أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريره السنوي برسم سنتي 2019 و 2020، وذلك طبقا للتوجيهات الملكية السامية القاضية بالحرص على قيام المجلس الأعلى للحسابات بمهامه الدستورية، لاسيما في ممارسة المراقبة العليا على المالية العمومية، وفي مجال تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة.
وأبدى المجلس في تقريره الأخير، عددا هاما من الملاحظات، كما قدم مجموعة من التوصيات، في إطار وظيفته الرامية للتوجيه والمواكبة والمساعدة على اتخاذ القرار، وتحسين الأداء وتدارك المخاطر المحتملة، وباعتباره كذلك آلية فعالة للمساءلة بشأن تدبير الشأن العمومي.
وقد عاد النقاش من جديد، ليُثار حول ما تضمنه التقرير، بين عدد من الجامعيين والنشطاء السياسيين، طارحين بذلك سؤال مآل ملاحظاته وتوصياته، ومشددين على ضرورة التتبع والمواكبة.
في هذا السياق، رأى المحلل السياسي، عمر الشرقاوي، أنه ” لأمر صحي أن يصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريره السنوي حول أوجه صرف المال العام من طرف المؤسسات والفاعلين العموميين” ليتابع متسائلا “لكن ماذا بعد التقرير؟”.
الشرقاوي أضاف في تدوينة منشورة على حسابه الشخصي “ماذا حققت التقارير السابقة في محاربة الفساد والضرب بيد من حديد على كل أشكال التطاول على المال العام، كم من فاسد قادته تلك التقارير إلى السجن، كم من الملايير التي تم استردادها بسبب سوء التدبير لمسؤولين بالوزارات والجماعات والمؤسسات العمومية؟”.
المحلل ذاته أبرز أن ” المؤكد أن هناك تخمة في التقارير التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات، لكن للأسف في ظل الوضعية البشرية والقانونية التي يعيشها المجلس، ظلت أذرع الفساد بنية ممارسته أو بدون نية مبسوطة تعيث سوء تدبير في المال العام، بينما تصيب بعض تقاريره مسؤولا هنا أو هناك”.
ولفت إلى أن ” ما يرغب فيه المغاربة حاليا هو مآل التقارير المالية وتحريك المساطر القضائية لمحاسبة المتلاعبين بالمال العام، والمتورطين في عمليات الفساد المالي وهم كثر، ورائحتهم تزكم الأنوف سواء وسط المنتخبين أو المسؤولين المعنيين وكل يوم ينشر غسيلهم على المنابر الإعلامية والتقارير المؤسساتية”.
كما اعتبر أن ” التخوف هو أن تتحول تقارير المجلس الأعلى للحسابات إلى تقارير إنشائية روتينية، أو نصب تجميلي ليس له أي دور في المحاسبة و لا تثير الرعب داخل أوكار الفساد بل يتعايش معها بكل اطمئنان”.
من جانب آخر، شدد الأستاذ الجامعي ذاته، على أن ” اليوم لابد مما ليس منه بد، وإلا فإن الفساد بصوره المختلفة سيتحول إلى قاعدة متجذرة، بينما النزاهة ستصبح استثناء شكليا لا معنى لها، فالوزير الذي تثبت مسؤوليته في إهدار المال العام ينبغي أن يحاسب، والمسؤول العمومي الذي يتسبب في إفشال استراتيجيات ملكية كما هو الشأن بالنسبة للأمن المائي والطاقي والصحي ينبغي أن يحاسب، والمنتخب الذي يتاجر في الصفقات العمومية ينبغي أن يحاسب، والبرلماني الذي تتضاعف ثرواته بدون موجب حق ينبغي محاسبته عن الإثراء غير المشروع”.
وأفاد بعدها بأن هذا الأمر ” يعني أننا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما ضربة قضائية حازمة صارمة لوقف هذا العبث المتنامي، وإما أن نتعايش مع الفساد ونعتبره أمرا واقعا وقدرا نازلا لا فكاك منه، وحينها فإنه من الأفضل توفير على الأقل تعويضات المنتخبين والمسؤولين التي تخصص لها ميزانية الدولة 112 مليار درهم، وصرفها على من يستحق من المواطنين”.
ليختم المحلل السياسي عمر الشرقاوي تدوينته بـ” وبكل الوضوح الممكن الكرة في ملعب القضاء الذي ينبغي أن يقوم بدوره كاملا في إعطاء معنى لتقارير المجلس الأعلى للحسابات وتحويلها إلى مرجعية للمحاسبة والمساءلة”.
لا يكفي أن نشير بالأصبع إلى السارق ، بل يجب ظبطه و تقديمه للعدالة ، حتى لا يقال “هداك الشفار مزال تيدور” .