلة. وحينما يأتي دور أحدهم يواجه بسلسلة لا تنتهي من العراقيل، فكثيرا ما كان يواجه بأن الطبيب المختص غير موجود بذريعة أنه يقوم بعملية جراحية لأحد المرضى أو أنه في إجازة وعليه أن يعود في وقت لاحق.
- في انتظار الدقيق
وخلال الفترة الزمنية نفسها يتحفنا القاص بعمل آخر يمتح من نفس المعين: عنوان القصة: “في انتظار الدقيق” وبطلها شخص اصطلحنا على تسميته “طالب معاشو”. يقول عنه الكاتب “كانت تمر عليه أيام وأسابيع وهو جالس على عربته ينتظر أن يدعوه أحد لينقل إليه حملاً من الأحمال دون جدوى، أيام كثيرة قضاها في الانتظار على عربته نائما أو متناوماً في انتظار الحظ الذي لا يبتسم إلا نادراً. (ص 63).
وبحس مرهف شديد الحساسية، يرحل بنا الفنان لنقف معه على سلسلة من المعاناة اليومية لطالب معاشو، فها هو يحصل بعد طول انتظار على كيس دقيق “بيد أن كيس الدقيق ليس إلا مسكناً مؤقتاً بعدها يجب أن يبحث عن عمل يعول به أسرته، وابنه الصغير الذي جاء إلى هذا العالم بالأمس، فم جديد يطلب القوت، وجسد في حاجة إلى الكساء والغطاء، ومن حسن حظه أنه لن يعرف الجوع في أول شهر سيقضيه في الحياة، لكن المسكين سيعرف بعد ذلك ما هو الجوع وما هو الحرمان”. (ص 65).
- حافلة الحياة
أقصوصة: “حافلة الحياة” عبارة عن مأساة إنسانية حقيقية تصور معاناة شخص امتطى حافلة لتنقله إلى مدينة بعيدة سمع أن الشغل بها متوفر وموجود، وخلال هذه الرحلة، كان يزجي الوقت متأملاً في واقعه الأليم والمصير الذي ينتظره “ها هو الآن يقترب من نهاية المطاف وقد وخط الشيب رأسه ولم يخط قلبه، والنتيجة أنه رب عائلة يبحث عن قوتها، طفلان وزوجة وأم، أربعة أفواه مفتوحة تنتظر لقمة الخبز وعائلها الوحيد يبحث عن عمل”. (ص 74).
وتصل الحافلة إلى المدينة، وبعد طول طواف وسؤال واستفسار وصل إلى مكتب تجمهر أمامه خلق كثير وقفوا في طوابير ينتظرون دورهم في الدخول. وحينما سأل أحدهم عما يجري هناك، أجابه:
هؤلاء عاطلون يأخذون المعونة التي توزع على المحتاجين والفقراء” (ص77).
ويمتطي حافلة لتعيده من حيث أتى. ويعاوده التفكير في مشكلته التي هرب منها بضع ساعات ومن جديد أخذ يتمنى حادثة تريحه من التفكير والهموم، وتنقله بسرعة إلى آخر محطات حافلة الحياة. (ص78).
- سووا الصفوف
إن المقصود بهذه العبارة ليس تسوية صفوف المصلين كما قد يتبادر إلى الذهن، لكنها صفوف المواطنين الذين يقصدون بعض الإدارات العمومية لتسوية مآربهم، فيندس بينهم شخص يخرق الصفوف دون مراعاة حق الأسبقية.
وأنقل إلى القارئ الكريم هيأة هذا الشخص كما صورها الكاتب والفوضى التي يخلقها تصرفه بين الصفوف: “كان يمشي في خيلاء بلباس أنيق ونظرات صارمة، وكأنما هو مسؤول كبير يدخل لتفقد أحوال الإدارة، مثل هذا الشخص يريد أن يقضي معاملته بدون اعتبار للصف ومن في الصف”.
ولا تسل عن الضحية التي تعتري الصفوف احتجاجاً على مثل هذه السلوكات”. لقد رصدت عين القاص، بسخرية ناعمة، تفاصيل المشهد، عندما يكتشف الجميع أمر هذا الشخص المهم” والذي كان يتحدث في هاتفه المحمول وبصوت مرتفع ليوهم الناس بأهميته.
“وما هي إلا لحظة حتى أمسكت يد غليظة. بياقة بذلته من خلف العنق وشدته شداً إلى الوراء”. ويتساءل القاص: إلى متى سنظل في حاجة إلى مثل هذه اليد الغليظة لنتعلم كيف نسوي صفوفنا”.
- من فضاء الأسرة إلى فضاء المقهى
حرص المؤلف على اختيار الفضاء الأسروي مدخلاً ومجالاً لمجريات أحداث قصصه. ويتشكل الفضاء الأسروي عادة إما من:
1- الزوج والزوجة كما هو الحال في القصص التالية، “كم سأعيش لك”، “سعداتها”، “من الأهم”، “القرعة” (ص 118).
2- أو من الأم وابنتها كما في قصة “يا عاقد الحاجبين”. (ص16).
3- أو من الأب وابنه: كما في “قصة زمن جحا الذي ولى” (ص 23)، والأب وأبناؤه الثلاثة كما في قصة “ميسي زمانه” (ص 34).
4- أو الجد وحفيده كما في قصة: ضعف الصافع والمصفوع (ص.123).
وفضلا عن الفضاء الأسروي هناك فضاء المقهى وتعبر عنه قصة “رباعة المقهى” (ص 82) وقصة “كلمتان لا غير” (ص 85). والبيتو ص (129).
توظيف اللغة من أجل السلاسة وإضفاء المصداقية:
- الحاج والحاجة
من الظواهر المألوفة في المجتمع المغربي أن يسبق لفظ الحاج والحاجة الاسم الخاص لكل من أدى فريضة الحج من الجنسين، بل إن الاسم الشخصي قد يتوارى فلا ينادى الشخص إلا بهذا اللفظ.
وفي القصة الأولى من المجموعة والمعنونة بـ: كم سأعيش لك” نلتقي ومنذ الأسطر الأولى بالحاجة حليمة وزوجها الحاج محجوب. ويتكرر اسم الزوجين، في القصة الثانية المعنونة بـ: “سعداتها”. وفي قصص أخرى يسلمنا الحاج محجوب والحاجة حليمة إلى حجاج آخرين:
الحاج إدريس- والحاج علي- الحاج الطاهر- والحاج الحسين- الحاج مفتاح – الحاج العمراني- الحاج بوشعيب.
إن حرص القاص على تسمية شخوص قصصه بالحاج والحاجة، ينسجم مع حسه التاريخي. ذلك أن المجتمع المغربي يمنح كل من أدى فريضة الحج اعتباراً خاصاً نظراً للصعوبات والمشاق التي كان الحجاج يلاقونها وهم في طريقهم لأداء هذه الفريضة.
- تعابير معتقة من اللسان المغربي الدارج
ومن الخصائص التي تميز مجموعة “الانفلات من الطوق” اختيار القاص لتعابير وألفاظاً معتقة تجري اليوم على ألسنة الناس، بيد أنه سيأتي زمن لا محالة تغيب فيه العديد منها لتحل محلها تعابير أخرى، من هنا كان حرص القاص على توثيقها انسجاماً مع حسه التاريخي المنيع كما سلف الذكر. وهناك في المجموعة أمثلة كثيرة على ذلك، ومن بينها:
– الله يحفظني وينجيني ويبعد عليّ البلا والباس، وعينين الحساد بحالك. – الله يعمرها دار.
– اغبور هدي. – ماكاين ما بوغبور. – مرضي الوالدين. – والله حتى نوريه وجهو فالمرايا – الاولى عفو، والثانية عفو، والثالثة عليها نتناتفو. – اعتقتينا من واحد الحصلة كبيرة. – اش كاين؟ فرقوا الجوقة، وبدلو ساعة باخرى. – القوالب، كيف جيتك. – هاي هاي على كذبة، بارك من الوش – تهلاي في الوالدين – ياك لاباس – لا والو باس – طالب معاشو- سعداتها – يوم التخمال- هو اللول – المزوق من برا أش اخبارك من الداخل – طالبين ضيف الله – هانا جايك للكلام – غرفي من الرضى – احنا ما نزيدكم غير هنية – ما تدير خير ما يطرا باس – أشنو قلتيلو – اسكتو باركا من الليو – يخرج الطرح بسلام – التهللو – العكوسات – عتقوا الروح اعباد الله – الوالدين هما الخير والبركة – الطْميس – التنبار – دواير الزمان – فمك يلحسو كلب -رباعة (المقهى)
نكهة خاصة بطعم السخرية الناعمة:
إنها تلك الروح الفكهة الثاوية بين سطور قصص “الانفلات من الطوق”، إذ لا تكاد تخلو قصة من قصصها من لمسة فكاهية هنا وهناك، نلمس ذلك، إما في مشهد من المشاهد الحدث أو في حوار من الحوارات. وتبلغ هذه الروح الفكهة مداها في خاتمة بعض القصص إذ تنتهي عادة بمفاجأة غير متوقعة أو بملحة أو مستطرفة، تزيح عن القارئ عناء الأيام وثقل الليالي.
- “كلمتان لا غير”
من أحلى قصص المجموعة قصة “كلمتان لا غير”. كانتا سبباً في خلق فوضى عارمة في مقهى الأمل، راح ضحيتهما أستاذ مادة اللغة العربية، ولأمر ما جعله الكاتب أستاذاً للغة العربية. ترى ما سر هاتين الكلمتين اللتين أشعلتا حرباً شعواء داخل المقهى؟ لن نتعرف على السر إلا في نهاية القصة.
الحدث الرئيسي جرى في مقهى الأمل، ففي ركن من أركانها وحول إحدى طاولات، جلس أربعة أصدقاء يتبادلون الحديث في انتظار مشاهدة مبارة في كرة القدم ستنقلها التلفزة.
وكان من بين الأصدقاء الأربعة الحاج بوشعيب وهو الشخصية المحورية في القصة، وصفه الفنان بأنه كان ذا بنية قوية، جهوري الصوت، وكان يتحدث بصوت مرتفع غير مبال برواد المقهى، ويتبع حديثه أحياناً بضحكات مجلجلة، وغالبا ما كان يتحدث عن نفسه وعن حكاياته التي لا تنتهي. وبحبكة فنية متماسكة يحملنا القاص إلى أروع مشاهد القصة.
يقول الكاتب إنه إلى هنا والحكاية تبدو طبيعية، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، ففي لمح البصر انقلبت الأحوال فجأة، فالطاولة التي كان يجلس حولها الأصدقاء الأربعة طوح بها الحاج بوشعيب في الهواء، وارتمى على أحد أصدقائه، الأستاذ زهير أستاذ اللغة العربية وأمسك بتلابيبه صارخا هائجا يكيل له الضربات وهو يرغي ويزبد، ولم تفلح محاولة بعض الجلساء تخليصه من قبضته إلا بصعوبة بعد مغادرة الحاج بوشعيب المقهى.
ماذا حدث، ما السبب الذي جعل الحاج بوشعيب يفقد أعصابه بهذا الشكل الجنوني؟ والحال أن الضحية رجل هادئ خلوق، مسالم، ضعيف البنية، قليل الكلام وهو نفسه لم يصدق ما حدث له.
وبعد أن استراح الضحية واستعاد أنفاسه عقب شربه كأس ماء، سأله بعض أصدقائه عن سر ثورة الحاج بوشعيب وغضبه، أجابهم أنه هو نفسه لا يعرف ماذا حصل وكل ما يعرفه أنه أثناء حديث الحاج بوشعيب عن طفولته، وظروف معيشته القاسية، وكيف اعتمد على نفسه ليتابع تعليمه، لاحظ أن سيرة الحاج بوشعيب تشبه سيرته، فأراد أن يعبر له عن ذلك مبتدأ كلامه بـ هاتين الكلمتين: (أنتَ مثلي) لكن الحاج بوشعيب لم يتركه يكمل كلامه ليهاجمه بدون هوادة. وكان ما كان.
إذن، هما كلمتان فقط كادتا أن توديا بحياة أستاذ اللغة العربية: “أنتَ مثلي”.
ولا يحتاج القارئ إلى كبير ذكاء لمعرفة التورية البلاغية الكامنة في العبارة. عندما أطلعت بعض الأصدقاء على هذه القصة انفجر لتوه ضاحكا. وكذلك سيفعل كل من قرأ هذه الأقصوصة.
- في الله
وبلمسات فنية عذبة، شديدة العذوبة يسلمنا المبدع إلى قصة أخرى تتشابه مع القصة الأولى في بنائها الفني حيث تنتهي هي أيضا بكلمتين تلخصان مجرى الحدث.
القصة عبارة عن حوار جرى بين فتى وفتاة أحلامه، خلاله أثنى الفتى على أخلاق وطيبة رفيقته لترد عليه بابتسام: شكرا أخي. لكن الفتى كان يطمع في أكثر من أخي هذه، قالت شكرا أبي- لم ترقه هذه أيضا ، أبي. قال لها: أطمع أن تقولي شكرا يا حبيبي أجابته بابتسامة أيضا: شكراً يا حبيبي. فرح بالأمر، لكنها أردفت يا “حبيبي في الله”.
وعلى هذا المنوال الطافح بالفكاهة، تجري أحداث قصص أخرى، أكتفي بالإشارة إلى عناوينها وأترك للقارئ أن يستمتع بأجوائها المرحة. مثل قصة “كيف حدث هذا”- و”من الأهم”- و”النظارة” (ص 31) و”هدنة الهدن” و”واش نسلم”- وقصة “سعداتها” وقصة “ما تدير خير”.
إن “الانفلات من الطوق” تزخر بهذه الروح الفكهة المعتقة أنستنا محاولات بعضهم خلق مستملحات سمجة لا تحرك فينا ساكنا. ولعل في شخصية مبدعها وكما لمسنا ذلك خلال تعرفنا عليه ميل طبيعي إلى هذه الروح المرحة.. البعيدة عن كل تجهم مصطنع.. وأغلب الظن أنه قرأ في صباه قصص الجاحظ وحكايات “جحا” وليس عبثا أن تحمل إحدى قصص المجموعة “زمن جحا الذي ولى”. ويبدو أن ممارسته فن الرسم الكاريكاتوري في الزمن الجميلَ -وكما قرأت- كان له أثره العميق في صقل شخصيته الخاصة وشخصيات قصصه المطبوعة بهذا الميسم.
العالم الداخلي لشخوص “الانفلات من الطوق”
لعل القاسم المشترك بين شخوص قصص المجموعة، هو هذه العناية الفائقة التي أولاها الكاتب لرصد عوالمهم الداخلية، إذ قلما نجد وصفا لعالمهم الخارجي، وعادة ما يكتفي القاص بتقديم الشخصية من خلال الاسم الذي تحمله. ربما انطلاقا من أن حقيقة المرء وجوهره هو ما يموج ويعتمل في داخله. لا ما يظهر على السطح من أفعال وتصرفات.
لقد سبر المؤلف أغوار شخصياته، فبدت أمامنا شخصيات حية، قلقة، مهمومة، متوترة، لا تطمئن إلى شيء. خاصة في لحظات فارقة في حياتهم عندما تجبرهم الحياة على مواجهة حالات لم يكونوا يتوقعونها.
ومرة أخرى تكشف “الانفلات من الطوق” جانبا آخر من شخصية المؤلف المطلع على خبايا النفس البشرية، الخبير بما يعتمل فيها من تناقضات وأهواء.
- هدية رأس السنة الجديدة
ومن قصص المجموعة والتي تعكس القدرة الفائقة لمبدعها على الحكي والإثارة والتشويق وسبر أغوار النفس البشرية قصة “هدية السنة الجديدة”؟، وبطلها شخص توصل برسالة من شخص مجهول، اعتقد قبل فضها أنها قد تكون تهنئة من أحدهم بمناسبة رأس السنة الجديدة، لكنه صُعق حينما قرأها. إذ وجد أنها تهديد بقتله. أما سبب التهديد بالقتل فيعود إلى أنه تزوج بالمرأة التي يحبها، وحدد له فاتح السنة الجديدة لتنفيذ تهديده.
وتتوالى أحداث القصة، لتذكرنا بأفلام هيتشكوك أو روايات أجاثا كريستي ومعها يزداد شوق القارئ لمعرفة النهاية. ليصف الكاتب وببراعة نادرة المثال الحالة النفسية التي يعيشها بطل القصة.
ومضت ثلاثة أيام على توصله بالرسالة دون أن يهدأ لحظة واحدة عن التفكير، وبعد أن كان في البداية يتساءل عن هوية الشخص المجهول، أصبح تفكيره محصوراً هل سينفذ تهديده أم لا؟ ومتى وكيف سينفذ تهديده (ص 48) ويكبر قلقه ويزداد توتر أعصابه، وهو يستعرض وجوه من يعرف، فربما كان أحد أصدقائه في العمل، وربما كان هذا الشاوش الذي يأتي ويذهب بالحاجيات، وقد يكون بائع الحليب، وقد يكون شخصاً غريبا عنه. حتى الطريق أخذ يخشى عبوره، فربما حاول هذا المجهول أن يدهسه بسيارة أو أن يطعنه بخنجر أو يسط عليه حجرا ثقيلا، وربما استقبله في منزله برصاصة”.
لكن المفاجأة التي لم يكن يتوقعها بطل القصة ومعه القارئ والذي كانت انفعالاته هو أيضا تزداد حدة كلما أوغل الفنان في تصوير الحالة النفسية لبطله. أقول كانت المفاجأة أن من كتب الرسالة هي زوجته. نعم زوجته. ولما سألها عن السبب الذي جعلها تفعل ذلك أجابته:
“إنني بصدد كتابة قصتي الجديدة، وقد اخترتك بطلا لها، وأردت أن أدرس انفعالاتك وتأثرك وموقفك من الرسالة، وعلى ضوء تصرفاتك كتبت قصتي الجديدة التي ستكون هديني إليك بمناسبة السنة الجديدة”. (ص 54).
حقا إنها قصة جديرة أن تتحول إلى فيلم سينمائي إذا ما قدر لها أن تجد مخرجا ضليعاً يعرف كيف يستثمر بواسطة الكاميرا المناخ العام الذي تجري فيه أحداث القصة.
- خطوط الطاقة الملونة
تنتمي هذه القصة إلى ما يصطلح عليه قصص “الخيال العلمي” بطلها شخص يدعى “الهاني”. كان مهووساً بتتبع كل ما يستجد في مجالات العلم، من ذلك ما توصل إليه بعض العلماء من أن جميع الناس يملكون طاقة تؤثر على من حواليهم، هي أشبه ما تكون بالإشعاع غير المرئي. وهذه الطاقة إما أن تكون إيجابية فتضفي السعادة والحبور والحظ على الآخرين، أو تكون سلبية فتؤثر على نفسيتهم وتصيبهم بالإحباط والحزن”.
ويقود اهتمام “الهاني” الشديد بهذه القدرات الخارقة للعادة.. إلى سلسلة طريفة من الأحداث. تمكن القاص من عرضها بأسلوب مشوق جذاب، حرصنا نحن القراء على تتبعها من البداية إلى النهاية.
وعندي هذه القصة مثل قصة: هدية السنة الجديدة، جديرة بأن تتحول إلى فيلم سينمائي.
قصص ذات بعد فلسفي
- قصة الوجه الضائع
ذكرتني هذه القصة بتعبير في اللسان المغربي الدارج يفوه به المرء في حالة غضبه على شخص أخر “والله حتى نوريه وجهو فالمرايا”.
وكثيرا ما تساءلت عن معنى هذا المثل، وهل نحن في حاجة إلى من “يورينا وجهنا في المرآة” ألا تعكس المرآة وجهنا بمجرد النظر إليها؟ ووجدت في قصة “الوجه الضائع بعض التشابه.
تتحدث القصة عن شخص استيقظ ذات صباح متوجها كعادته إلى الحمام من أجل حلق ذقنه، لكنه ما كاد يقف أمام المرآة الحائطية حتى تسمر في مكانه مذهولا متعوذا بالله من الشيطان الرجيم فالمرآة الحائطية لم تعكس صورته، مسح عينه وفركهما وأعاد النظر في المرآة ليتأكد من هذه الحالة. وخرج من المنزل إلى الشارع العام فرأى الأشياء كما عهدها، تبادل التحية مع نادل المقهى وكلمه ليتأكد من أنه ليس شبحاً. وقرر زيارة طبيب العيون، وكانت النتيجة سلامة عينيه من أي مرض عضوي، وعندما اشتكى الأمر إلى أحد أصدقائه نصحه بزيارة طبيب نفسي. وبعد سلسلة من الأسئلة اكتشف الطبيب أنه شخص انعزالي فقال له مازحاً: لا عجب أن لا ترى نفسك في المرآة، فلا أحد يراك في الخارج أنت بالنسبة للآخرين مختف والمرآة تعكس رؤية الآخرين لك”.
يبدو أنه اقتنع بهذا التحليل، فالحياة التي يحياها موت بطيء وعليه إذا أراد أن يرى وجهه في المرآة، (مرآة الآخرين) أن يغيرها وينفتح على الآخر.
ترى هل ثمة من تشابه بين هذه الأقصوصة وبين المثل المغربي “والله حتى نوريه وجهو في المرايا”. وفي المجموعة قصص أخرى، أحسب أنها ذات بعد فلسفي أكتفي بذكر عناوينها: قوقعة مع الريح- القنطرة- للنمل شؤون أيضاً- ابتعدي انزاحي.
مسك الختام : قصة “البيتو” Pito
سأتناول هذه القصة بشيء غير قليل من التفصيل لما لها عندي من مكانة خاصة. فمن نحو، لأن حدثها الرئيسي جرى في مدينتي القصر الكبير والعرائش، ثم إن أحد شخوصها له صلة بنسبي العائلي “الشريف العسري”، ومن نحو آخر لطرافة الحدث وجدته، والحيوية الفائقة التي تناول بها القاص سرد حدثها المحوري. تقرأها فتشعر أنك تعيش أطوار مجريات حدثها يوما بيوم وساعة بساعة ولحظة بلحظة. وطرافة موضوعها تعود إلى أنه ولأول مرة سيتم تنظيم بطولة في لعبة (البارتشي Parche)[1] بين مدينتي العرائش والقصر الكبير على غرار المباراة التي تجري في لعبة الشطرنج.
- نفحات من سيرة ذاتية
جميل جدا أن يزاوج القاص بين محطات من سيرته الذاتية وبين ما هو من نسيج الخيال، فمنذ الأسطر الأولى من القصة يطلعنا على محطة من سيرته الذاتية، يقول الكاتب: “تعود أحداث هذه القصة إلى منتصف سبعينات القرن الماضي، في الفترة التي كنت فيها أستاذا للاجتماعيات بمدينة العرائش- وبمعية مجموعة من الشبان المتشبعين بالحماس والحيوية، تمكنا من خلق دينامية كبيرة في المدينة بواسطة مجموعة من الأنشطة المختلفة أذكر من بينها، إنشاء نادي السينما، ونادي الشطرنج والعمل النقابي وتنظيم الرحلات والمحاضرات والمقابلات الرياضية وغيرها.
وفي صفحة أخرى، وفي نفس السياق، من سيرته الذاتية يقول (ص 31) “وفي سنة 1975 أو السنة التي تليها خطرت لي فكرة اقتبستها من لعبة الشطرنج التي كنت رئيسا لناديها بالمدينة، لم لا ننظم بطولة في البارتشي على صعيد المدينة. وبما أن بعض أفراد هذه المجموعة كانوا من القصر الكبير فقد ألحوا على أن تنظم بطولة بين العرائش والقصر الكبير”. وكان من الضروري قبل إجراء المباراة النهائية أن تنظم جولات لاختيار بطل كل مدينة على حدة.
وبعد الجولات التمهيدية التي جرت بين المتسابقين في كل من القصر الكبير والعرائش أسفرت النتيجة عن انتصار خاي أحمد الروبيو ممثلا للعرائش، والشريف العسري ممثلا للقصر الكبير.
- لقطات ومشاهد طريفة
وفي القصة لقطات ومشاهد طريفة أضفت عليها حيوية ومسحة شديدة الواقعية، فكأننا نشاهد مباراة حقيقية في لعبة البارتشي. ولسنا أننا أمام عمل هو وليد خيال مبدع خلاق. وآية ذلك أن كاتب هذه السطور سأل أحد معارفه عن هذا الشريف الذي غدا بطلا ممثلا لمدينة القصر الكبير في لعبة البارتشي. فدلوه على أحدهم اعتقادا منهم أنه هو المقصود. وتلتقط عين المبدع أدق التفاصيل المرتبطة بهذه المباراة قبل إجرائها وأثناءها والأجواء التي رافقتها، عن الإعداد القبلي لهذه المباراة، يقول الكاتب: لم يكن الإعداد سهلا، لكنه تطلب منا ساعات من التدقيق والتمهيد، كان علينا أن نضع تصورا مضبوطاً لجميع مراحل المسابقة وأن نعد قانونا تنظيميا شاملا تلافيا لأي مشكل قد يطرأ أثناء المقابلة (ص132).
وتنقل عدسة الفنان الجو العام الذي كانت تجري فيه المسابقات التمهيدية وحالة الجمهور المتفرج “فمع مرور الأيام بدأت هذه اللقاءات تحظى باهتمام الساكنة وصاروا يتناولون أخبارها ويأتون أولا بأول لمتابعة المقابلات، التي لم تعد “مقهى البارتشي في العرائش” ولا النادي في القصر الكبير قادرين على استيعاب المتتبعين لها. وكان اللقاء النهائي حاسما في المدينتين وتابعه عدد كبير من المتفرجين الذين لم يجدوا مكاناً لهم فاضطروا إلى الوقوف خارجاً وأحضروا من المقهى طاولات إضافية حشر بعضها في الداخل ووضع الباقي خارجاً بجوار المقهى، وتكفل بعض الحاضرين بتبليغ من هم في الخارج بأهم ما يطرأ على سير المقابلات”. (ص 135)
- بطلان من العرائش والقصر الكبير
أسفرت المقابلات التمهيدية بين المتنافسين على انتصار خاي أحمد الروبيو في العرائش والشريف العسري في القصر الكبير.
ونشرت بعض الصحف تقارير من مراسليها حول هذه المسابقة التي تجري لأول مرة في المغرب، ومنها صحف اسبانية بعث ليها مراسلوها في المغرب تقارير إخبارية عنها”. (ص 135).
هذا عن المسابقات التمهيدية، أما عن جو المبارة النهائية بين اللاعبين الفائزين فيصف المبدع بكثير من الدقة حالتهما النفسية فخاي أحمد الروبيو ممثل مدينة العرائش: “كان واضح التوتر، سريع الحركة لا يهدأ على كرسيه ويتأمل الحاضرين حوله مستمتعا بوجود هذا الحشد الكبير من الناس، أما الشريف فكان على العكس منه هادئا مفرط الهدوء يتأمل الرقعة بتركيز شديد تعلو وجهه ابتسامة خفيفة”. (ص 139).
وجرت المبارة النهائية على ثلاث مراحل تمكن خاي أحمد الروبيو من حسم نتيجة المرحلة الأولى فيها لصالحه. ويصف المبدع الحالة النفسية للشريف بعد هزيمته في الجولة الأولى، “أحس الشريف بإحراج كبير وهو الذي لم يتعود على الهزيمة وله باع طويل في اللعبة، وبدا التأثر واضحاً على ملامحه وطلب من المنظمين أن يكون اللعب “بالبرميل” تفادياً لكل تلاعب بالنرد. وبعد استراحة بدأت أطوار المباراة الثانية، وكانت قوية وبندية كبيرة بين الرجلين وانتهت بعد ساعة وربع بفوز الشريف، حيث تنفس الصعداء واستعاد ثقته بنفسه.
ويصور الفنان بدقة متناهية هذا المشهد الطريف حينما طلب الشريف مشروباُ، فسارع أحد القصريين لتلبية طلبه وأحضر له كأس شاي بالنعناع ومعه قطع ساخنة من “التشورو”. فيما طلب الروبيو من أحدهم إحضار بوكاديو مع مشروب غازي. وكان له ما أراد.
- مقابلة التعادل !
يقول عنها الكاتب، جرت هذه المباراة في العرائش ودامت ساعة ونصف، ابتسم الحظ خلالها للشريف فأحرز على النقطة الحاسمة، لينهض واقفا متهلل الوجه معلنا عن انتصاره ومعه نصف الموجودين من القصريين الذين التفوا حوله يعانقونه ويهنئونه، فيما جلس الروبيو جالساً ساهماً غير مصدق لهزيمته الثانية على التوالي وهو البطل الذي لا يشق له غبار في هذا المضمار”. (ص 141).
- طرافة العرض وحالة من الاستياء تسود ساكنة العرائش
بعد هزيمة الروبيو أمام خصمه سادت حالة من الاستياء سكان العرائش، فمنهم من اعتبر انهزام العرائشيين في عقر دارهم إهانة، ومنهم من أشاع أن الشريف كان يتمتم بأدعية عند القيام بأي حركة ومنهم من ادعى أنه يضع تحت صدره حرزا حصينا، وهناك من أوصى بإطلاق البخور في منزل الروبيو لتطهيره من العين وتوزيع الصدقات على بعض مساكين المدينة وبعث بعضهم بالشمع إلى ضريح للا منانة التماسا لبركتها وكذلك فعل البعض في القصر حيث ألحوا على الشريف أن يذهب إلى ضريح مولاي علي بوغالب للتبرك وطلب الفوز على خصمه. والأكثر طرافة أن خطيبي الجمعة في المدينتين ركزا في خطبتهما على ضرورة الالتزام بقيم التسامح والأخوة والعناية بالجار والدعاء بالتوفيق لممثلي المدينتين.
- مباراة الحسم: “البيتو” وحده سيد الموقف
وفي اليوم الموعود، والذي سيتقرر فيه تحديد البطل، ونظرا لأهمية المقابلة حرص باشا العرائش على حضوره الشخصي لتتبع المقابلة الحاسمة، وتطلب وصول اللاعبين إلى الخانة النهائية أكثر من ساعة، وبلغ توتر الجميع أقصاه. حين وصل اللاعبان إلى قمة التساوي، فكل واحد من اللاعبين أوصل قرصه إلى مدى نقطة واحدة وبحصوله عليها ينهي المقابلة لصالحه ويحصل على البطولة. فـ”البيتو” Pito إذن هو الذي سيقرر مصيرهما وتكررت المحاولات خمس مرات وبدا القلق واضحاً على وجه الباشا حينما أخبروه بأن رجال الأمن وجدوا صعوبة شديدة في ضبط الأمن لدى الجمهور وأن انتصار أحد اللاعبين سيؤدي لا محالة إلى حوادث يصعب التحكم فيها، واقترح على المنظمين إعلان التعادل. وبما أن قانون اللعبة المسطر لا يسمح بذلك، اقترح إضافة بند إضافي في قانون المسابقة وهو: في حالة عجز الطرفين عن الحصول على النقطة الحاسمة في خمس مرات متتالية يعتبر اللقاء تعادلا.
ويعلق القاص على هذا الحل قائلا: لقد أظهر الباشا بهذا المقترح أنه بإمكان رجال السلطة صنع المعجزات.
على سبيل الختم
ليس من قبيل الإطراء المجاني القول “إن الانفلات من الطوق يعد نقلة نوعية في مسيرة الدكتور عثمان المنصوري العلمية الغنية بالعطاءات الثرة. وأخاله، وقد تخلص من طوق وهب له زهرة عمره، استشعر أنه لم يقل كلمته بعد، فمجال البحث التاريخي، رغم أهميته وسعته هو أضيق من أن يستوعب كل ما يجوس بخاطره من رؤى وأحلام.
إن ما سطره من صفحات تستنطق ماضي هذه الأمة، أمر جدير بكل تقدير. لكن حاضرها هو أيضا في مسيس الحاجة إلى من يكشف عن أدوائها، وإصلاح ما اعوج من سلوك أفرادها: إنها رسالة آمن بها وأخلص لها، وسجل خطوطها عبر صفحات “الانفلات من الطوق” الصادرة سنة 2023.[2].
وأخيرا وليس آخرا فإن د. عثمان المنصوري لم يكن من الذين لاذوا بالصمت أو كرروا أنفسهم بعد أن أحيلوا على المعاش، وتخلصوا من عبئ المسؤوليات، وإنما راح يبحث عن آفاق جديدة يستخلص منها معنى لوجوده.
[1]– الاسم الصحيح لهذه اللعبة هو Parchis كما هو مثبت في دائرة المعارف الإسبانية، وليس Parche كما ينطقه ساكنة شمال المملكة.
[2]– وأنا بصدد تهيئ هذه الورقات، أهداني مشكوراً د. عثمان المنصوري مجموعته القصصية الثانية المعنونة بـ “كرسي الزعامة” والصادرة (2024).
تعليقات الزوار ( 0 )