يعتبر موضوع التقطيع الترابي من بين أهم المواضيع التي استأثرت باهتمام الرأي العام الوطني والباحثين بجميع أصنافهم ،وهذا الموضوع الذي أثار جدلا واسعا بين تيار يعتبر أن التقطيع الترابي تم وضعه بطريقة سياسية ضيقة ،وتيار يؤكد أنه جاء وفق لمساطر تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية للجماعات و الأقاليم والجهات ،وإذا كان نظام الجهوية بالمغرب عبر تراكماته القانونية لم يحد من المهام الكبيرة للدولة حيث ازدادت وظائف الدولة وبالتالي فإن كل من نظام الجهوية المتقدمة والديمقراطية المحلية لم يحد من الثقافة الدولتية وهيمنة المركزية حيث أن الوحدات المجالية بالرغم مع أنها تجسد التنوع والاختلاف داخل الوحدة الوطنية وتشكل روافد لوحدة التراب الوطني ،1إضافة إلى توفر المغرب على معطيات جغرافية من خلال موقعه الاستراتيجي في أفق شمال غرب أفريقيا بتوفره على شريط ساحلي طوله 10850كلم مربع وكذا مؤهلات بشرية (عدد السكان يصل إلى 40 مليون نسمة 61/ سكان نشيطون )،2 بالإضافة إلى الهوية الجماعية المغربية المتنوعة ذات الجذور الامازيغية والعربية الإسلامية واليهودية والإفريقية ، كل هاته الخصوصيات المتميزة ومع ذلك لم تستطع الجهوية أن تغير من بنية الدولة وتجعلنا أمام براد يغم دولة الجهات مبنية على تقسيم ترابي ينبني على الإدماج الاقتصادي والثقافي ويحقق لنا توازنا بين الموارد ووسائل الإنتاج والبنية الاجتماعية .3
وسوف أحاول أن أطرح قدر الإمكان إشكالية التقطيع الترابي في علاقتها بالجهوية وسياسة إعداد التراب الوطني والتصميم الجهوي ودوره في ترسيخ آليات الحكامة الترابية.
النقطة الأولى: التقطيع الجهوي والجهوية بالمغرب
النقطة الثانية سياسة إعداد التراب الوطني ودورها في ترسيخ آليات الحكامة الترابية.
1- التقطيع الجهوي والجهوية بالمغرب
اهتم الجغرافيون منذ عهد الحماية بمسألة التقطيع الترابي وعملوا وبالأخص التقطيع الترابي الجهوي وعملوا على تقسيم التراب المغربي إلى عدة جهات استنادا إلى معايير ومرجعيات جغرابية مختلفة تعكس في الواقع إشكالية التحديد المجالي الدقيق لحدود الجهات ومجالها الترابي ونذكر من هؤلاء الباحثين جون سليري هذا الباحث الذي قام بمراجعة التقسيم الذي اقترحه هاردي سنة 1922إذ أضاف جهتين جديدتين وسط المغرب وجبال الأطلس ليصل عدد الجهات إلى ثمانية ونجد كذلك الباحث رانيال الذي اقترح سنة 1952تقسيما جهويا مستمدا من نمط العيش فهذا الباحث حاول أن يوظف معطيات أعطيت فيها الأسبقية لمعايير تهيئة المجال القروي وتشكيل المشهد من هذا المنظور عرفت الجهة بكونها مجموع الظواهر البشرية التي ترتبط بعلاقات محددة داخل إطار مجالي .4
نجد كذلك بيغات في تحديد حدود الجهات الذي اعتمد على الاستقطاب الجغرافي فقد اعتمد على التجاذبات والإشعاعات والتدفقات التي تهيكل عبرها المدن مجالها الجهوي والمحلي بغية تحديد مجالات متجانسة وظيفيا وانتهى به المطاف إلى تقسيم التراب الوطني إلى تسع جهات .5
مما سبق نستنتج على أنه بالرغم مع أن الباحثين الكولونياليين اهتموا بالتقسيم الجهوي انطلاقا من محددات مختلفة تبدو في أغلبها وبالرغم من واقعيتها يسيطر عليها منطق هيمنة الاستعمار المبني على الاستغلال والتفاوتات المجالية ،كل هذا جعل المغرب المستقل يرث مجالا جغرافيا تطبعه التفاوتات والتباينات بين المناطق التي رسمها الاستعمار.
إن التخلص من المغرب النافع والمغرب الغير النافع التي تبناها المستعمر في تعامله مع المجال باعتباره مجالا للتأطير القانوني والاقتصادي والاجتماعي كان الهدف منه الأساسي هو توحيد البلاد وضمان الاستقرار باعتباره مدخلا لإرساء أسس حديثة تسمح بمباشرة الإشكاليات التنموية .6
كل هذا جعل الدولة تراهن على إشكال التدبير المجالي لتنفيذ توجهاتها الاقتصادية والأمنية رغبة منها في فرض هبة الدولة ، وبعد الاقتناع بعدم قدرة الإقليم على تحقيق توازن مجالي واقتصادي واجتماعي انصب الاهتمام على التقسيم الجهوي سعيا وراء تصحيح الاختلالات التي تطبع التراب الوطني ،وكانت أشكال التقسيم الجهوي على الشكل التالي7:
- سنة 1971 تم تقسيم المغرب إلى تسع جهات وهي :
- الجهة الوسطى الشمالية
- الجهة الوسطى الجنوبية
- الجهة الشرقية
- جهة تانسيفت
- الجهة الشمالية الغربية
- الجهة الجنوبية
وقد اعتمد هذا التقسيم على المعايير التالية: - المعيار الديموغرافي
- المعيار الطبيعي
- معيار البنية التحتية
- وقد تم تغييب المعيار التاريخي والاجتماعي
- أما التقسيم الجهوي لسنة 1997فقد تم تقسيم التراب الوطني إلى ستة عشر جهة واعتمد على المعايير التالية :
- المعيار التاريخي
- المعيار البيئي
- معيار الاندماج الوطني والاقتصادي
- معيار الاستقطاب الجغرافي والتكامل الطبيعي
- بالإضافة إلى البعد الاستراتيجي وقد تم تصنيف الجهات إلى خمسة مجموعات وهي:8
1- المجموعة الأولى تضم خمسة جهات وهي وادي الذهب الكويرة ،العيون بوجدور الساقية الحمراء ،كلميم السمارة .
2- المجموعة الثانية وتضم خمسة جهات وهي : - جهة الغرب الشراردة بني احسن
- جهة الشاوية ورديغة
- جهة مراكش تانسيفت
- جهة سوس
- الجهة الشرقية
3 – المجموعة الثالثة تتكون من :
جهة الدار البيضاء الكبري
جهة الرباط- سلا –زمور زعير
3- وتضم جهتين وهما : - جهة تازة- الحسيمة- تاونات
- جهة طنجة- تطوان
وبعد الارتقاء لمستوى جماعة محلية في ظل دستور 1992 و1996 وصدر القانون التنظيمي للجهات 96.47 ونص على الاختصاصات الذاتية والمنقولة من طرف الدولة والاستشارية وتم التنصيص على موارد مالية للجهات لكن دستور 2011
جعلها مركز الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية وحجر الزاوية في طور تكريس لامركزية متقدمة و تنمية ترابية ،ووفقا لأحكام الدستور الجديد يرتكز التنظيم الجهوي الذي يعتبر الإطار العام الذي ينظم اختصاصات الجهة ونظامها المالي على مايلي :
- مبدأ التدبير الحر 9
- التعاون والتضامن بين الجهات وفيما بينها وبين الجماعات الأخرى
- إشراك الجماعات في تدبير شؤونهم
- الرفع من مساهمة المواطنين في التنمية المندمجة المستدامة
- مساهمة الجهة في إعداد سياسات ترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين
- تيسير مساهمة المواطنين والمواطنات من خلال آليات تشاركية للحوار والتشاور
- تمكين المواطنين من تقديم العرائض وجمعيات المجتمع المدني من تقديم ملتمســات في مجال التشريع
كما تمت دسترة صندوق التضامن بين الجهات وتجاوز التوزيع غير المتكافئ للموارد قصد تقليص الفوارق الاجتماعية والترابية وكذا التفاوت بينهما طبق للفصل 142 من الدستور .
وقد تم تقسيم التراب الوطني في سنة 2011 الى 12 جهة وهي : - جهة الرباط –سلا –القنيطرة
- جهة الدار البيضاء –سطات
- جهة مراكش –تانسيفت
- جهة كلميم –واد نون
- جهة تطوان –الحسيمة
- جهة الشرق
- جهة فاس –مكناس
- جهة درعة –تافيلالت
- -جهة سوس –ماسة
- جهة العيون –الساقية الحمراء
- جهة الداخلة وادي الذهب
2 – سياسة إعداد التراب الوطني ودورها في تعزيز آليات الحكامة الترابية :
سياسة إعداد التراب الوطني هي سياسة تهتم بتنظيم وتهيئة المجال التي تنهجها دولة ما على ترابها بهدف تحقيق توزيع جغرافي أفضل للسكان والأنشطة الاقتصادية والتخفيف من حدة التباينات الجغرافية بين المناطق و التوازن بين عناصر المجال الأساسية (السكان ،الأنشطة الاقتصادية ،الثروات ،النمو الديمغرافي ،انخفاض في الموارد الطبيعية .الماء ) - التحديات البيئية (التصحر ،التصـــــــحر ،التعرية ،التلوث نتزايد حدة التقلبات المناخية الجفاف ، الثروات الطبيعية )
– التحديات الاقتصادية (ضعف التقنيات والأساليب ،ونقص الإنتاجية ،ضعف وتيرة النمو الاقتصادي واقتصاد السوق )
وتسعى هات السياسة إلى مجموعة من الاختيارات :
1- تنمية العالم القروي
2- السياسة الحضرية
3- حل إشكالية العقار
4- تأهيل الاقتصاد الوطني
5- تأهيل العنصر البشري
6- تدبير الموارد الطبيعية 10
كما أنها تسعى إلى التقليص من التفاوتات المجالية عبر التخفيف من الإكراهات التي يعرفها المجال و تعمل هاته السياسة إلى تعزيز آليات الحكامة الترابية عبر التصميم الجهوي لإعداد التراب الذي يعتبر الوثيقة المرجعية لتهيئة المجال لمجموع التراب الجهوي والتي تهدف إلى تحقيق التوافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة المجال وفق رؤية إستراتيجية وذلك عبر وضع الإطار العام للتنمية الجهوية المستدامة بالمجالات الحضرية والقروية بالإضافة إلى تحديد الاختيارات المتعلقة بالتجهيزات والمرافق العمومية الكبرى المهيكلة على مستوى الجهة وتحديد مجالات المشاريع الجهوية وبرمجة إجراءات تثمينها وكذلك مشاريعها المهيكلة.
نخلص في الأخير إلى الخلاصات التالية:
الخلاصة الأولى :إن التقطيع الجهوي بالمغرب مازالت تحركه هواجس سياسية وليست تنموية ،حيث وإذا كان الفشل في نظر المتتبعين يعود إلى أسباب منها ما ارتبط بغياب سياسة اللاتمركز وغياب الاستقلال المالي والمعنوي للجهات ،ومنها ما ارتبط ببنيات شكلية تفتقر إلى وسائل العمل ومنها ما ارتبط بالوزن القوي لسلطة الوصاية ،فإنه اليوم بالرغم من النقط الايجابية التي جاءت بعد دسترة الجهة في دستور 2011والقوانين التنظيمية المرتبطة بالإطار القانوني والتصميم الجهوي ومخطط التنمية الجهوية ،بالرغم من ذلك فإن إشكال الموارد المالية والتجانس الثقافي الذي انتاب التقطيع الجهوي مازال أحد المشاكل المعقدة ،حيث أن الموارد المالية هي محرك التنمية الجهوية والتجانس واللاتماثل الثقافي كما يتبين من خلال التجارب المقارنة وبالأخص دولة الجهات في ألمانيا التي تعتبر من أحسن النماذج الجهوية في العالم ،وبالتالي فإن على الجغرافيين وواضعي سياسة إعداد التراب الوطني أن يأخذوا هذا الأمر بعين الاعتبار دون أن ننسى أن قلة الموارد البشرية والخبرات والكفاءات مازالت تؤثر على سير المشاريع التنموية في الجهة.
الخلاصة الثانية: إن دور الجماعات الترابية بالخصوص في إعداد وتنفيذ ومراقبة وضبط مختلف المشاريع التنموية لا يمكن أن يحقق النتائج المرجوة إلا بتأهيل وتكوين المنتخبين ،حيث أن هاته الرهانات لا يكون لها تأثير إيجابي إلا إذا صاحبتها تدابير موازية في ميادين الاتصال والإعلام والتكوين موجهة لفائدة المنتخبين.
الخلاصة الثالثة : إن الاختلالات التي عرفها التقطيع الجهوي من شأن تفعيل الديمقراطية المحلية القائمة على عدة مبادئ لعل أهمها مبدأ التراب الذي بواسطته يمكن تشكيل بوابة لاسترجاع ثقة المواطن في مختلف المؤسسات ومن شأنها أن توفر للمغرب مناخا سياسيا يعزز مسار التحول الديمقراطي المبني على المبني على سياسة اللاتمركز الإداري وبالتالي كل هذا قد يشكل أرضية ناجعة لتحقيق تنمية كفيلة بتحسين أوضاع المجتمع المغربي.
لائحة المراجع والهوامش:
1- انظر مقال “التنمية المحلية بالمغرب من الجهوية الإدارية إلى الجهوية السياسية ” ذ طارق اتلاتي أستاذ جامعي بجامعة الحسن الثاني اكدال – الرباط ص 39
2- نفسه ص 39
3- نفسه ص40
4- انظر مقال “التقطيع الجهوي وإشكالية انشطار التراب المحلي بين الحدود الإدارية والمجال الوظيفي ،حالة بني ملال خنيفرة واز غار زيان” للدكتور سعيد كمني .عبد الله الجوي .الأنصاري إبراهيم ،مجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيل العدد السادس أكتوبر 2019،مجلد 2 المركز الديمقراطي العربي –برلين ص 51
5- نفسه ص 51
6- نفسه ص 52
7- نفسه ص 53
8- انظر محاضرات الأستاذ الجامعي لزعر محمد حول الجهة والجهوية كرونولوجيا التصميم الجهوي في المغرب ص5
9- نفسه ص 6
10- انظر موضوع حول “متطلبات الحكامة الترابية “للباحثين سليم القياس ورضوان قاف تحت إشراف الدكتور محمد المودن أستاذ بماستر السياسات العمومية بوحدة الجماعات الترابية جامعة الحسن الثاني ص 10-11
باحث قي مركز الدكتوراه مختبر بيئة.تراب.تنمية بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
تعليقات الزوار ( 0 )