نشر معهد واشنطن للشرق الأذنى ورقة سياسية حول الوضع في الجزائر تحت عنوان “ كورونا في القصبة: تأثير الوباء المزعزع للاستقرار على الجزائر”وتقول الورقة أن الجزائر البالغ عدد سكانها 43 مليون نسمة، توجد بها بنية تحتية طبية ضعيفة مقابل استمرار أزمة سياسية منذ عام و عملية إعادة توجيه الاقتصاد متوقفة ،اقتصاد يعتمد بشكلٍ مفرط على النفط والغاز منذ عقود، وهذه عوامل جعلت جميعها هذه البلاد الواقعة في شمال أفريقيا عرضة بشكلٍ خاص للتداعيات الناتجة عن الفيروس.
فالجزائر تعرف أعلى رقم إجمالي وأعلى معدل وفيات للفرد الواحد المُبلغ عنها بين البلدان العربية ،وفيات في بلاد كان مؤشر “الأمن الصحي العالمي” لعام 2019، الذي يقيس القدرات المختلفة للقطاع الصحي في بلدان في مختلف أنحاء العالم – ومن بينها الاستعداد لإدارة الأوبئة – قد صنّف الجزائر في المرتبة 173 من أصل 195 دولة وفي المرتبة 17 من أصل 21 دولة عربية (لايوجد وراءها سوى جيبوتي، وسوريا، واليمن والصومال فقط).
و تقول الورقة أن الحكومة الجزائرية في ردها على تفشي الوباء، امتنعت عن تنفيذ الإغلاق في جميع أنحاء البلاد (على عكس المغرب وتونس المجاورتين)، واختارت حظر التجوّل والحجز المحدُّد الأهداف في المناطق المُصابة بشدة، مثل البليدة إلى الجنوب الغربي من الجزائر العاصمة.
وتقول ورقة معهد واشنطن أنه سواء كانت تصريحات الحكومة الجزائرية تعكس الواقع أم لا، فمن غير المرجح أن تُقنع الكثير من الجزائريين بالنظر إلى أزمة الشرعية التي تواجه القادة السياسيين في البلاد منذ وقتٍ طويل قبل وصول الوباء. حيث اعتُبر انتخاب تبون في 12ديسمبر 2019 كمحاولة مزوّرة لتهدئة الحركات الإحتجاجية التي دامت عشرة أشهرٍ وتُعرف باسم الحراك، والتي دعَت إلى تفكيك النظام الغامض للشبكات العسكرية والتجارية والسياسية – فئة من الجنرالات ورجال الأعمال والسياسيين من الحزب الحاكم الذين كانوا ضمن الدائرة المقربة للرئيس بوتفليقة -، تلك الشبكات التي حكمت الجزائر لفترة دامت أكثر من نصف قرن. وكان يُعتقد أنّ تبون هو المرشح المختار لرئيس أركان الجيش آنذاك أحمد قايد صالح، الذي أصبح الحاكم الفعلي للبلاد بحُكم الأمر الواقع بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في أبريل 2019 بعد بقائه في الحكم لفترة طويلة.
وتضيف الورقة أن قايد صالح تُوفّيَ بشكلٍ غير متوقَّع بعد عشرة أيام تقريباً من أداء تبون اليمين الدستورية، وفي المنافسات السياسية التي تلت ذلك، برزَ صراعٌ على السلطة بين بقايا معسكر قايد صالح وخصومه في الأجهزة الأمنية. وعلى الأرجح تعكس عملية الفصل الأخيرة للجنرال واسيني بوعزة، الذي اختاره قايد صالح كمدير المخابرات الداخلية ، وعملية إقالة العقيد كمال الدين رميلي، مدير الأمن الخارجي في الأسبوع الماضي، محاولات جارية للتخلص من آخر بقايا معسكر قايد صالح وإقناع جمهور الناخبين المتشكك كثيراً بأنّ تبون يسعى إلى فتح صفحة جديدة.
ومنذ مدة نقل الحراك ،حسب ورقة معهد واشنطن ،جهود الحشد إلى الإنترنت، بتنظيمه حملات لجمع الأموال لشحنات الأغذية والمعدّات الطبية إلى أكثر المواقع الساخنة للفيروس في الجزائر، وإدانته للدولة على تعاطيها مع الأزمة الصحية، ذلك التعامل الذي اعتبره الكثيرون متأخراً وعشوائيّاً. وعلى الرغم من إقالة تبون لمسؤولين في المخابرات لا يحظون بشعبية، إلا أن الدولة استمرت في اعتقال ناشطين وصحفيين وسجنهم، مما زاد من إثارة الحراك، ورفعَ احتمال المواجهة بين الحكومة والجماعة المعارضة الرئيسية لها.
وتضيف ورقة معهد واشنطن أن فيروس كورونا بدأ بإلحاق الضرر في الاقتصاد الجزائري. فنظراً لأن مبيعات الهيدروكربونات تمثل 93 في المائة من عائدات التصدير و40 في المائة من الإيرادات، فإن هذه البلاد المنتِجة للنفط والغاز عرضةً بشكلٍ خاص للانخفاض العالمي في الطلب الذي أحدثه الفيروس. واضطرّ المشرّعون الجزائريون إلى تخفيض ميزانية الدولة بنسبة 30 في المائة بسبب حرب الأسعار بين السعودية ورويسيا الجارية في الاشهر الأخيرة، التي أدت إلى انخفاض سعر النفط.
وتشير ورقة معهد واشنطن إلى انه بحلول نهاية مارس تراجعت احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية إلى ما دون 60 مليار دولار (أقل من ثلث ما كانت عليه بعد انخفاض أسعار النفط في عام 2014). ورغم تصوّر بقاء هذه الاحتياطيات حتى نهاية عام 2020، إلّا أن التوقعات لعام 2021 تبقى أقل تأكيداً بكثير. وبسبب اعتمادها الشديد على الواردات، فستتأثر البلاد على الأرجح إلى حدٍّ كبير بتعطل سلاسل الإمداد الدولية، ومن شبه المؤكد أن يشهد الجزائريون نقصاً محليّاً في البضائع.
وبالتالي، فإن اتفاق “منظمة البلدان المصدّرة للنفط” (“أوبك”) في 12 أبريل لخفض الإنتاج كان موضع ترحيب في الجزائر، على الرغم من أنّ الانخفاض المستمر للأسعار لا يبشّر بالخير. وأدّى قانونٌ متعلّقٌ بالهيدروكربونات تم إقراره في يناير إلى تخفيض العبء الضريبي على شركات النفط الدولية، كما باشرت شركة النفط الحكومية الجزائرية، “سوناطراك”، بتوقيع مذكرتيْ تفاهم مع شركتيْ “شيفرون” و”إكسون موبيل”، فضلاً عن مذكرات تفاهم مع شركات روسية وتركية. ولكن في ظل عدم ترجيح انتعاش الطلب العالمي في أي وقت قريب، فلا يمكن توقُّع جني الكثير من الثمار من هذه الاتفاقات على المدى القريب. وفي غضون ذلك، أدى فيروس كورونا إلى زيادة الأسعار للمستهلكين، وقد يؤدي إلى تفاقم البطالة في بلدٍ لا يعمل فيه أكثر من ربع الراشدين الشباب. وقد تتمكن بعض مجتمعات المغتربين الجزائريين في كندا وفرنسا من مساعدة بعض الأسر المتعثرة، إلّا أن مثل هذه المساعدة بالكاد ستخفف عواقب الوباء في غياب إصلاحات أعمق في السياسة والحوكمة. الوضع أليم في الجزائر ،حسب ورقة معهد واشنطن والامتعاض الشعبي العام تجاه نظام تبون يتزايد.
تعليقات الزوار ( 0 )