Share
  • Link copied

معركة “القاسم الانتخابي” تضع الأحزاب السياسية المغربية في “قفص الاتّهام”

وضعت الضجة الكبيرة التي رافقت المصادقة على تعديل طريقة احتساب القاسم الانتخابي، لتكون على أساس المسجلين في اللوائح بدل عدد الأصوات الصحيحة، الأحزاب السياسية المغربية في قفص الاتهام، بعدما اتهمت من قبل مجموعة من النشطاء بأنها تخدم مصالحها الخاصّة، في الوقت الذي مُرّرت فيه عدة قوانين دون ضجيج.

واتهم مجموعة من النشطاء والأكاديميين والحقوقيين، الأحزاب السياسية بالبحث عن تحقيق مصالح خاصة بعيداً عن الدفاع عن مصالح المواطنين، بعما عبأت التنظيمات السياسية كلّ مكوناتها من أجل تمرير المقترح الذي يخدم مصالحها، حيث وحدت أغلب الأحزاب مواقفها لتعديل القاسم الانتخابي، في الوقت الذي نزل حزب العدالة والتنمية بكلّ ثقله في البرلمان، لمنع المصادقة عليه، وكلا الطرفين دافعا بخطواتهما عما يخدم مصالحهما.

وعن هذا الموضوع، قال عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري، إن “ما حدث في مجلس النواب الأيام الماضية، إنما هو ممارسة سياسية صادرة عن كيانات سياسية لم تعد تهتم إلا لمصالحها الذاتية الأنانية، من خلال تحويل السلطة التشريعية إلى وسيلة لتحقيق مآرب حزبوية ضيقة، ضاربة بعرض الحائط الانتصار إلى المبادئ الأساسية للديمقراطية ومغيبة تماماً للمصلحة العليا للأمة”.

وأضاف العلام أن “ما أقدمت عليه النخبة الحزبية الباحثة عن فرص التوغل في مؤسسات الدولة، وتوزيع المنافع على المحازبين/الزبناء، إنما هو ضرب من التخلف السياسي، وبحث عن انتصارات على الورق، بعدما فشلت في تحقيق الامتداد الجماهيري، وأصبحت أداة للتنفير من السياسة، ودفع المواطنين لاحتراف اللامبالاة”.

وتابع: “تجند الأحزاب، واتحادها، وتحالفها من أجل اعتماد قاسم انتخابي خرافي لا يوجد له نظير في العالم، إنما هو رغبة في توظيف المؤسسات من أجل منح فرصة لأحزاب ضعيفة لا مقدرة لها على المنافسة السياسية في الميدان”، مبرزاً أن ما وقع في البرلمان “من مناورات، إنما هو ضرب للمبادئ الدستورية، وإضرار بقيم الديمقراطية”.

وأوضح العلام أن ما حدث “من شأنه تكريس العزوف السياسي، وإضفاء المزيد من التيه على اللعبة السياسية، التائهة أصلا”، مردفاً: “لو أن الأحزاب تجندت مثلما فعلت بخصوص القاسم الانتخابي، في قضايا أكثر جوهرية للمغاربة، لحققت مكاسب سياسية كبيرة، لقد كان المغاربة في حاجة إلى تحالفها من أجل إسقاط القوانين التي فرضت التعاقد في الوظيفة العمومية”.

واسترسل بأن المغاربة كانوا في حاجة لتحالف الأحزاب من أجل “مواجهة قوانين أخرى أضرت بمصالح المواطنين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وحدت من حرياتهم وحقوقهم المدنية، لكن الأحزاب لم تكن حاضرةً في اجتماعنا السياسي، ما عدا حضورها في إصدار البلاغات التي تدين الحركة الاجتماعية، وتسفه أحلام المواطنين”.

واعتبر العلام أن استمرار النخبة السياسية الحالية في أخطائها، ومواصلة تماديها في البحث عن مصالحها الحزبوية، وتوظيف المؤسسة التشريعية من أجل تحقيق مكاسب على الورق، من شأنه “أن يجهز على ما بقي من بصيص أمل لدى المواطنين المشاركين في السياسة الحزبية، ويدفعهم إلى مزيد من النفور”.

وأشار إلى أن الأمر من شأنه أيضا، أن “يضيف إلى رافضي اللعبة السياسية المزيد من المناصرين، ويقوي حججهم بخصوص هزالة الوضع السياسي، وكل ذلك سينعكس سلباً على الأدوار المنوطة بمؤسسات الوساطة، ويجعل المجتمع في تماس مباشر مع مؤسسات الدولة”، حسب ما جاء في تدوينة العلّام.

ومن جانبه، كتب محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام: “يبدو أن معركة القاسم الانتخابي قد طويت وذلك على أساس عدد المسجلين، هي معركة في عمقها وأهدافها سياسية يراد منها من جهة إنقاذ بعض الأحزاب السياسية التي فقدت بريقها وتهاوت، جزء منها ينتمي إلى ما كان يسمى بأحزاب الكتلة الديمقراطية، وجزء آخر ينتمي إلى أحزاب اليمين والتي صنعت تحت الطلب لتقوم ببعض الأدوار”.

ومن جهة أخرى، يضيف الغلوسي، هدفها هو “محاولة لفرملة الآلة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، والذي وجد الساحة أمامه فارغة في ظل ضعف وعدم مصداقية أغلب النخب الحزبية وفساد جزء آخر منها، كما تهدف المعركة أيضا إلى فسح المجال لبعض الوجوه الجديدة وبعض النخب الأكاديمية والحقوقية وضمنها النساتء والشباب للولوج إلى مواقع القرار المحلي والجهوي والوطني”.

وأردف أن الأمر يأتي أيضاً: “استجابة لحاجة موضوعية في المجتمع الذي لم يعد يقبل برؤية نفس الوجوه في مراكز المسؤولية، فضلاً على أن الدولة هي في حاجة إلى نخب جديدة تتمثل الخطاب الاجتماعي والاقتصاجي وقادرة على لعب دور الوساطة بينها وبين المجتمع ومطالبه خاصة بعدما كشفت مجموعة من الحركات الاجتماعية عن غياب مخاطب مسؤول وذي مصداقية”.

وشدد على أن المعركة السياسية الأخيرة، “تخفي في جوهرها أزمة الحقل الحزبي والسياسي في المغرب من جهة وتكشف عن كون الدولة أو على الأقل جهة في الدولة لم تتجاوز بعد منطق التعامل التكتيكي والظرفي مع الأزمات وهو أسلوب ظل متوارثاً منذ مدة طويلة، أسلوب وتكتيك لإيجاد أجوبة آنية لأزمة بنيوية وذلك عبر الفصل بين البعد التقني والتنظيمي في العملية الانتخابية ومسألة الديمقراطية”.

ونبه إلى أن هذا الفصل، الذي لا زال مطروحاً إلى اليوم “يمكن أن يفضي إلى ربط المسؤولية والقرار العمومي والسياسي بالمحاسبة”، قبل أن يجه سهام انتقاده إلى “البيجيدي”، معتبراً أن المعركة “كشفت انتهازية حزب العدالة والتنمية وعرت طموحات قيادته في الترقي الاجتماعي إلى حد أصبحت فيه محرجة أمام قواعد الحزب وبعض الأنصار والمتعاطفين معه نظرا لحالة الثراء البادية على بعضهم، فبدأت النيران الصديقة من داخله”.

يشار إلى أن مجلس النواب، صادق أول أمس الجمعة، بأغلبية الحضور، على مشروع القانون التنظيمي 04.21، المتعلق بتعديل طريقة احتساب القاسم الانتخابي، واعتماد تحديد المقاعد بناء على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، بدل عدد الأصوات الصحيحة.

Share
  • Link copied
المقال التالي