شارك المقال
  • تم النسخ

ملاحظات على هامش بلاغ لقاء نقابات الحوار الاجتماعي مع رئيس الحكومة

أصدرت النقابات التعليمية الأربع المنضوية تحت لواء:(UMT,CDT,UGTM,FDT)  بلاغا عقب اجتماعها مع رئيس الحكومة صباح يوم أمس الإثنين 30 أكتوبر 2023، بمقر رئاسة الحكومة بالرباط، بناء على دعوة سابقة منه كما جاء في البلاغ، مرفوقا بوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ووزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات.

 وإذا تجنبنا الحديث عما كان منتظرا أو مأمولا من هذا اللقاء لكونه يأتي في سياق وطني دقيق جدا، فإن نص البلاغ يثير في المتلقي قبل المدرِّس جملة من الملاحظات والتساؤلات، يمكن إجمالها فيما يلي: 

أولا – من حيث الشكل:

 تفاوض النقابات مع الحكومة كان انفراديا (كل نقابة على حدة)، وبلاغها جاء مشتركا؛ وهو ما يوحي، من جهة، بغياب الثقة بين نقابات الحوار الاجتماعي نفسها، وبينها وبين الأطراف الممثلة للحكومة. ومن جهة أخرى، يوحي بغياب استراتيجية التفاوض الجماعي لدى الفرقاء النقابيين مع الوزارة الوصية، والذي من شأنه إعطاء قوة دافعة للنقابات في انتزاع المكاسب وجلب المصالح لفائدة الشغيلة التعليمية؛ لأن ذلك يتطلب درجة عالية من نكران الذات من لدن الفاعلين النقابيين، والعمل بروح الفريق في تحديد الأهداف، وإعداد الأطروحات، ورسم السياسات المؤطرة لسلسلة الحوار الاجتماعي قصد التوصل إلى اتفاق جماعي بين الطرفين المتفاوضين حول الملف المطلبي.

ثانيا – من حيث المضمون:

1 ـ استمرار خطاب التخوين بين زعماء النقابات والوزير بنموسى، وكأن انقلاب الوزارة -على حد تعبير زعماء النقابات -هو أخطر على الشغيلة التعليمية من النظام الأساسي المشؤوم في حد ذاته؛

2 ـ استمرار النقابات في التنصل من مسؤولية المشاركة في إخراج هذا النظام المشؤوم. والواقع أن قبولها بمنهجية التحفظ والتكتم على صياغته دون إخراجه للنقاش العمومي يدينها، كما أن جريرة توقيعها على النظام قبل الاطلاع على مضامينه يدينها وبشدة. والسؤال: ماذا لو جاء هذا النظام الأساسي عادلا وموحِّدا، هل كانت هذه النقابات ستتبرأ من المشاركة في إخراجه، أم أنها ستركب موجة الترحيب به في الأوساط التعليمية لتحقيق نصر مزيف سيسجله التاريخ في بياناتها وسجلاتها؟

3 ـ تحويل بوصلة المعركة النقابية من معركة استراتيجية ضد النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية 2023 وقانون الوظيفة العمومية بشكل عام، إلى معركة ضد ممثل الحكومة (الوزير بنموسى). وهنا يطرح السؤال: هل التعديل الحكومي في حالة إعفاء بنموسى من مهامه مثلا (وهذا متوقع في أية لحظة) هو كافٍ لتجاوز الاحتقان الاجتماعي، وعودة رجال ونساء التعليم إلى حجراتهم، أم أن المشكل أعمق من “الشخصنة” ومرتبط بالنص القانوني المؤطر لعلاقة وزارة التربية بموظفيها، وانتقاله من نظام التوظيف إلى نظام السخرة؟

4 ـ تكريس النقابات خطأ الترافع من منطلق مادي صرف، وهو ما يسقطها في فخ “التفاوض الاستجدائي”، كما لو كانت مطالبنا غير مشروعة وتريد النقابات انتزاعها من باب التفضل على رجال ونساء التعليم من ممثل الحكومة أو رئيسها، لا من باب كونها حقوقا يخولها لنا القانون. يتجلى ذلك من خلال الدعوة في النقطة الأولى، وبالخط العريض، إلى “إقرار زيادة ملموسة في الأجور، والتعاطي الإيجابي (مجرد تعاطي إيجابي في تصورهم) مع باقي مطالب الشغيلة التعليمية”؛ فهل الزيادة في الأجور هي حجر الزاوية في هذا الحراك الاجتماعي غير المسبوق؟ والحاصل أن الحكومة حتى في حالة استجابتها لهذا المطلب المادي على أهميته، ستستمر الاحتجاجات إلى أن يتم تجاوز ثغرات النظام الأساسي، خاصة تلك المتعلقة ب: تحديد ساعات العمل؛ المهام الجديدة؛ منظومة العقوبات التأديبية؛ معايير الترقية…

5 ـ التحول في نص البلاغ من الحديث عن الحقوق والواجبات إلى الحديث عن الشروط والضمانات الحقيقية، واختزال الأزمة التعليمية في غياب ضمانات حقيقية من قبل الدولة، مع تشديد لغة البلاغ على إشراف رئيس الحكومة على الحوار في النقطة الثانية من البلاغ (“التأكيد على أن أي حوار ممكن لن يتم إلا بشروط جديدة وضمانات حقيقية، تحت إشراف رئيس الحكومة”، يقول نص البلاغ)، ليصبح رئيس الحكومة هو الضمانة المنشودة لدى زعماء النقابات؛

 6 ـ شيطنة الوزير بنموسى أمام الرأي العام المغربي، وتزكية رئيس الحكومة، وذلك من خلال جلد وزير التربية الذي ورَّط معه النقابات وأصاب منها المَقْتَلَ (“وقد كانت اللقاءات فرصة للنقابات التعليمية الأربع لتجديد احتجاجها على الانقلاب على المنهجية التشاركية، وعلى التراجع على المضامين المتفق عليها”؛ يقول البلاغ). وبالمقابل قدمت لغة البلاغ رئيس الحكومة في صورة الرجل الحكيم، المتفهم لوضع رجال ونساء التعليم، والمستعد لإنهاء حالة الاحتقان الاجتماعي في قطاعهم (“وهو ما لقي تجاوبا مبدئيا من طرف رئيس الحكومة، الذي عبر عن استعداده لتوفير شروط وضمانات تجويد النظام الأساسي، والتفاعل الإيجابي مع ما تم تقديمه”؛ يضيف نص البلاغ).

7 ـ الترويج لخطاب التسويف والمماطلة في تجويد النظام الأساسي، والتعاطي مع الأزمة الراهنة (رئيس الحكومة عبر عن استعداده لتوفير شروط وضمانات تجويد النظام الأساسي)، وأين كان رئيس الحكومة قبل أن يفاجئه الحراك التعليمي؟ ألا يتحمل مسؤولية الإشراف على ورش النظام الأساسي، أم أن خطاب النقابات بات يتماهى مع خطاب الدولة لتحقيق كسب سياسي يُجمِّل القبيح؟؛

خلاصة القول، إن بلاغ الرباعي النقابي المشموت يذكرنا ببعض بيانات الجامعة العربية، التي تشيد بالاجتماع (الذي يصبح أحيانا كثيرة غاية في حد ذاته) وبالراعي الرسمي للاجتماع، وتلعن المجتمعين. والمضحك المبكي في الموضوع أن القواعد (من رجال ونساء التعليم) تقاطع “الديربي الحكومي النقابي” بين حكومة الكفاءات ونقابات الكفاءات، وتورط تجار السوق السوداء ومهندسي بنود النظام الأساسي المشوه بخوضها إضرابا جديدا هذا الأسبوع، غير آبهين بمخرجات اللقاء.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي