أثار مقال لمحمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، انتقد فيه بشدة ما سماه بـ”صمت الولايات المتحدة الأمريكية إزاء تحركات البوليساريو والجزائر بغرض تعريض أمن منطقة الصحراء للخطر”، متسائلاً كيف لواشنطن أن تتخذ هذا الموقف بعد “اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء؟”، الجدل.
واعتبر محامون وحقوقيون أن مقال التامك، الذي يتولى منصباً حساساً في الدولة المغربية، جاء بعيداً عن السياق الحالي الذي يعرف تحسنا غير مسبوقٍ للعلاقات بين الرباط وواشنطن، إلى جانب تأكيدهم بأن مندوب السجون، المنحدر من أصل صحراوي، لم يكن موفقاً فيما تطرق له داخل المقال.
جلسة مجلس الأمن كانت تقنية فقط..
وعن هذا الموضوع، قال المحامي نوفل البعمري، الخبير في ملف الصحراء، تحت عنوان: “مغالطات تحتاج للتصويب”، إن المقالة التي نشرها التامك حول الموقف الأمريكي في إحاطة مجلس الأمن الأخيرة، قفز فيها صاحبها في “تحليله لإحاطة مجلس الأمن على معطى أساسي، وهو المعطي المتعلق بالاحاطة نفسها، هي جلسة مغلقة تم فيها تقديم عرضين/إحاطتين”.
وأضاف البعمري، أن الإحاطة الأولى كانت “من طرف نائب الأمين العام المكلف بشؤون أفريقيا بالنيابة، والأخرى من طرف رئيس بعثة المينورسو، وكلا الإحاطتين جاءتا في إطار المادة العاشرة من قرار مجلس الأمن حول الصحراء 2548 الصادر نهاية أكتوبر 2020، وهو ما يجعل من الجلسة تقنية فقط لتقديم عرض حول التقدم المحرز والمُنجز سياسيا، والوضع أمنيا/ميدانيا”.
سياق الهجوم على واشنطن في غير محله
وتابع: “التامك، في مقالته هاجم الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مسبوق خاصة وأنه يأتي في سياق في غير محله، فلا وجود لأي توتر في العلاقة مع الإدارة الجديدة، ولا الولايات المتحدة الأمريكية أبدت استعدادا لتغيير موقفها ولا هي غيرته كما أنها في إحاطة مجلس الأمن لم تبدي أي إشارة نحو تغيير تموقعها في العلاقة بالنزاع ككل”.
وتساءل البعمري: “لماذا إذن هذا الهجوم العنيف على دولة هي حليفة للمغرب قبل أسابيع نظمنا معا عملية أمنية مشتركة: الأسد الإفريقي، وقبلها زار وفد من السفارة الأمريكية الداخلة…”، معتبراً أن “موقف التامك غير مبرر، ولا يوجد ما يبرره و يعتبر تحليل انفعالي أكثر منه سياسي للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
وذكر المحامي أن واشنطن “التي تعيش تغير سياسي على مستوى الإدارة التي تحكمها ولكل إدارة أسلوبها في إدارة الملفات، لذلك قد يكون هناك تغير في تدبير الملف من طرف إدارة الديموقراطيين دون أن يمس بجوهر الموقف الأمريكي من الصحراء، ومن الملف ومن العملية السياسية ككل، وهذا هو ما لم ينتبه له السيد التامك في تحليله للموقف الأمريكي إن جاز تسميته بالموقف”.
مقترح الحكم الذاتي بين الرباط وواشنطن
واسترسل: “التامك، قدم في فقرة خاصة متعلقة بالحكم الذاتي التي حاول أن يُظهر فيها أن أمريكا هي من اقترحت الحكم الذاتي قد يكون الهدف منه إظهار أنها هي من اقترحت المبادرة وهي من تعارضها اليوم، وهو أمر غير صحيح ويتنافى مع، أولا مع الموقف الأمريكي نفسه حيث أن الإعلان الأمريكي الذي وقعه ترامب ولم يتغير للآن توجد فيه نقطتين الأولى الاعتراف بمغربية الصحراء، الثانية دعم مبادرة الحكم الذاتي”.
ونبه البعمري إلى أنه “سبق أن تجلى هذا الموقف من الناحية السياسية في مسودات قرارات مجلس الأمن التي تقترحها للمناقشة، كما أنه لو كان للولايات المتحدة الأمريكية موقفا من المغرب أو تغير في موقفها، وانحيازها لأطروحة الخصوم لكانت قد طرحت أثناء مناقشة الإحاطة وجود الحرب ولكانت قد طرحت ورقة حقوق الإنسان في الصحراء وهو ما لم يحصل”.
كما أنه من جانب آخر، يواصل البعمري “المقالة وهي تقوم بهذه الإحالة غير المرفقة تكون قد قفزت على وقائع التاريخ المرتبطة بالصحراء وبالمغرب ككل”، موضحاً: أن “التامك تناسى أولا أن فكرة الحكم الذاتي كانت دائما مطروحة من طرف القوي الوطنية والديموقراطية المغربية منذ بداية النزاع خاصة من طرف الاتحاد الاشتراكي، ومن طرف منظمة العمل الديموقراطي الشعبي ومن طرف العديد من الأصوات الديموقراطية ببلادنا منذ الثمانينات، مرورا بالتسعينات..”.
الحكم الذاتي وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة
وأبرز أن الفكرة “كانت منذ البداية مطلبا وطنيا، ديموقراطيا، كما أنه قفز على أن فكرة الحكم الذاتي هي كذلك واحدة من مُخرجات وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة أثناء معالجتها لملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الاٍنسان في المغرب عامة والصحراء خاصة”، مشيراً إلى أن الأمر يعد أيضا “عنوان لمرحلة العهد الجديد، عهد محمد السادس الذي تبنى هذا المقترح في إطار مقاربة شاملة للمغرب يتداخل فيها المفهوم الجديد للسلطة، بالحكم الذاتي، بالبناء الديموقراطي..”.
ومضى البعمري يقول، إن فكرة الحكم الذاتي “هي عنوان أطرت فترة حكم العاهل المغربي منذ تقلده للحكم للآن ولم يكن محتاجا لابن صديق التامك ليقترح والده الحكم الذاتي ويطرح سؤال ماذا لو جرب المغرب تطبيقه؟؟!”، مردفاً: أن “المقالة توحي وكأن فكرة الحكم الذاتي ولدت من الجلسة التي رواها السيد التامك وليس من رحم التحول الديموقراطي الذي عاشه المغرب والذي تعتبر المبادرة واحدة من تجلياته”.
المغرب لم يتبن الحكم الذاتي في 2007
وأوضح: “هنا لابد من توضيح نقطة مهمة جدا المقالة أرادت تمرير مغالطة تاريخية تتجلى حسب مقالته في كون المغرب تبنى مبادرة الحكم الذاتي بعد سنوات من جلسته مع ويليام إيغلتون سنة 99، في إشارة لسنة 2007 أي أن الحكم الذاتي هو مقترح أمريكي وجاء في جلسته!!!”، مشدداً على أنه “بهذه المغالطة فالمقالة تسقط في خلط لا يجب أن يسقط فيه من هو في موقعه كشيخ سابق لتحديد الهوية، فسنة 2007، التي أحال إليها ليست هي سنة تبني المغرب للحكم الذاتي”.
وأردف بأن 2007، كانت السنة “التي طرح فيها المغرب المبادرة بالأمم المتحدة بعد أن وصل الملف أمميا للحائط بفعل استقالة بيتر فان والسوم، لكن فكرة الحكم الذاتي تولدت وتبناها المغرب مع العهد الجديد والنقاش الذي طُرح آنذاك حول أي مغرب نريد، وفي نقاشات هيئة الإنصاف والمصالحة… من المهم أن نكون منصفين للتاريخ ونقدمه كما هو ليس كما نريد نحن”، مختتماً: “المقالة في عمومها انفعالية اكثر منها تحليلية،سقطت في تقديم معطيات مغلوطة و تعاطي غير موفق مع الموقف الأمريكي أثناء مناقشة الإحاطة”.
الدولة لا يمكنها تبليغ رسائلها بأسلوب تهديدي
من جهته، قال الحقوقي عزيز إدمين، في تدوينة نشرها على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تعقيباً على مقالة التامك، إن “الدولة لها من ناسها الكثير إذا أرادت أن تبلغ رسالة ما، كما أنها في المجال الديبلوماسي وخاصة في ملف الصحراء تنتقي جيدا الأسلوب والشخص، فلا يمكنها أن تبلغ رسائلها بلغة ركيكة وأسلوب تهديدي…”.
ثانيا، يتابع إدمين “من يقول إن الدولة تريد تبليغ رسالة للأمريكان عبر موظفها في السجون، فإنه يقول بطريقة عكسية إن قنوات التواصل والاتصال والدبلوماسية والقنوات غير الرسمية والقنوات غير المعلنة، واللوبيغ المغربي، وجمعيات الصداقة، ومساحات المقالات المؤدى عنها… كلها أغلقت.. وإننا في أزمة كبيرة بين المغرب وأمريكا، وهذا الأمر غير واقعي وغير صحيح”.
وزاد الحقوقي ذاته: “من يقود البيت الأبيض هم الديمقراطيون، ولا أعتقد أن المغرب سيخاطبهم عبر مسؤول عمومي عليه عدد من الملاحظات فيما يتعلق بالساكنة السجنية، وخاصة توتره واندفاعه وأحيانا تهوره في ملفات معتقلي الرأي والحركات الاحتجاجية”، مختتماً تدوينته” “في اللحظة التي ينتشي فيها المغرب بمحطة مجلس الأمن الأخيرة، في مقابل تندد البولساريو… جا مقال التامك وحش الركابي للمغرب”.
التامك كرر صفة مدنية وأكاديمية
في المقابل، اعتبر الأكاديمي إدريس جنداري، أن مقالة التامك، لا تمثل موقف الدولة، معتبراً أنه من حقّ الأخير في التعبير عن رأيه بصفته مواطناً مغربياً، بعيداً عن المنصب الذي يشغله كمدير عام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، قائلاً إن البعض اعتبر “خرجة التامك تسريبا لموقف رسمي للدولة، حول مخرجات الاجتماع الأخير لمجلس الأمن و خصوصا ما يتعلق بالموقف الأمريكي المحايد والموقف الروسي المتحيز للطرح الجزائري، لكن ما لم يتم الانتباه إليه جيدا هي الصفة التي ألح التامك على تكرارها في تقدير موقفه”.
واستطرد أن هذه الصفة “مدنية (شيخ قبيلة) وصفة أكاديمية (أستاذ جامعي)، بالإضافة إلى انتمائه الصحراوي الذي يخول له الانشغال بقضية الصحراء ككل الصحراويين المغاربة الذين تعتبر الصحراء خبزهم اليومي”، مشيراً إلى أنه “لم ترد أي إشارة، إذن، إلى الصفة الرسمية التي يمثلها التامك كموظف سام يمثل الموقف الرسمي للدولة. ولذلك، لا داعي للتسرع والحكم على ظاهر الأمور”.
الموقف الرسمي عند بوريطة والتامك يعبر عن رأي شخصي
وأكد جنداري أن “هناك موقف رسمي واحد عبر عنه بوريطة، وهو موقف إيجابي يعتبر مخرجات اجتماع مجلس الأمن انتصارا للمغرب على ثلاثة محاور أساسية (اعتبار الجزائر طرفا أساسيا في النزاع المفتعل، دعم مجلس الأمن لحل سياسي برجماتي، دعم مبادرة الحكم الذاتي)/ بلاغ وزارة الخارجية)”.
واختتم الأكاديمي ذاته: “يجب أن نضيف إلى هذه المكتسات، موقف الهند الداعم للطرح المغربي والذي يعتبر مكسبا للقضية الوطنية، بالإضافة إلى تجميد مطلب تدخل الاتحاد الإفريقي في النزاع المفتعل والذي يعتبر مطلبا مدعوما من طرف الجزائر وجنوب إفريقيا”، مشدداً على أنه “من حق التامك أن يعبر عن موقفه، لكن أن يعتبر ذلك موقفا رسميا للدولة فذلك تقدير فاقد للصواب”.
تعليقات الزوار ( 0 )