إن أهم ما يمكن للإنسان المسلم القيام به في ظل هذا الكساد الأخلاقي والبوار القيمي الذي أصبح يسود مجتمعاتنا وينتشر فينا نتشار النار في الهشيم هو نشر التنوير والتسامح، والفكر العقلاني والفلسفي وبعث الفكر الحر والتراث الحي بدلا عن التراث الميت وبعث محمد القرآني وفق منهجية هادئة، موضوعية َمحايدة وإسلام معتدل يهتم بجوهر الإيمان، وينبذ القشور والشكليات والمظاهر، ويوفق بين الشريعة والحقيقة والظاهر والباطن والعبارة والإشارة، ويؤسس للعلاقة المباشرة مع الله، ويهتم بالإسلام الأخلاقي والقيمي وجعله بديلا عن الإسلام السياسي البارجماتي.
، مع الأسف ركز المسلمون خلال تاريخهم الطويل على التفكير في الدولة وأمور الحكم رغم أن ذلك من أمور التدافع والصراع البشري الصرف الذي يخضع لقواعد المصلحة، والقوة والضعف ونحن ألبسناه سرابيل المقدس وهو من شأن المدنس، وغلفناه بالدين فأصبح كل مدع يدعى أنه ظل الله في الأرض والمتكلم بلسانه والمعبر عن سطوته وجبروته فساد في تاريخنا حكم الفرد المطلق الذي يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل، وأصبح كل مناظل ثائر على الظلم خارج عن الحاكم، فاسقا زنديقا مفارقا للجماعة،إن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.
واهتممنا بالطقوس والقشور والشكليات ونسينا وأغفلنا مقاصد الإسلام في نشر الخير والتسامح ونبذ التعصب والاهتمام بالإنسان الأخلاقي المتخلق بالقرآن مثل عدم خيانة الأمانة، وعدم الارتشاء، والإخلاص في العمل، والوفاء، والتضحية ،والتعفف، والكرم، والشجاعة فشاع نموذج الإنسان المصلي الصائم الحاج ، الذي يؤدي هذه العبادات ومع ذلك تجده يستبيح الغش في الميزان وفي البضائع والأعمال وقد تجده مع ذلك من الخائنين المتلصصين، لأنه ساد اعتقاد دمر الإنسان المسلم أخلاقي فأصبح انتهازيا ، ويتمثل هذا الاعتقاد في أن الخطايا وفعل الجرائم والذنوب بالنهار، تمحوها النوافل والصلوات بالليل، فأصبح المتعبدون يكررون نفس أخطائهم طيلة حياتهم، فهم في دائرة لا تنتهي بين إثبات ونفى ومحو َ وكتابة، فصدق عليهم قول ابن عطاء الله السكندري لا تكن كحمار الرحى يرحل من كون إلى كون ولكن ارحل من الكون إلى مكون الأكوان.
لقد تم أسرنا وسجننا عبر تاريخ طويل في نموذج إنسان مسلم يفعل المتناقضات والموبقات ، رقيق المشاعر والعواطف ويبكي عند أول آية تسمعها أذناه وفي نفس الوقت يستطيع سب وشتم جاره في أول خلاف بسيط، يصوم الأيام البيض وفي نفس الوقت يستطيع أخد رشوة باعتبارها وتبريرها على أنها مجرد حلوان وهدية مستحقة وقهوة،كما نسميها يتكلم كثيرا على حسن المعاشرة والمعاملة ومع ذلك يعذب أطفاله في سادية بحجة التربية ويعنف زوجته ويضربها بقسوة ويسطو عليها في الليل كالبهيمة، وفي غفلة من الناس والكاميرات قد يختلس الإنسان المسلم الصالح البضائع والحلويات في المتاجر الكبرى ويعطيها لأبنائه لأكلها، معلما إياهم مشروعية السرقة، مبررا فعله بأن المال مال الله، ولا ضير في حمل ما خف َ وزنه، وسقط من الثمار على الطريق كما قال الفقهاء، يستنكر الأنسان المسلم الانفصامي أمام الملأ الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ويدعو إلى الأخلاق الحميدة والعفة، وحين يخلو إلى نفسه يشاهد الأفلام الإباحية والخلاعة، وقد دلت الوقائع على افتضاح دعاة ووعاظ.
ولهذا يجتهد العقل الشيطاني الكامن في كل واحد منا على إيجاد التبريرات التي تريح ضمائرنا، التي تستكين تحت تخدير أن ما قمنا به هو ما كان يمكن القيام به. في كل الأحوال، ولو بدون رشوة، أو حتى في حالة وجود صاحب البضاعة.
نستمع للمواعظ ومع ذلك نفعل المنكرات حين نقفل علينا الأبواب ولا يرانا إلا رب الأرباب، ونستيقظ والدموع في أعيننا من الندم والإصرار على التوبة، وننهض إلى الصلاة والذكر والدعاء فنطمئن على أن كل شيء انتهى وعلى ما يرام ، وأن الشيطان انهزم وذهب إلى حال سبيله، لنكرر نفس الجرائم والأفعال في اليوم الموالي، فنسقط وننهض بين ملاك وشيطان،
طبعا لا يمكن التعميم وإصدار الآحكام على الناس بإطلاق ،كما أن الموضوع طبيعة بشرية، فأنا أتكلم عن نمذج تاريخي سائد ، وليس عن أشخاص بذاتهم،
لكننا مع كل ذلك يمكن إنقاذ ذواتنا التاريخية عن طريق علاجها بالمعرفة والتسامح والخيرة والتعليم مع الآخر المختلف وعن طريق تهذيب أنفسنا والحد من تغولها، وفضح أنانيتنا و نفاقيتها، في سبيل إحداث التوازن المنشود، وبعث الإنسان الصالح والمسلم المهتم بجوهر الرسالة، المدرك، لحقيقة الوجود.
يمكن أن نكون شفافين، على المحجبة البيضاء ليلها كنهارها كما قال الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم وأن نحطم الأصنام والأوثان المعششة في عقولنا وذواتنا وأن نقبل على السير إلى الله دون وسائط وأن نهتم بما ينفعنا وينفع الإنسانية وأن لا نفرح بعذاب أحد بنار وأن نسعى لخلاص كل البشرية مؤثرين الحب على الكراهية، لأنه بالحب والشفقة قد يصبح العدو وليا حميما والكاقر الملحد مؤمنا حميدا . بدلا أن ندعو عليهم بالمساجد مئات السنين بالويل والثبور، ؤأن يشتتهم الله وبيتم أطفالهم ويرمل نساءهم و أن يحرقهم ويسومهم بسوء العذاب ، ونحن مع ذلك أول من يسعى للعيش في ديارهم، والتودد إليهم، والأكل من خيراتهم. واللجوء إليهم هربا من ظلمنا لبعضنا البعض.
في هذا الإطار وتحقيقا لهذه الغاية لابد من بعث الجوانب المضيئة والحياة في تاريخنا الفكري ونستعد التجربة المعتزلية والأشعرية باعتبارها من اللحظات الأكثر عقلانية حياة العارفين الكبار من أمثال ابن عربي الشيخ الأكبر ونستعد والكبريت الأحمر والغزالي والشاذلي ، وحياة َالشيخ جلال الدين الرومي صاحب المثنويات ومراجعة حياة المفكرين والفلاسفة الإسلاميين والإنسانيين العالميين من أمثال ابن خلدون وابن سينا والمقفع والفارابي وابن تيمية ونستعد لحظة البرهان والاعتماد على العقل عند أين رشد الطبيب الفقيه الفيلسوف المتنور شارح منطق أرسطو ورائد العقلانية وباعث نهضة أوروبا والذي عانى بدوره من جل العامة وحقد الفقهاء فأحرثت كتبه وتم منعه من الصلاة في المساجد ونفي للمغرب حيث مات وحاول إيجاد صيغة توفيقي في كتابه فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال.
كما أنه لابد من الاهتمام بتجارب المقكرين المجددين من أمثال الجابري والعروس وطه عيد الرحمان وحسين مروة ومهدي عامل واستلهام أفكار الفلاسفة الكبار أمثال كانط وشوبنهاو. وهيجل ونتشه.
يمكن لنا النجاة ببعث الأشياء الجميلة الخيرة في تاريخنا وإستعادة ديننا الأخلاقي العقلاني السمح المغتال .والمدفون في غياهب الجب، وبذلك يمكن لنا أن نتصالح مع أنفسنا ومع العصر، وتستطيع إنقاد الدين والتدين من الاختفاء أمام استفحال الإلحاد، الذي أصبح ظاهرة كرد فعل للشباب اليائس ضد الجهل والتعصب، وبذلك يمكننا التصالح مع أنفسنا والعيش في هذا العالم بسلام.
تعليقات الزوار ( 0 )