Share
  • Link copied

ملاحظات حول التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي

يعتبر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مؤسسة دستورية ذات طابع استشاري، محدثة بموجب الفصل 168 من دستور المملكة المغربية، حيث تأسس هذا المجلس على إثر الظهير الشريف رقم 1.14.100 الصادر في 16 رجب 1435 (16 ماي 2014) بتنفيذ القانون رقم 105.12. ونجد في المادة الثانية من هذا القانون أن هذا المجلس يمارس عدة صلاحيات من بينها: «إنجاز تقييمات شمولية أو قطاعية أو موضوعاتية للسياسات والبرامج العمومية في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي ونشر نتائجها». حيث أصبحت هذه التقارير مرجعا لكل المهتمين سواء من داخل المغرب أو خارجه، كما أصبحت أداة للوصول إلى المعلومة!

وقد صدر مؤخرا عن الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي – والتي تعتبر جهازا من أجهزة هذا المجلس – تقرير موضوعاتي تحت عنوان: “مهنة الأستاذ في المغرب على ضوء المقارنة الدولية”، وردت فيه العديد من المعلومات والمعطيات المهمة، وهو عبارة عن دراسة استهدفت أربع جهات من جهات المملكة (جهة الشرق، جهة طنجة تطوان – الحسيمة، جهة مراكش – آسفي، وجهة سوس ماسة درعة)، كما تضمنت دراسة ميدانية اعتمدت المقابلات البؤرية مع جماعات من الفاعلين التربويين، ومقابلات مع الأساتذة. وفيما يلي بعض الملاحظات حول هذا التقرير.

الملاحظة الأولى: ما دام التقرير قد تكلم عن تكوين هيئة التدريس، وبالتالي عن المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، فقد كان لا بد أن يقول رأيه الصريح في مدى تنزيل واحترام المرسوم المحدث للمراكز (مرسوم رقم 2.11.672 بتاريخ 23 دجنبر 2011)، من خلال كل الوثائق الرسمية التي تهمها، والتي صدرت بعد المرسوم، مع ضرورة استقصاء رأي المعنيين بذلك.

وقد جاء في المادة الثانية من المرسوم المحدث للمراكز: «يعتبر المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمثابة مؤسسة لتكوين الأطر العليا خاضعة لوصاية السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم المدرسي. وتنتظم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين في “شبكة وطنية لمؤسسات تكوين الأطر التربوية”. وتحدد آليات التنسيق بين المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المعنية بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بقطاع التربية الوطنية». لكن لا شيء من هذا وقع، والمراكز الجهوية الآن دون هوية، والمحاولات حثيثة من أجل وضعها تحت وصاية الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وكل مهامها هُربت (من الميزانية، إلى مباراة الدخول إلى المراكز، إلى التكوين المستمر…).

الملاحظة الثانية: في إطار ما جاء في التقرير من مقارنة بين ما يقع في المغرب وبين ما يقع في بعض الدول الرائدة في ميدان التعليم، كان من المستحسن أن يشير التقرير إلى الجهة الموكول إليها تكوين هيئة التدريس في أغلب هذه الدول، وهذا كان سيقدم خدمة جليلة لكل مهتم ليكون نظرة مكتملة. وأما ما يتم الترويج له منذ 2018 من تكوين ثلاث سنوات بمؤسسات جامعية – خلق بعضها دون دراسة ولا تبصر – ثم تكوين سنتين بالمراكز، فستكون نتائجه ضعيفة إن لم نقل ضعيفة جدا لأسباب لا يتسع المجال هنا لذكرها بتفصيل.

وسنعطي هنا مثالا من ثلاث دول تعتبر الآن من الدول الرائدة في التعليم، حيث التكوينات الأساسية والمستمرة لهيئة التدريس إنما تتم في الجامعات الوطنية أو في معاهد تابعة لها. ففي (سنغفورة) يوجد معهد تابع للجامعة يعد معلمي الابتدائي والثانوي في تكوين أساس يستمر أربع سنوات تامة، مقابل سنتين كاملتين لطور ما قبل المدرسة (رياض الأطفال)، ليتم بعد ذلك انتقاء المؤهلين لمزاولة وظيفة التعليم من ضمن المحصورين في لائحة ال 30 بالمائة الأوائل بعد امتحانات التقويم النهائية. أما في (هونغ كونغ) فإن التكوين يتم في معاهد التربية والتعليم الثلاثة التابعة للجامعة، خلال أربع سنوات تامة، مع تكوين أقسى، وأكثر تفصيلا حسب الفئات وحسب درجة التمكن، مع الحرص الشديد بعد ذلك على التكوين المستمر والتدريب المهني التطويري. وأما في (كوريا الجنوبية) فإن معلمي الابتدائي يتلقون تكوينهم في كليات التربية، أما معلمو الثانوي فيتلقون تكوينهم في معاهد جامعية عليا، خلال أربع سنوات أو أكثر، ليجتاز بعد ذلك جميع المتخرجين اختبار توظيف المعلمين، ثم بعد ذلك يُتم الحاصلون على نقط دون المستوى تكوينا تأهيليا إضافيا.

الملاحظة الثالثة: تكلم التقرير عن مواءمة الإجازة للتدريس. مشيرا في البداية إلى أساتذة التعليم الابتدائي حيث تُقبل جميع الإجازات، وهذا وحده يحتاج إلى مقالات ودراسات عدة، ولن يتسع المجال هنا لنقول وجهة نظرنا. كما أشار التقرير إلى أساتذة الفرنسية بالثانوي حيث أصبح الولوج مسموحا لحاملي الإجازة في الفرنسية، وكذا حاملي الإجازة في الاقتصاد، بل والإجازة في القانون فرنسية. أما أساتذة الاجتماعيات بالثانوي فقد أخطأ التقرير حينما قال بأن إجازتهم تخصصية، في حين أنها غير ذلك لأن حامل الإجازة في التاريخ تنقصه المعارف في الجغرافيا، والعكس صحيح. لكن التقرير نسي الإشارة إلى أهم تخصص، ألا وهو الرياضيات، حيث أصبح الولوج إلى مهنة أستاذ الرياضيات بالثانوي مسموحا به لحاملي الإجازة في الرياضيات بجميع فروعها، ولحاملي الإجازة في الفيزياء بجميع أنواعها، بل وحتى لحاملي الإجازة في الإعلاميات. وهكذا ستكون النتائج ستكون حتما كارثية على المدرسة المغربية؛ فتخصص الرياضيات أصلا عرف انهيارا بالجامعة منذ إصلاح 2003، ولن نقول شيئا أكثر عن باقي التخصصات المقبولة… والمتتبع الفطن لا بد له أن يتساءل كيف وقع كل هذا؟ وأين هي المصالح الوزارية المعنية بالتخطيط والتوقع؟ فسواء ادعت الجهات المعنية أنها كانت أو لم تكن تعلم مسبقا، فذلك لن يعفيها من المحاسبة، لأن مصير أجيال وضع على سكة المجهول، وأي تصور للإصلاح سيكون، من منظورنا، صعب المنال.

الملاحظة الرابعة: إن عنوان التقرير يحيل على أنه يتطرق للأستاذ بالمدرسة المغربية، لكننا وبالاطلاع عليه نلحظ أنه غيب شريحة مهمة من هؤلاء الأساتذة، وهم العاملون بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، حيث خلص التقرير إلى أن العاملين بالمدرسة العمومية يعانون نقصا سواء من حيث التكوين الأساس أو من حيث انعدام التكوين المستمر، كما أن هناك هفوات عدة في شروط وطرق الولوج إلى المهنة، وهذا ما نتفق معه. لكن ماذا يمكننا أن نقول عن العاملين بالتعليم الخصوصي؟ ماذا عن تكوينهم الأساس؟ وماذا عن تكوينهم المستمر؟ وماذا عن طرق وشروط ولوجهم؟ بل وماذا عن وضعيتهم المادية والمعنوية؟ لأن التعليم الخصوصي بالمغرب، كما هو معروف، أصبح واقعا منذ مدة ليست باليسيرة، ويتمدرس فيه عشرات الآلاف من الأطفال المغاربة.

الملاحظة الخامسة: من وجهة نظرنا كان من المستحسن أن يشير التقرير إلى معضلة البحث العلمي التربوي بالمغرب، وذلك نظرا لما له من علاقة رئيسة بموضوع التقرير، ونظرا كذلك لمدى تطوره في كل الدول الرائدة في ميدان التعليم… وقد يلاحظ المتتبع أن البحث العلمي التربوي يعتبر من المهام الأساسية المنوطة بالمراكز من خلال المادة الثالثة من المرسوم المحدث لها. غير أن واقع الحال هو النقيض تماما، حيث تمت فرملة البحث العلمي بهذه المراكز، ولمدة تفوق العشر سنوات، ولحد الآن لا وجود لبنيات البحث العلمي بهذه المراكز، رغم الاجتهادات والتضحيات التي قدمها باحثو المراكز في العشرية الأخيرة، وذلك متجل فيما نشروه من أبحاث، ودراسات، ومؤلفات، وما نظموه من ملتقيات علمية وطنية ودولية، كانت ستكون بداية النهضة بالمنظومة التربوية لو تلقى المسؤولون الرسالة بالشكل الصحيح!

لكن الأغرب في هذا الباب – وفي سابقة دولية – أنه تم السطو على كل المسميات الخاصة بالبحث العلمي، والمتعارف عليها حصرا ودوليا بالجامعات، فبدأنا نرى في الوثائق الرسمية “فريق البحث”، و”مختبر البحث” بل وحتى “اللجنة العلمية”، كبنيات تابعة للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين (وهي مؤسسات لا تربطها علاقة بالتعليم العالي، ولا تضم هيئة الأساتذة الباحثين في تركيبتها)، وتطلب من الأساتذة الباحثين بالمراكز الانضمام إليها، أو وضع مشاريعهم البحثية لتقييمها والمصادقة عليها من “لجنة علمية” لا تضم في عضويتها أي أستاذ باحث! هذا علاوة على أن الوزارة الوصية دأبت، ومنذ سنوات، إلى محاولة التحكم في البحث العلمي ومركزته.

ولكي لا نكون نحن في المغرب حالة شاذة، يجب أن نستحضر ما هو متعارف عليه دوليا، حيث لا بحث علميا خارج الجامعات. كما يجب أن نشير إلى أنه في كل المؤسسات البحثية، عالميا، حينما يريد الباحث نشر أحد أبحاثه، أو يطلب تكوينا، أو يطلب المشاركة في تظاهرة علمية، فإن هذه المؤسسات تطلب منه – من بين ما تطلب – اسم الجامعة التي ينتمي لها. أما بالنسبة للولوج إلى قواعد المعطيات العلمية فهناك ما هو متاح حصرا للجامعات ذات الشراكة، وبالتالي الباحثين المنتمين إليها، وهناك ما هو متاح باستعمال تعريف إلكتروني مهني مسلم من الجامعة إلى باحثيها. هذا دون أن ننسى أن البحث العلمي يستوجب وجود طلبة في سلك الدكتوراه… إذن فأين الأساتذة الباحثون بالمراكز من كل هذا؟ وما العمل مع كل العراقيل البيروقراطية المفروضة عليهم سواء من أجل المشاركة في الملتقيات الدولية أو في تنظيمها؟

الملاحظة السادسة: إن أكبر هفوة حملها التقرير السالف الذكر هي ما تعلق بهيئة التدريس بالمراكز الجهوية، حيث كان من الممكن تجاوز كل تلك المغالطات لو تواصل معدو الدراسة بأساتذة المراكز، أو على الأقل بالنقابة الوطنية للتعليم العالي، الممثل المركزي الوحيد للأساتذة الباحثين بالمراكز في اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء. حيث جاء في التقرير الآتي: «ويشجب المستجوبون، كذلك، جودة المكونين الذي يتكونون في غالبيتهم من الأساتذة الباحثين، وتعتبر مساهمتهم من حيث الممارسات البيداغوجية في الأقسام الدراسية ضعيفة. وهذا ما تؤكده شهادة مدير أحد المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين الذي يلقي الضوء على تشكيلة هيئة التكوين في هذه المراكز: جزء كبير – النصف تقريبا – لا يتوفرون على أية معرفة عملية بخصوص التدريس في القسم. معظمهم دكاترة في تخصصات أخرى غير علوم التربية. يتوفرون على كفايات نظرية وأكاديمية، ولكن لا علاقة لها بالمهنة. عدد كبير منهم من الدكاترة العاطلين السابقين الذين تم توظيفهم سنة 2011 في ظروف خاصة – الربيع العربي».

وللمساهمة في تصحيح هذا اللبس فإن المادة 14 من مرسوم الإحداث تنص على أن هيئة التدريس بالمراكز تتكون من: أطر هيئة الأساتذة الباحثين؛ والأساتذة المبرزين للتعليم الثانوي التأهيلي؛ وموظفين يعهد لهم القيام بمهام التدريس، وفق شروط ومعايير تحدد بمقرر للسلطة الحكومية المكلفة بالتعليم المدرسي. غير أن أطر هيئة التدريس المزاولين عملهم بمراكز تكوين المعلمين والمعلمات والمراكز التربوية الجهوية في تاريخ نشر هذا المرسوم بالجريدة الرسمية، يستمرون في مزاولة نفس المهام بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين وفروعه. ولا زال الفاعلون النقابيون بالمراكز يتذكرون تصريحات المسؤولين المركزيين أيام بداية التجربة 2011/2012، حيث كانوا يصرحون أنه سيتم احترام مرسوم الإحداث، ولن يعين بهيئة التدريس بالمراكز بعد صدور المرسوم إلا الأساتذة الباحثون عبر مباراة أستاذ التعليم العالي مساعد، والأساتذة المبرزون للتعليم الثانوي التأهيلي عبر الحركة الوطنية. غير أن الذي وقع على أرض المراكز وفي كواليسها يعارض المرسوم وما تم التصريح به؛ وهكذا أغرقت المراكز بالتكليفات لتصبح تعيينات بعد ذلك عبر مذكرات وزارية، واستغلت الوضعية لإدخال أطر أخرى، ودون الحاجة حتى إلى مذكرة منظمة، بل ومنها من تمنعهم أنظمتهم الأساسية أصلا من ممارسة مهام التدريس، فأصبحت هيئة التدريس بالمراكز تضم جميع الفئات: من أساتذة التعليم الابتدائي، وأساتذة التعليم الإعدادي، وأساتذة الثانوي التأهيلي، والأساتذة المبرزين، والأساتذة الباحثين (الذين أصبحوا أقلية)، والمفتشين التربويين، والمتصرفين، والمهندسين، و… بل من هؤلاء الأطر مَن لم يكن يوما مدرسا في قسم، فأصبح فجأة يمارس مهام التكوين!! ومنهم – وفي مفارقة غريبة – حاصلون على شهادة دون شهادة الإجازة، أصبحوا مكونين للحاصلين على الإجازة، والماستر، بل وللمهندسين، وحاملي الدكتوراه! بل وأصبحوا رؤساء شعب بتواطؤ المتواطئين ليقرروا في التكوين وفي مصير الأساتذة الباحثين والأساتذة المبرزين!! هذا دون أن نغفل تواجد العديد من الموظفين العاملين في إطار الساعات الإضافية (وفوضى هيئة التدريس بالمراكز وحدها تحتاج إلى مقالات). كل هذا والوزارة الوصية قد توصلت بكل ما يفيد ذلك منذ سنوات عدة، تاركة المراكز تتخبط في سوء حكامة قل نظيرها ينهشها الفساد والريع.

أما بخصوص تصريح المدير المشار إليه أعلاه – والذي لن يكون إلا مديرا من المديرين الأربعة حسب نص الدراسة – فالوزارة الوصية مطالبة بأخذ المتعين في حقه لأنه أعطى تصريحات مغلوطة بهدف الإساءة لهيئة ينظمها القانون… ولكي نصحح هذه الخَراقَة لا بد من المعطيات التالية: فالإحصاء الذي نتوفر عليه يخص سنة 2012، حيث كان مجموع هيئة التدريس بالمراكز هو 1226، منها 12 لم تحدد الوزارة أطرهم في الإحصاء المنشور! و86 أستاذا للتعليم الابتدائي، و172 أستاذا للتعليم الاعدادي، و478 أستاذا للتعليم الثانوي التأهيلي، و110 من الأساتذة المبرزين، و368 أستاذا باحثا (منها تقريبا 300 أستاذ باحث التحقت سنة 2011 على إثر مباراة 2010). بعد ذلك أعلنت الوزارة الوصية عن توظيف 240 أستاذا باحثا سنة 2012، ثم عن 50 آخرين في مباراة 2020، وأخيرا 200 منصب خلال 2021. وكل الأساتذة الباحثين الملتحقين بالمراكز لم يكونوا عاطلين قبل توظيفهم، ولم يأت بهم لا ربيع ولا خريف عربي كما جاء في التصريح المغرض لهذا المدير الذي نسي أن المباراة كانت في 2010 وليس 2011 كما ادعى، بل أقلهم تجربة كانوا أولئك الذين وظفوا من حملة الشواهد العليا بقطاع التربية الوطنية سنة 2007، وهذا يعني أن أقلهم تجربة عند التحاقه بالمراكز كانت له أربع سنوات من الخدمة في قطاع التربية الوطنية، وهذا الشرط موجود أصلا في إعلان مباراة 2010. أما ما تعلق من تلميح في الدراسة إلى وجود عدد من الباحثين ليست لهم دراية بالأقسام الدراسية فالمسؤولية تقع في ذلك على الجهة التي نظمت المباراة، حيث فتحتها أمام إداريين كان توظيفهم مباشرة في الإدارة. هذا دون أن نغفل ما صرح به المستجوبون أعلاه حين وجهوا سهام نقدهم للأساتذة الباحثين، حيث إن العقل السليم يقول بعدم احتمالية تصريح المكوِّن بإطاره للمكوَّنين، إلا إذا كنا أمام حالات غير سوية، أو حالات لانتحال صفة الباحثين حتى ألصقت كل إخفاقات التكوين بهم! كما لا يفوتني، تنويرا للقارئ الكريم، أن أشير أن فوج 2010 وظفوا كأساتذة باحثين لتخصصات معيَّنة بالمراكز تبعا لما جاء في القرار المنظم للمباراة، والوزارة آنذاك كانت قد وعدت باستكمال خبرتهم في الديداكتيك وعلوم التربية، لكن لا شيء من ذلك وقع، ليقدم الأساتذة الباحثون تضحيات جمة في استكمال تكوينهم وبإمكانياتهم الخاصة، من أجل تدريس تخصصات أخرى لا تدخل في نطاق اختصاصهم حسب منطوق قرار المباراة.

وفي الختام، نعود لنؤكد أن التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أصبحت مرجعا أساسيا لكل المهتمين، وبالتالي فلا بد أن تتضمن معطيات إدارية مضبوطة. أما بخصوص هيئة التدريس والتي كانت موضوع التقرير فإن «هيئة التدريس الجيدة هي نتيجة خيارات سياسية مقصودة، يتم تنفيذها بعناية على مر الزمن»، كما جاء في أحد تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهذا هو المشكل الأساس، حسب اعتقادنا، هنا في المغرب. فرغم كل التقارير التي صدرت عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وتلك التي صدرت عن المجلس الأعلى للحسابات، وغيرها مما صدر عن الهيئات المهتمة بالتربية والتكوين، بل وحتى ما طرح داخل مجلس النواب، ورغم كل “الإصلاحات” المتوالية منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فلا زالت المدرسة المغربية (من الأولي وحتى العالي) تعيش «أزمة تعلم». بل لا بد من قرار سياسي يحدد بدقة من نحن؟ وماذا نريد؟ يليه نقاش عمومي لا يقصي أحدا، مع ضرورة تحمل الكل مسؤولياته تجاه هذا الملف الشائك. وبطبيعة الحال، ومن أجل استعادة الثقة، فلا بد أولا، وقبل كل شيء، من المحاسبة عما فات مع الأخذ بما جاء في تقارير المجلسين السالفي الذكر وكل الهيئات المعنية.

عضو اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي.

Share
  • Link copied
المقال التالي