شارك المقال
  • تم النسخ

معهد أمريكي يسلط الضوء على استراتيجيات المغرب والجزائر المتباينة في تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية المستقبلية

في ورقة بحثية تحت عنوان تحت عنوان: “التفكك المغاربي: استراتيجيات المغرب والجزائر المتباينة في تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية المستقبلية”، قال معهد “Wilson Center” الأمريكي للدراسات الدولية، إن المغرب والجزائر يسيران في مسارات متباينة.

وأوضحت الدراسة، أن المغرب يبني علاقات ويستثمر في دول الساحل، في حين تركز الجزائر على استبعاد المغرب من اتحاد المغرب العربي، ويظهر النهج الذي يتبناه المغرب وعدا جديدا، في حين يعمل نهج الجزائر على تعميق عزلتها.

وتؤكد خطوتان حديثتان على ديناميكيات القوة المتطورة في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، مما يعكس التنافس المتعمق بين المغرب والجزائر، والذي يضرب بجذوره في صراع الصحراء الغربية واختلاف السياسات الخارجية.

واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن المغرب يواصل تعزيز التكامل الاقتصادي من خلال مبادرته الأخيرة لربط بلدان الساحل بالمحيط الأطلسي في إطار استراتيجية استباقية شاملة لتوسيع نفوذه الإقليمي.

وفي المقابل، أعلنت الجزائر عن كتلة استشارية جديدة مع تونس وليبيا – وهي خطوة تستثني المغرب وموريتانيا – مما يوضح موقف الجزائر الدفاعي المنعزل الذي تحركه المنافسات السياسية بدلاً من فرص التعاون.

ويسلط هذا التناقض الضوء على الاستراتيجيات المختلفة ويؤكد على تعزيز موقف المغرب في المنافسة الإقليمية، وهو الاتجاه الذي أصبح واضحا بشكل متزايد.

استراتيجية المغرب المربحة للجانبين

وفي نونبر 2023، أطلق العاهل المغربي الملك محمد السادس المبادرة الأطلسية لتعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ويسعى المشروع إلى تعزيز اقتصادات منطقة الساحل والأمن الإقليمي من خلال الاستفادة من البنية التحتية المغربية، وإدخال مشاريع متقدمة في مجال الزراعة والطاقة الشمسية، وتحسين التعليم والتدريب المهني وخدمات الرعاية الصحية.

وقد تمت مناقشة الأمر بشكل أكبر خلال اجتماع وزاري بعد شهر في مراكش، حيث ركز على الدول غير الساحلية مثل مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، بالإضافة إلى موريتانيا، وهي دولة مهمة للتعاون في منطقة الساحل على الرغم من أنها ليست حبيسة.

ويمكن النظر إلى مبادرة المغرب بشأن الساحل الأطلسي على أنها تتويج لتحول استراتيجي من العزلة إلى المشاركة الاستباقية في الشؤون الأفريقية، وهو ما حفزته عودتها إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2017.

وأنهت عودة المغرب إلى أفريقيا فترة من العزلة الدبلوماسية بعد انسحابها من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والوحدة الأفريقية (OAU) في عام 1984، احتجاجًا على اعتراف منظمة الوحدة الأفريقية بالجمهورية الوهمية.

وخلال تلك الفترة، وبفضل دعمها لحركات التحرر والموارد الاقتصادية الكبيرة من عائدات النفط، وضعت الجزائر نفسها في وضع أفضل، لا سيما حيث كان الغياب الدبلوماسي للمغرب ملحوظا، ومنذ عودته إلى المسرح الأفريقي، قام المغرب بتوسيع نفوذه من خلال نمو الشركات والمبادرات الدبلوماسية والالتزامات الأمنية.

وقامت الشركات المغربية الكبرى، مثل التجاري وفا بنك، واتصالات المغرب، والمكتب الملكي الشريف للفوسفاط، بتوسيع عملياتها، مما جعل المغرب مستثمرًا أفريقيًا رائدًا في مجال الأعمال المصرفية والاتصالات والبناء.

وقد عزز المغرب تواصله الدبلوماسي من خلال افتتاح سفارات جديدة والمشاركة في زيارات رسمية رفيعة المستوى بقيادة الملك محمد السادس، مما أدى إلى العديد من الاتفاقيات الثنائية.

وأصبح المغرب أيضًا لاعبًا رئيسيًا في مكافحة الإرهاب والأمن، حيث يوفر التدريب العسكري والدعم الاستخباراتي لدول الساحل، وبالإضافة إلى ذلك، فقد استفادت من تراثها الديني لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة من خلال تدريب الأئمة وتعزيز التعليم الديني.

ويمثل دخول المغرب مؤخراً إلى قطاع الطاقة، الذي تهيمن عليه الجزائر تقليدياً عبر خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب (NMGP)، تحولاً هاماً آخر.

وتتحدى هذه الخطوة معقل الجزائر على صادرات الطاقة من خلال ربط الغاز النيجيري مباشرة بأوروبا، متجاوزا الأراضي الجزائرية. وعلى الرغم من كونه أحدث، فقد تفوق برنامج NMGP على برنامج TSGP القائم منذ فترة طويلة في الجزائر في دراسات الجدوى والتعاون الإقليمي.

وتؤكد هذه المناورة، حسب وصف المعهد ذاته، طموحات المغرب الأوسع لإعادة تشكيل مكانته الجيوسياسية وتوسيع نفوذه عبر أسواق الطاقة الإقليمية والعالمية.

مغامرًا خارج نطاقه الجيوستراتيجي التقليدي، انخرط المغرب في مناطق في شرق وجنوب إفريقيا، ويشمل ذلك مشاريع اقتصادية كبيرة، مثل مصنع كبير للأسمدة في إثيوبيا ونيجيريا، وتعزيز العلاقات التجارية مع كينيا وزامبيا. ويهدف المغرب إلى تغيير ولاءاته الإقليمية من خلال هذه المبادرات، والتأثير بمهارة على التصورات لحشد الدعم لأجندته الدبلوماسية.

عزلة الجزائر

وفي أبريل 2024، عقد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والرئيس التونسي قيس سعيد والرئيس الليبي محمد المنفي قمة في تونس لتنشيط اتحاد المغرب العربي، باستثناء المغرب وموريتانيا بشكل خاص، وشدد القادة الجزائريون على أن هذا الاتحاد لا يستهدف أي دولة، معتبرين إياه منفتحا على كافة المناطق

ويقدم ظهور هذا التحالف الجديد لمحة كاشفة عن حالة الشؤون الجيوسياسية في منطقة شمال أفريقيا، وهو يعكس التقارب الأخير بين الجزائر وتونس، والذي عجلت به التحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس، والتي أدت إلى تقارب أوثق، ووضع تونس في علاقة تبعية مع الجزائر.

وفي خضم التنافس المغربي الجزائري، تبحر ليبيا في وضع داخلي معقد مع سياسة خارجية مزدوجة: الانضمام إلى الكتلة المغاربية الجديدة بينما تدعو، عبر مبعوثها سامي المنفي إلى الملك محمد السادس، إلى إدراج المغرب في تنشيط اتحاد المغرب العربي.

وتتميز موريتانيا، التي تفضل الحفاظ على موقف محايد، بالتزامها باتحاد المغرب العربي، ومن المفارقة أن هذا الالتزام أدى إلى استبعادها من تشكيلة الاتحاد المغاربي الجديد.

ويحاول هذا المحور “الداخلي” الجزائري إعادة تنظيم التحالفات الإقليمية ومواجهة نفوذ المغرب المتزايد في منطقة الساحل، وخاصة من خلال مبادرته الأخيرة للوصول إلى المحيط الأطلسي والتي تعتبرها مناورات تطويق.

ومن خلال اقتراح اتحاد جديد، تسعى الجزائر إلى إعادة تأكيد نفوذها وموازنة التواصل الدبلوماسي والاقتصادي المتوسع للمغرب، وفي ما يبدو أنه إجراءات مضادة أخرى، كشفت الجزائر في فبراير 2024 عن خطط لتطوير “مناطق التجارة الحرة” مع موريتانيا ومالي والنيجر وتونس وليبيا لتعزيز البنية التحتية وتعزيز العلاقات الاقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة الجزائرية تعليق القروض المقدمة للدول المشاركة في مبادرة الساحل المغربية في محاولة للتأثير على الديناميكيات المتغيرة.

ومع تقدم المغرب في مبادرته للوصول إلى الساحل الأطلسي، فإن الدور الذي لعبته الجزائر منذ فترة طويلة كعامل استقرار ووسيط إقليمي يتعرض بالفعل للاختبار من خلال التغيرات الجيواستراتيجية التي ليست في صالحها.

واعتبر المعهد، أن إعادة تشكيل التحالفات الأمنية الجديدة من قبل النيجر وبوركينا فاسو تشير إلى تحول كبير، مما قد يؤدي إلى تقليص نفوذ الجزائر ودورها في الجهود الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، أدى إنهاء مالي لاتفاق الجزائر لعام 2015 بسبب مزاعم التدخل الجزائري في شؤون الانفصاليين الطوارق.

كما تصاعدت التوترات مع النيجر بشأن معاملة المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، خاصة بعد إلغاء النيجر لقوانين مكافحة الاتجار بالبشر، إلى توتر العلاقات وتعقيد العلاقات الجزائرية. الجهود المبذولة لإدارة أمن الحدود والاستقرار في منطقة الساحل.

الصلابة مقابل البراغماتية

ولفهم الاستراتيجيات المتناقضة للجزائر والمغرب، من الضروري فهم المحركات الرئيسية لسياستهما الخارجية، وتعزز العقيدة التي يهيمن عليها الجيش الجزائري موقفا صارما لا هوادة فيه يعطي الأولوية للمصالح الجيوسياسية الضيقة على التعاون الاقتصادي.

وأضافت الورقة البحثية، أن دعم الجزائر الثابت لحركة البوليساريو في الصحراء، أدى إلى تعقيد تحالفاتها وإعاقة التعاون الإقليمي والتكامل الاقتصادي، وعلى سبيل المثال، استجابت الجزائر للتحول في سياسة أسبانيا لصالح المغرب بشأن هذه القضية من خلال استدعاء سفيرها، ووقف التجارة، وتعليق معاهدة صداقة طويلة الأمد.

مثال آخر على سياسة الجزائر الاستبعادية تجاه المغرب هو قرارها بقطع العلاقات الدبلوماسية، وتعليق النقل الجوي، وإغلاق خط أنابيب الغاز بين المغرب وأوروبا – وهي إجراءات بررها تطبيع المغرب للعلاقات مع إسرائيل.

ويبدو هذا غير متسق بالنظر إلى علاقات الجزائر الودية مع البحرين، وهي دولة أخرى قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولهذه الإجراءات تداعيات اقتصادية على كل من المغرب والجزائر، مما يحد من فرص التجارة والنمو المتبادل ويخلق حواجز اقتصادية ولوجستية تؤثر على المنطقة بأكملها.

وعلى العكس من ذلك، تبنى المغرب نهجاً عملياً موجهاً نحو الإصلاح، مع التركيز على التحرير الاقتصادي التدريجي، والتحديث، والاندماج العالمي. وتمتد هذه الاستراتيجية إلى سياسته الخارجية، حيث يسعى المغرب إلى بناء تحالفات وتعزيز التجارة وتعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال التعاون والدبلوماسية.

وأكدت الدراسة، أن مشاركة المغرب الشاملة والاستباقية في المبادرات الإقليمية والدعوات العديدة للمصالحة مع الجزائر تجسد التزامه بإعطاء الأولوية للوحدة الإقليمية والتنمية، وقد عزز هذا النهج العملي والتعاوني بشكل كبير حضور المغرب الإقليمي ونفوذه في أفريقيا، مما سمح له بقيادة المشاريع الاقتصادية والمبادرات السياسية عبر القارة.

وبالنظر إلى المستقبل، مع تحرك القارة الأفريقية نحو قدر أكبر من البراغماتية الاقتصادية والتخلص من بقايا أيديولوجية الماضي، فإن الجزائر تسير على طريق المزيد من العزلة، مما يجعلها غير قادرة على تعزيز التكامل الإقليمي أو الاستفادة منه.

وخلص التقرير إلى أن الاعتراف بالنهج المختلف بين البلدين أمر بالغ الأهمية بالنسبة للجهات الفاعلة الإقليمية والشركاء الدوليين أثناء تعاملهم مع الديناميكيات المعقدة في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.

وشددت الدراسة البحثية التي أصدرها مركز “Wilson Center”، على أنه وفي هذا السياق، يمثل دور المغرب كعامل محفز للتنمية والاستقرار فرصة مقنعة للتعاون والتقدم، مما يضمن مستقبل أكثر ازدهارا وأمنًا للمنطقة والقارة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي