شارك المقال
  • تم النسخ

مقالة في التسامح والازدراء

لماذا أحقد على القمني او غيره وقد امتلأ قلبي بحب الله حتى انه

 لم يعد هناك به مساحة أومكان لكره أحد،  لماذا  اشتم وأسب  القمني أو غيره  مهما كان متطرفا واستئصاليا ملحدا أو كافرا  والرسول الكريم لم يكن سبابا ولا لعانا،  فقضية الإيمان والكفر  شأن  خاص، بالفرد ، في علاقته مع ربه ، ما لم يعلن العداء الصريح أو المحاربة الواضحة للدين والوطن بحيث يصبح عميلا  للخارج  له بأجندة تخريبية أو  بحيث تصبح أفكاره افعالا مادية ملموسة  إرهابية مؤذية  تلحق الضرر بحياة المؤمنين أو تبرز أعمالا للعيان فحين ذاك يكون  من الواجب  دفع الأذى بما يناسب الحال  بالبيان او بالقانون وذلك موكول للسلطة الزمنية من الدولة  أو ولي الامر وليس موكولا  للأفراد  ان يعقدوا  المحاكمات أو يصدروا العقوبات مهما بلغت درجة التجديف  حتى لا تعم الفوضى  وتقع الفتنة  والفتنة أشد من القتل ، أو  ان يكون  من المناسب الرد بالحجة الدامغة والدليل مقابل الدليل والفكر مقابل الفكر ،من غير اتباع للأخلاق  المنحطة  المنحلة   مع المحافظة على الاتزان  والرزانة الفكرية  والأخلاقية فليس من  الإيمان  والفضيلة اتباع اساليب الشيطان ،والعنف الأخرق ، والمعلوم  فقها القاعدة التي تقول انه لا يصح استعمال أساليب غير مشروعة للوصول الى هدف مشروع ، وفي تراثنا الفكر كثير من المناظرات ومنها  ما كان بين الخياط المعتزلي والملحد ابن الريوندي ،  كما ان المعاملة بالحسنى  والعقل تتيح وتترك  الباب مفتوحا  للرجوع  والتوبة، فكم من ملحد او لا ادري أو كافر اصبح من أشد المؤمنين بالله قديما وحديثا ومنهم أناس عاديون رسامون وموسيقيون وفلاسفة وخير مثال على ذلك داعية الإلحاد   الذي أصبح ربوبيا وهو العالم البريطاني انتوني فلو الذي ألف كتابا أسماه (هناك إله)  ، أما محاربته لكل ما هو ديني ومحاربته الله ورسوله ص  وازدراءه  العقائد والإيمان ، فهي شيم لا أخلاقية تهين وتحتقر فئات كثيرة من المؤمنين  وهي قيم ساقطة  هابطة فعلا ، ومخالفة للقانون والأخلاق وتقع تحت طائلة التجريم والعقاب في كل الملل والنحل وحتى في ظل قوانين العالم  العلماني المتمدن  المتحضر ، لأن من شأن التجديف بالأله والأنبياء أن يلحق ضررا نفسيا ومعنويا يخول الحق للمؤمنين مقاضاة  المستهزئين بعقائد  الناس.

 وحيث كان هذا الخلق  خلقا مرفوضا  فإنه لا ينبغي ان يكون مثالا يحتذى به ، ونموذحا يتبع ، فليسب من شاء أن يسب  فإنما  يلحق بنفسه صورة سلبية ويسمها بسمة  الانحطاط  والحقد واللاعقلانية  ، لأن السب والقذف والسخرية لا يمكن ان يحقق التنوير  والتقدم ، ولا يمكن أن يؤدي إلا إلى التعصب والتقهقر ، وليس ذلك من قيم وشمائل الاخيار الفضلاء، كما ان الموضوع خلاف في الفكر  والفلسفة وحتى إن وصل الخلاف للعقيدة ، والمقدس والمدنس، فلكم دينكم ولي دين ، وكل قوم بما لديهم فرحون وقد عاش الرسول ص  مع الكفار والمنافقين واليهود في المدينة بعهد ووثيقة الامان والمواطنة ما لم تعلن الأقلية الخيانة الكبرى فحين ذاك يكون العقاب العادل ، التسامح والتعايش ضرورة حتمية بين الفرقاء مهما تناقضت رؤاهم ، في مجتمع المدينة المتحضر ،مع الحفاظ على الاحترام المتبادل وعدم السخرية والاستهزاء بأفكار وعقائد المخالفين مهما بدت درجة اختلافهم او تخلفهم أو انحرافهم دون استئصال أو إقصاء فإنما نحن بشر نصيب ونخطأ ونؤمن ونكفر ، وكل نفس بما كسبت رهينة ، وإنما الأمر إيمان وتسليم واطمئنان ليس فيه للعقل طريق  للبرهان، وإنما هو برهان الصديقين فانت لا تستطيع ان تثبت أو تنفي لأن الأمر خارج عن نطاق العقل التجريبي أو النظري ، فلا الملحد قادر على نفي الاله  ولا المؤمن قادر على إثباته ،بالمنطق،  ويبقى الموضوع متعلقا بالتجربة الروحية والايمانية لكل فرد على حدة فهي تجربة قلبية تتعلق بالذوق والعرفان والشعور بالحق ، جوانية فردية كما كانت تجربة القديسين والصوفيةالكبار كذي النون المصري وابراهيم ابن أدهم والمحاسبي والجيلي وابن عربي ، والغزالي  والجنيد  والحسن البصري ورابعة العدوية شهيدة  العشق الإلهي وكما كانت تجربةالفيلسوف الدنماركي كيرجكارد ، وتجربة بوذا  سيد هارتا وغيرهم من اصحاب التجارب الروحية ،الكبرى.

 وأنا هنا لا أساوي بين  الأديان السماوية  ذات المصدر الإلاهي وغيرها، وبالتالي ففي هذا الباب يجب احترام اعتقادات الناس مهما بدت غرابتها ،والدعوة  إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، لا ينبغي تأليه العقل لأنه قاصر عن إدراك جواهر الامور وإدراك الشيء في ذاته كما يقول إيمانويل كانط ليس لنا خيار  الإجابة على الأسئلة الوجودية الانطولوجية حول الحياة والمآل والمصير والغاية والحب والسعادة ،والألم ،والملل والضجر ،  ولذلك فإنه ينبغي التواضع قليلا أمام حجم الكون الهائل الذي تبدو فيه مجرتنا  ذرة صغيرة كحبة رمل من رمال الصحراء  في الربع الخالي ، والاستماع الى هدير النجوم حين فنائها ونسمة الروح السارية في الموجودات  والمخلوقات من الحيوانات والشجر والحجر  وتموجات الزمكان  والفراغ والأشياء  واللاشيء الإيمان نور يقذفه الله في القلب فينير بعد ظلمة  ويؤنس بعد وحشة ، ومن اختار الهياكل الخربة  والحياة الدنيا المؤقتة الفانية، واللذائذ  المنقضية وتصفيقات المعجبين فله ذلك    وحين تأتي الحقائق فلا يلومن احد احدا  أمام المصير المحتوم ..

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي